ثقافة وفنون

شعيب لـ«البناء»: اللغة العربيّة وعاء الفكر وواجبنا المحافظة عليها وعدم السماح بالإساءة إلى قدسيّتها

} علي بدر الدين

في اليوم العالمي للغة العربية، التي تعتبر من اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة، ويجب على الناطقين بها إتقانها ليجيدوا استخدامها استخداماً سليماً، بما ينسجم مع مهاراتها الأربع التي تتمثل بالقراءة والكتابة والحديث والاستماع أي الإصغاء.

ولأنّ اللغة العربية وعاء الفكر، ووظيفتها التعبير والتواصل، وهي وسيلة تعبيرية، لغوية كلامية، تجمع بين التعبير الصوتي والتعبير القلمي البصري التحريري، ومن أجل المحافظة عليها وتطويرها، التقت «البناء» الدكتور علي شعيب الحائز على دكتوراه دولة في اللغة العربية وآدابها والمدقق اللغويّ ومؤلف كتاب «المانع من الخطأ الشائع» كمرجع لغويّ على مستوى عالٍ من الأهمية أغنى المكتبات العربية في لبنان وخارجه، وكان السؤال: ما علاقة اللغة بالتفكير؟

أجاب: لقد توافق العلماء على أنّ اللغة هي نظام من العلامات الصوتيّة الاصطلاحيّة، وهي مجموعة من الأصوات، يعبر بها كلّ قوم عن أغراضهم، وهي وعاء الفكر وظيفتها التعبير والتواصل، وهي أداة اتصال المحدّث بغيره اتصالاً يحقق له أغراضه من الفهم والإفهام، إذ لا بدّ من وجود متكلم ومستمع ومُخاطِب ومُخاطَب، وإذا ما تعذر ذلك اللقاء فلا بدّ من الكتاب الذي أصبح وسيلة تعبيرية لُغوية كلاميّة، تجمع بين التعبير الصوتي والتعبير القلمي البصري التحريري، وبذلك تصبح اللغة مجموعة من المهارات، لا بدّ للمتعلم من أن يتقنها بالاعتماد على النشاط العضوي الإرادي المرتبط باليد واللسان والعين، ليجيد استخدام اللغة استخداماً سليماً، متقناً المهارات الأربع؛ القراءة والكتابة والحديث والاستماع، أو الإصغاء، متمكناً منها بشكل متماسك وثيق الربط، بحيث ترفد كلّ منها الأخرى، وتتآلف معها لبلوغ الهدف وتحقيق أهداف التعبير. ومن هنا ترتبط اللغة بالتفكير ارتباطاً وثيقاً، فالقراءة تعدّ مادة التعبير وأفكاره ومعانيه، ويأتي النحو ليسدّد الخطى ويقوِّم اللحن والاعوجاج، أما النحو فهو ضابطه، والمطالعة والنصوص هي المصدر الذي يُثريه ويُغذّيه، والإملاء هي حصنه الحصين من أخطاء الرسم والكتابة، أما الخط فهو الجمال لهذا الرسم ورونقه.

ما هي الأخطاء في اللغة وما هو العلاج؟

ـ كثيرة هي الأخطاء في اللغة لا تعدّ ولا تحصى.

أولاً: هناك بعض الأخطاء من بعض العرب أنفسهم.

ثانياً: بعد الفتوحات الإسلاميّة شاعت الأخطاء الشفوية.

ثالثاً: في عصر الانحطاط جرى في كيان اللغة العربية سمّ قاتل من الأخطاء، ثم جاءت وسائل الإعلام الحديثة التي درجت على تسمية الأشياء بغير مسمّياتها وبعضها غلب الألفاظ الأجنبية، أما في الصحافة فحدّث ولا حرج.

وأخيراً: الكتاب المدرسي وتدريس اللغة العربية لغير المتخصصين.

وماذا عن توزيع المواد وعدد حصص اللغة العربيّة؟

 يجب البدء من المدرسة والبيت والمجتمع ودور النشر، لأنّ من واجبنا إتقان لغتنا والمحافظة عليها من دنس المتطفلين عليها وعدم السماح لرجال السياسة ووسائل الإعلام بالإساءة إلى قدسيتها وعدم السماح للتلوث اللغويّ أن ينزلق من الرأس إلى القاعدة، وعدم السماح للخطباء والأدباء والشعراء والغاوين والذين تُغويهم الأخطاء الشائعة لتبسيط أفكارهم القاحلة بأن يستسهلوا هذه اللغة تقرُّباً للعامة.

فضلاً عن ذلك، تتفشّى الأخطاء في معظم وسائل الاعلام، إذ لا يمرّ خبر إلا وتجد الأخطاء اللغوية فيه كثيرة. هذا الواقع مأساوي وهذه الأخطاء تعود إلى عدم وجود تدقيق لغويّ، وعدم تدريب المذيعين وإعدادهم لقراءة نشرات الأخبار، إضافة إلى نوع جديد من الكتابات التي تغزو المواقع الإلكترونيّة ومواقع التواصل الاجتماعي وكتابة اللوحات الإعلانيّة بأحرف أجنبية، وما شابه ذلك.

اللغة كائن حيّ

وحول تطور اللغة وتأثرها بغيرها، يجيب شعيب: اللغة كائن حيّ وحياتها رهن بحياة أبنائها. ومن سمات اللغات التطور، وتطوّر اللغة هو أن تنحو إلى التغيير أو التبدُّل، وهذا لا يعني أنّ التطور يكون نحو الأحسن أو الأفضل، فاللغة كائن لها طور تولد فيه وتنشأ، ولها طور تضعف فيه وتتلاشى وقد تضمحل وتموت.

ويضيف: الحديث عن تطوّر اللغة هو حديث عن التطور الذي يحصل في مظاهرها أو في مستوياتها اللسانيّة، أي في المستويات الصوتيّة والصرفيّة، ذلك أنّ الألفاظ المستخدمة هي الشائعة، بحكم الحاجة إلى التعبير عن الحاجات ومتطلبات الحياة التي تتجدّد وتتغيّر باستمرار، وبتغيّر الحاجات تتغير الكلمات أو الوحدات المعجمية، ومن هذه الوحدات المعجميّة الجديدة، المحدث والدخيل والمولد. لذلك كان من الضروري التفكير في تعزيز الثقة باللغة العربية والاعتزاز بها من قبل أبنائها والابتعاد بها عن سوء تحويلها إلى سلعة في اقتصاد السوق، لا سيما السوق الإعلامية التي تأخذ منحًى خاصاً نحو العامية، ما أفقدها رونقها وانحدر بها إلى مستويات لا تليق بها باعتبارها لغة القرآن الكريم ولغة الحضارة الإنسانية.

تقوية المجامع اللغويّة العربيّة

ما الحلّ إذن هل تستسلم؟

ـ بالطبع لا، فمن الضروري تقوية المجامع اللغوية العربية، والعمل على إيجاد مجمع لغويّ عربيّ يهتم بالألفاظ والمصطلحات بغية انتشال اللغة العربية من الأخطار التي تهدّدها، لا سيما العامية وسط عدم اكتراث أبنائها، والوقوف ضدّ الأخطار المُحدقة بها وتبنّي مشروع تقوية اللغة.

وكيف يمكن تقليص الأخطاء اللغوية؟

ـ يرى الدكتور شعيب أنّ عظمة الكتب والدواوين تكمن في أن تكون لسان زمانها، فالكلام درٌّ نفيس وجوهر ثمين وكلام العرب أرقّ من الهواء وأعذب من الماء، والقلم مطيّة البيان والفائض في أعماق أودية الفكر، والجامع بين ما غاب وحضر، وعلى اللسان أن يكون ترجمان القلوب وعلى العاقل أن يكسو المعاني ويزين الكلام ثم يبديها في أحسن زينة. والجاهل فقط يستعجل إظهار المعاني قبل العناية بتزيين معارضها واستكمال محاسنها، مدققاً في سلامة الكلمات وفي مطابقتها للقواعد النحويّة. فهناك مَن لا يلقي بالاً لذلك وهذا منشأ الخطأ والوقوع في الهفوات والأخطاء، ومردّ بعضها إلى الغفلة والتسرّع وعدم الانتباه، فقبل الوقوع في الهفوات والإشكال علينا أن نسأل ونعرف مَن نسأل وكيف نسأل، فهناك أخطاء قد لا تقع إلا عن طريق السهو أو بسبب شغل الذهن بمضمون الكلام. ومن غير الجائز ومن غير اللائق أيضاً أن يخطئ في قراءة كلامه من يريد أن يقنع الناس بأفكاره، ومن غير اللائق أن ننطق العربية الفصحى باللهجات المحلية، ومن غير اللائق ألا نحافظ على مخارج الحروف وعدم التمييز بين الطاء والتاء، بين الكاف والقاف، بين الثاء والسين، فلو سمعنا مثلاً «كسّر الله أمسالك»، بدلاً من «كثر الله أمثالك»، فهل هذا الدعاء للمخاطب أم دعاء عليه؟

ومهما يكن، لا يجوز لأحد شاعراً كان أم شويعراً أن يبرر الأخطاء بالقول: «يحق للشاعر ما لا يحقّ لغيره، فإذا حضر الماء بطل التيمُّم».

التدقيق والأخطاء الشائعة

هل يكفي الاعتماد على المعاجم؟ وما أهمية التدقيق اللغويّ؟

ـ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التدقيق هو مراجعة النص المكتوب والتأكد من خلوّه من الأخطاء اللغوية والإملائية، لكنّ ذلك لا يعني أنّ كلّ من يعرف بأمور اللغة يصبح مدققاً، فالتدقيق له أساليبه وخبراته، وعلى المدقق أن يكون أميناً حريصاً على التركيز التام أثناء عملية التدقيق لضمان سلامة الكتابة وخلوّها من الأخطاء بأنواعها كافة، فإشاعة الخطأ تكثر من اللحن عند العامة، ما يضعف اللغة ويؤثر عليها.

إنّ أولى المصادر التي تجب العودة إليها عند أي إشكال لغوي هي القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ثم الشعر العربي،

وليست المشكلة في الوقوع بالشك بالمفردات، إنما تكمن في كيفية إقناع الآخر.

في بعض الدراسات يكثر استعمال المدراء كجمع لكلمة مدير والصحيح مديرون. مثال آخر: الكأس، إذ يقول نزار قباني: أما كسرنا كؤوس الحب من زمن فكيف نبكي على كأس كسرناه؟

أنا لا أحبّذ ذلك، فهل يحقّ للشاعر تذكير المؤنث وتأنيث المذكر؟ فمن قائل يجوز الوجهان؟ وبالعودة إلى المصادر المعتبرة لم نجد أنّ الكأس من الألفاظ التي يجوز فيها الوجهان، إذ لا يجوز القول إنّ الكأس الذهبي بل الكأس الذهبية وهاك المتنبي يقول:

أحنُّ إلى الكأس التي شربتْ بها..

وأهوى لمثواها التراب وما ضمّها.

وجاء في القرآن: «ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً»، «يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً»، وقد وردت لفظة الكأس ستّ مرات في القرآن الكريم، ومع ذلك قال صاحبي أنا مع نزار قباني، فقلت لكن أنا مع الله.

هل هناك عيّنات من الأخطاء الشائعة؟

ـ من الأخطاء الشائعة والتي أصبحت متداولة باستمرار استعمال كلمة مبروك والصواب مبارك، فالناس تقول مبروك في مجال التهنئة، فما معنى كلمة مبروك. البعير برك، أيّ استنساخ البعير، فهل يجوز أن نقول للشخص مبروك، أي برك عليك البعير؟ هناك من يبرّر ذلك بأنها خطأ شائع، وهي عاميّة.

والصواب استعمال كلمة مبارك، المشتقة من الفعل الرباعي بارك، ومعنى مبارك هي البركة. كما في الآية المباركة «كتاب أنزل إليك مبارك ليتدبّروا آياته».

من الأخطاء الشائعة عدم التفريق بين القِمة والقُمة، المخدِرات والمخدَرات، يُقال تم ضبط كمية من المخدَّرات، (لأنّ الخدِر هو الستر)، الضَعف والضُعف: الضَعف: للقوة، الضُعف: للفعل، أخصائي واختصاصي: الصواب اختصاصي، اعتذر عن الحضور والصحيح اعتذر عن عدم الحضور، التعرّف على والتعرف إلى، أسف له وأسف عليه، فلان يؤسف كما في قوله تعالى «يا أسفي على يوسف». نقرأ إعلاناً يقول: ندعوكم لحضور حفل تخرج فلان من الجامعة. الخطأ الأول: (ندعوكم إلى حضور وليس لحضور)، الخطأ الثاني: (احتفال وليس حفل فالحفل هو جماعة من المحتفلين)، الخطأ الثالث: (التخرّج في الجامعة لأنّ المقصود التخرج في المكان، أما القول التخرّج من الجامعة فهو الخروج منها)، تشتاق إليك العافية، بقصد الدعاء بالخير، لكن هنا انقلبت إلى دعاء بالشر، وطبعاً هو غير مقصود. فالشوق لا يحدث إلا بين متباعدَين ومتفارقين وغائبين، أشتاق إليك والعافية التي تدعو لفلان أن يشتاقها تعني أنه مريض لا سمح الله.

وهناك أيضاً بعض الأخطاء النحويّة والصرفيّة: مثلاً: لعب دوراً بارزاً: لعب فعل لازم لا يحتاج إلى مفعول به، إملاء ذاتيّة والصواب إملاء ذاتيّ: فذاتي منسوب إلى الذات، يقال دافع ذاتي وسيرة ذاتيّة، كتابة عامودي بألف: الصواب: عمودي، غطى الخبر: غطى معناها ستر، يقال غطّى الصحافيون تفجير المرفأ، ماذا يعني ذلك؟ استعمال غطاء لتغطية مكان الانفجار. والصواب نقل الصحافيون الأخبار والأنباء لأنّ غطى معناها ستر، لنستمع سوياً، لنستمع معاً، هناك خطأ لَغوي وخطأ نَحوي: الصواب لُغوي وخطأ نحوي مشتق من النحو،

سوياً وسوية، الصواب: معاً، فالسويّة تعني الاستواء، ولا تعني المرافقة أو المصاحبة فالناس سواسية كأسنان المشط والناس سوية أمام القانون لذا يجب استعمال معاً، مكان سوياً أو سوية «كما في الآية فتمثل لها بشر سوياً».

وفي الختام، توجّه الدكتور شعيب إلى الجميع، خاصة

مديري المدارس والثانويات والجامعات والمحطات الإعلانية

والخطاطين وإلى المركز التربوي للبحوث والإنماء ودور النشر

 والخطباء والشعراء والعلماء ومدرسي اللغة العربية،

داعياً إياهم إلى اعتماد نظام تدقيق لجميع المستويات في تدقيق جميع المراسلات، وتزويد المدارس ببطاقات وأفلام تعليمية ووسائل تعلّمية باللغة العربية، وإلزام معلمي اللغة العربية بأن يتحدّثوا الفصحى الميسّرة، إنشاء مجمع علمي للغة العربية وتسريع تعريب المصطلحات الأجنبية. كما دعا إلى

إجراء دورات تدريبية لجميع العاملين في وسائل الإعلام

وتشجيع الكتابة باللغة العربية لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وإلزام مقدمي نشرات الأخبار بإتقان اللغة العربية.

من مؤلفاته:

الجاحظ «حياته وآثاره»، «دعبل الخزاعي حياته وآثاره»، «منتخب اللطائف والطرائف»، «الشامل في زجل جبل عامل»، «المانع من الخطأ الشائع»، «عبقرية الإبداع في شعر زين شعيب» (قدّم له الزميل علي بدر الدين).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى