نقاط على الحروف

بايدن ولبنان.. وسورية

 ناصر قنديل

يستسهل بعض الإعلاميّين والسياسيين الرد على النرجسية اللبنانية السائدة عند بعض آخر يربط كل شؤون لبنان الداخلية بمستقبل السياسة الأميركيّة، خصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بالقول إن لبنان ليس أولوية أميركية، وصولاً للقول إن الرئيس الأميركي جو بايدن عندما يذكر أمامه لبنان سيطلب الخريطة للتعرف على مكانه عليها، وكل من الموقفين يعبر عن مبالغة في غير مكانها، فبايدن يعرف لبنان جيداً ويتذكّره جيداً، على الأقل منذ تفجير مقر المارينز عام 83 وإسقاط اتفاق 17 أيار، ويتذكر أكثر من الصور التي حملها من زيارته للبنان، أن هذا البلد أذلّ وهزم الحليف الاستراتيجي لواشنطن الذي يمثله كيان الاحتلال، والذي قال عنه بايدن إن يجب على اميركا أن تخلقه لو لم يكن موجوداً، ويعلم جيداً كم بذلت الإدارات التي سبقت إدارته من مال وجهود لإضعاف عنصر القوة الحاسم الذي تمثله المقاومة في لبنان بوجه هذا الكيان، وهذا يضع لبنان ومقاومته حكماً في أولويات بايدن الشرق أوسطية. من هذه الزاوية التي ترتبط بالصورة الإجمالية للمشهد الإقليمي، من دون أن يعني ذلك أن التفاصيل اللبنانية البعيدة عن هذا العنصر، بين الأولويات أو موضع اهتمام يُذكر.

في السياسة الخارجية الأميركية يقع لبنان على تماس مع النظرة الأميركية لحيوية العلاقة المميّزة مع فرنسا، والأخذ بالاعتبار لوقوع لبنان على ثلاثة فوالق محورية في المنطقة تحاول إدارة بايدن مقاربتها عبر فك الارتباط بين عناصرها، الأول هو أمن كيان الاحتلال والثاني هو النظرة لمستقبل العلاقة مع إيران، والثالث هو الصراع الدائر حول سورية، وإدارة بايدن الذاهبة للتخلي عن الرهان على استراتيجية الضغوط القصوى الهادفة لإسقاط شعوب المنطقة ودولها أملاً بإضعاف إيران وحلفائها، ستكون أولويتها مستقبل العلاقة مع إيران، كمفتاح لإعادة رسم السياسات في المنطقة ولن تكون لها مبادرات تتخطى منع السقوط الشامل للبنان قبل تبلور مستقبل مبادراتها لوضع العلاقة مع إيران على قاعدة الاتفاق النووي كتنظيم لقواعد الاشتباك، كترجمة لعقيدة بايدن الدبلوماسية القائمة على نظرية وضع الخصم في علبة، أي اتفاق، ومشاركة الخصوم والحلفاء في ضمانة عدم مغادرتها، والسعي لملاحقته ومراقبته وتضييق العلبة عليه ما أمكن.

خلال المئة يوم الأولى من ولاية بايدن سيكون الاتفاق النوويّ بين الأولويات حكماً، وبعدها سيبدأ رسم السياسات المرتبطة به عضوياً، ومنها لبنان وسورية. وهنا يرجح أن تكون العلبة التي تسعى الإدارة الجديدة لإعادة صياغتها، قراراً فك الاشتباك على جبهة الجولان، ولو اقتضى تزخيمه التراجع عن التبني الأميركي لقرار ضم الجولان من قبل كيان الاحتلال وإلزام الكيان بوقف الغارات على سورية، لضمان تحقيق انسحاب إيران وحزب الله من سورية، مقابل الانسحاب الأميركي، وتقديم سلة تعتقد واشنطن الجديدة أنها ستثير الاهتمام الروسي لبلورة رؤية موحّدة نحو سورية، تضمن صيغة مريحة للجماعات الكردية، ولو لم تكن تحقيقاً لنوع من الاستقلال الذاتي، والحفاظ على المكتسبات العسكرية التي حققوها خلال الحرب، وحزب الله سيكون طرفاً يهم إدارة بايدن النظر إليه من زاوية هذه المبادرة، التي تعبر وفق منهجية إدارة بايدن عن المقاربة الأمثل لإبعاد خطر التصعيد في المنطقة، وفي قلبها الحفاظ على أمن كيان الاحتلال.

في لبنان سيمثل القرار 1701 وفق فهم يتضمن شكلاً ما من أشكال الرقابة على الحدود اللبنانية السورية عنوان العلبة الدبلوماسية التي ستعمل إدارة بايدن لرسم معالمها لمستقبل لبنان، حيث عودة حزب الله من سورية وتخفيض سقف التوتر على الحدود الجنوبيّة بما في ذلك الدفع بمفاوضات ترسيم الحدود، من موقع السعي لإنجاح هذه المفاوضات ولو بتقديم إغراءات للبنان وحزب الله، أهداف تلاقي محاولات ضمّ مراقبة الحدود اللبنانية السورية ومعه إذا امكن المرفأ والمطار، لتشكيل سلة لا تتضمن اعتبار سحب سلاح حزب الله مهمة راهنة، بما فيها صواريخه الدقيقة، رغم التذكير المتواصل بمخاطرها، وبالمقابل الاستعداد لتضمين هذه السلة استعداداً لدور أميركي في صياغة تفاهمات تطال النظام السياسي وتوازناته، وموقع مرجح لحزب الله ضمنها، بما في ذلك مستقبل الرئاسة اللبنانيّة المقبلة، وخصوصاً الإفراج عن مقومات مالية لازمة لخروج لبنان من الأزمة.

ستحاول واشنطن رسم هذه التصورات تباعاً مع الرئاسة الفرنسية كشريك رئيسي ومدير تنفيذي مفوّض لترجمة هذه الرؤية على مراحل تنتهي بالانتخابات الرئاسيّة المقبلة، وقد تتضمن مؤتمر حوار لبناني ترعاه باريس، وستبذل واشنطن جهدها لجعل روسيا شريكاً في عناوين رئيسية منها، خصوصاً أن ما يتصل بسورية يرتبط بموسكو مباشرة، وما يطال الحدود اللبنانية السورية والقرار 1701، ومستقبل ترسيم الحدود وعلاقته بثروات الغاز في المتوسط، اهتمامات أميركية روسية سواء من موقع الشراكة أو التنافس.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى