الوطن

هل ينجح ماكرون في تأمين حكومة لبنانيّة جديدة؟

} د. وفيق إبراهيم

هذا تساؤل مشروع ربطاً بتشكل صراعات اميركية اوروبية حول الملف الإيراني، تتجه الى خلافات سياسية تنذر بإرجاء الملفات الشائكة الى اشعار آخر.

ولن يكون موعده قبل أشهر عدة من الانتخابات الرئاسية الاميركية المقررة في تشرين الثاني المقبل.

ما يجعل الرئيس الفرنسي ماكرون في سباق بين تدهور علاقات أوروبا بالأميركيين حول ملفات إيران وبين الرئيس الأميركي ترامب الذي يريد تحقيق اي إنجاز قبل هذه الانتخابات، خصوصاً مع إيران ليستفيد منها بكسب اصوات جديدة تؤمن له نجاحاً في العودة الى البيت الابيض.

لكن هذه المبارزة المنطلقة منذ مدة لا تلقى اهتماماً موازياً من المؤسسات الدستورية اللبنانية التي تمارس أحابيلها لزيادة حصصها الوزارية والإدارية وكأن الوضع طبيعي، هذا الى جانب حكومة تصريف الإعمال التي لم يعد بإمكانها فعل أي عمل بنيوي وهي بالأساس كانت قبل استقالتها مطوقة بتغطياتها السياسية التي جمدتها ومنعتها من التعمق في ملفات اصلاحية واعمارية وحتى ابتهالية. بأي حال، فإن هذا التدهور في حال قوى الدولة وأحزابها، يبدو اقل انحطاطاً من القوى السياسية اللبنانية المحسوبة على المحور الأميركي الخليجي، فهؤلاء يعملون على تعميق الخلافات الداخلية للوصول الى الانهيار المنشود، لعل النفوذ الغربي يُعيدهم الى لبنانهم الذين كانوا يقدّمونه كسويسرا الشرق وتبين أنه أكبر وكر للفساد والانصياع في العالم.

ألا تثير هذه الصورة الخلفيّة السياسية اللبنانية سخطاً عالمياً على طبقة سياسية تبحث عن المغانم والأسلاب، فيما بلدها يتموضع في قلب انهيارات اقتصادية وسياسية وبالتالي وطنية.

كيف يتطوّر الخلاف بين السياسات الأميركية مع ثلاث دول أوروبية تجسد اوروبا وهي المانيا وفرنسا وانجلتره.

هناك اتفاق بين إيران من جهة وروسيا وفرنسا وانجلتره والولايات المتحدة والصين، انضمت اليه المانيا من خارج مجلس الأمن قضى منذ العام 2015 بوقف تخصيب اليورانيوم في معامل إيران الا بكميات محدودة لتشغيل المعامل وتوليد الكهرباء.

هنا تؤكد هذه الدول الأعضاء في الاتفاق ووكالة الطاقة النووية ان إيران ملتزمة بهذا الاتفاق ولا تخرقه، لكن الاميركيين بمفردهم من دول الاتفاق النووي ومعهم دول الخليج و»اسرائيل» يصرون على اختراق إيران للاتفاق. الى ان سحب ترامب بلاده من عضويتها في هذا الاتفاق متهماً إيران بصناعة صواريخ دقيقة عابرة للقارات وتخصيب يورانيوم لحاجات القنابل النووية، فارضاً عليها حصاراً خانقاً متواصلاً ومتحرشاً بها عسكرياً اكثر من مرة وصولاً الى اغتيال قيادي كبير منها هو قاسم سليماني وحليف عراقي كبير لها هو ابو مهدي المهندس من قيادات الحشد الشعبي العراقي.

لكن هذه التطورات لم تمنع الطرفين الإيراني والاميركي من انتاج هدنة حكومية في العراق لا تزال موجودة ويترأسها الكاظمي الذي يحاول الموازنة بين اهتمامات الفريقين المتنازعين.

إلا أن تكليف الاميركيين للفرنسيين بتصدر المشهد في لبنان، لم ينفع في إقناع فرنسا وانكلتره والمانيا في تأييد طلب اميركي بتجديد حظر سلاح على إيران فامتنعوا عن التصويت وسقط الاقتراح بالفيتو الصيني الروسي.

فانزعج ترامب لكنه كان يراهن مجدداً على كسب اوروبا لتجديد الحصار على إيران بذريعة انها تمتلك الصواريخ الخطرة. ومرة جديدة يبلغ الثلاثي الاوروبي البيت الابيض أنه لا يوافق على تجديد الحصار لانتفاء اسبابه الفعلية. ما يؤدي استتباعاً الى انتاج خلافات اوروبيةاميركية في الشرق الاوسط بسبب الملف النووي الإيراني الذي يشمل في ملفاته الاضافية إعادة إعمار سورية والعراق واليمن وإيران الى جانب الملف اللبناني.

بذلك لا يبدو ان الأميركيين نجحوا باستمالة ماكرون عبر تكليفه بالملف اللبناني.

فهل لبنان في أزمة؟

الدول الغربية ذات سياسات براجماتية تاريخية تربط بين الملفات حيناً، وتفصل بينها حيناً آخر حسب حاجاتها، وهذا واضح في تمريرها لهدنة في العراق مقابل تصعيد كبير في اليمن وسورية.

هناك عامل آخر سريع يتعلق بحاجة الأميركيين اساساً والاوروبيين بدرجات اقل لاختلاق الأحجام والظروف الى استثمارات اقتصادية تشبه ما فعلوه من سرقات ووضع يد على ثروات المنطقة العربية والشرق الاوسط.

اما الاسباب فواضحة وترتبط بوباء كورونا الذي أصاب اقتصادات هذه الدول بشكل أدرك نصف ناتجها الوطني وهذا يعني ارتفاع البطالة والتضخم والرفاه الغربي العام.

هنا يصادف أن لبنان موجود عند خط الصراع على الغاز في البحر الابيض المتوسط مختزناً كميات وافرة منه في اراضيه، بعضها معروف والقسم الأكبر غير ملحوظ حتى الآن، هذا الى جانب ما يحتويه من قوى سياسية ترتبط بنيوياً بقوى الإقليم. وهذا يعني ان الحل الحكومي في لبنان هو الطريق الى الغاز في المتوسط والخط السوري العراقي الإيراني اليمني.

هذه الأسباب تدفع ماكرون وترامب الى البحث مع حزب الله والإيرانيين عن هدنة لبنانية على شكل حكومة جديدة شبيهة بما جرى في العراق.

هذه الحكومة بوسعها لملمة شتات القوى اللبنانية الضعيفة وإعادة تثبيتها في مواقع وزارية لتلبية حاجة الغرب الفرنسي الاميركي.

فهذا سبب يوضح لماذا لا ينجح اللبنانيون بتشكيل حكومتهم، مفسراً في الوقت نفسه ضرورة اكتمال الحوار الفرنسي الأميركي السعودي، واتفاق هذا المحور على شكل الحكومة وعددها وأهدافها مع حزب الله والتيار الوطني الحر، فكيف يمكن لقوى داخلية لم تشعر حتى الآن بعمق الانهيار اللبناني العام أن تشكل حكومة وسط مفاوضات اقليمية ودولية لم تتوصل حتى الآن الى صيغة نهائية لتعرضها على الفريق المقابل؟

لذلك فإن استمرار التناقضات بين المحور الاميركيالفرنسيالسعودي حول لبنان عاملٌ قد يدفع فريق التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل وتحالفاتهم الى البحث عن موارد رزق جديدة في المدى الصيني الروسي الإيراني على قاعدة تشكيل حكومة بالمتيسر من القوى السياسية الداخلية، وذلك منعاً للانهيار النهائي للنظام والدولة والكيان، فهل يفعلون ذلك أم يتلهون بالبحث عن جنس الملائكة وهم غافلون ينتظرون السحر الخارجي؟

هذا الوضع يرجّح اتفاقاً خارجياً على حكومة لها مفعول الهدنة وصلاحيات تلقي مساعدات وقروض من المؤسسات الدولية والبلدان والمؤتمرات لمنع الانهيار وانتظار المعركة الدولية الفعلية على مياه البحر الابيض المتوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى