مرويات قومية

الأمين علي نزهة الوجه الحزبي المضيء

} الرفيق سامي سماحة
عرفت الرفيق سامي سماحة ناشطاً في منفذية بعلبك ومتولياً مسؤوليات عديدة فيها، ثم انقطعت عنه بحكم انصرافي لعمدة شؤون عبر الحدود ثم لتاريخ الحزب.
مؤخراً قرأت له على صفحته على الفايسبوك كلمته القيّمة عن الأمين علي نزهة الذي كنت نشرت نبذة غنية عنه بتاريخ 06/12/2016،
وأنشر اليوم كلمة الرفيق سامي سماحة آملاً ان يزوّدنا لاحقاً بالكثير من الكتابات المفيدة لتاريخ الحزب.
ل. ن.

الأمين على نزهة كان الأمين بالنسبة لنا قومي غير عادي، نتخايله، ونتمنى أن نراه. فنحن الذين تعرّفنا على الحزب في بداية السبعينات، لم تسنح لنا فرصة التعرّف على أمين، لأنه لا يوجد أميناً واحداً في المنطقة. بدأت الحرب في لبنان، وبدأت عملية الانتقال الى الأماكن الآمنة. انتقلت من دار المعلمين في زحلة الى فرع لدار المعلمين في بعلبك استحدثته الدولة اللبنانية. وانتقل عملي الحزبي من «زحلة» الى «بعلبك» بدأنا نشاطاً حزبياً لافتاً في بعلبك، مجموعة طلبة ثانويين استطاعوا خلال فترة بسيطة إنشاء تنظيم طلابي كبير. أخبرنا حضرة المنفذ انّ الأمين علي نزهة سكن في المدينة والتحق بالمنفذية، كانت فرحتنا كبيرة، وأخيراً سيكون بيننا أحد أمناء الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولم يعد اللقاء ينفع، ولم يعد الحديث ينفع، فشهية المعرفة طلبت أكثر، طلبت أن نعرف تاريخ الأمين، وماذا فعل حتى أصبح أميناً. وبعد عدة لقاءات، صرت الأقرب إليه، مما ساهم في زيادة اللقاءات وزيادة اكتساب المعلومات والمعارف.

أذكر أنّ أحد المواطنين أساء الى الحزب بشكل سافر، فاستدعيته الى مكتب المنفذية ورحت أهينه بصوت عال وأهدّده إنْ أعادها مرةً ثانية فسيحصل له ما لم يتوقعه. دخل الأمين علي فجأة الى الغرفة، وطلب مني المغادرة الى غرفة ثانية، وراح يطيّب خاطر المواطن بطريقة سلسلة وصوت منخفض، وبعد وقت لم يطل كثيراً خرج الشاب من المكتب ودخل الأمين الى الغرفة. لا أنسى ما قاله: عندما يكون صوتك عالياً، يعني أنك فقدت أعصابك وعندما تفقد أعصابك يتعطل عقلك، فتخسر الحوار أو النقاش وتعجز عن تقديم الرسالة التي تريد تقديمها، باختصار تكسب خصماً، بدلاً من أن تكسب صديقاً.

وثِق بي الأمين علي وفتح ذاكرته. أخبرني عن تجربته في الصحافة مع رياض طه، هذه التجربة التي لم تطل لأنه اختلف مع رياض على طرائق العمل في الإعلام. أنهى دراسة الهندسة الزراعية في الجامعة الأميركية، حضر ندوات المحاضرات العشر كاملة، كحّل عينيه برؤية الزعيم وهو يمشي في منطقة المنارة. يقف الأمين علي يحاول تقليد الزعيم، ويخبرني كيف بدأ يمتلئ الشارع بالناس عندما كان يمرّ الزعيم هناك. عاد الأمين علي الى النبي عثمان. عندما أقسم يمين الانتماء الى الحزب السوري القومي الاجتماعي، قرأ: «… وأن أقدّم كلّ مساعدة أتمكن منها الى أيّ عضو عامل من أعضاء الحزب متى كان محتاجاً إليها».

عاد الى النبي عثمان، القرية الجرداء في المنطقة الجرداء. العصر عصر الزراعة وليس عصر البستنة. الأمين علي قرّر أن يحوّل المنطقة من العصر الزراعي الى عصر البستنة، وبالتالي من عصر الإقطاع الى عصر العقيدة السورية القومية الاجتماعية.

لو قرأت قيادة الحزب آنذاك تجربة الأمين علي في النبي عثمان لكانت كتبت ملحقاً لقسَم الانتماء، له علاقة بطريقة العلاقة مع المواطنين، ودور أصحاب الاختصاص في بعث النهضة السورية القومية الاجتماعية.

كيف أصبحت النبي عثمان قرية قومية اجتماعية؟

لم يبدأ الأمين علي بتشجير أراضيهم فقط، فحملة غرس الأشجار المثمرة كانت لكلّ المواطنين دون استثناء ودون مقابل للمهندس الزراعي. لم يقم الأمين علي نزهة حلقة إذاعية واحدة في مشروع إنشاء الوحدة الحزبية، جاءت الحلقات الإذاعية بعد تقديم الإرشادات والمساهمة في النهضة التشجيرية. استطاع الأمين على نزهة ان يُدخل الحزب الى كل منازل النبي عثمان، وصار في كل منزل قومي اجتماعي، ولم يطل الوقت حتى صار المنزل بشيبه وشبابه وأطفاله في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وبالتالي أصبحت النبي عثمان قرية قومية اجتماعية.

ومن النبي عثمان انطلق الأمين على الى القرى المجاورة كالعين واللبوة، وكم من مرة كنا في بساتين اللبوة ونتفاجأ بأنّ الأمين علي هو من رسم خريطتها وقرّر نوعية أشجارها. لأنّ النبي عثمان أصبحت عاصمة الحزب، كان المخيم في النبي عثمان، مخيم العودة الى الشام.

ولمخيم العودة الى الشام حكايات وحكايات.

يخبرنا الأمين علي: طلب عميد الدفاع غسان جديد إجراء تجربة للمهمة التي سينفذها رفقاء المخيم، حضر عميد الدفاع، طلب الأمين علي من الرفقاء البدء بتنفيذ المهمة، وسار عميد الدفاع والأمين علي خلفهم دون أن يدري أحد منهم، وعندما تأكد حضرة عميد الدفاع من الجهوزية التامة، طلب الانتهاء من التجربة، فأعطى أوامره بالعودة، وهاج الرفقاء وغضبوا لكنهم تعلموا الالتزام بالأوامر.

أما القصة التي لم يذكرها أحد وطلبت من الأمين علي تسجيلها أو كتابتها أو قبوله بأن أكتبها، هي قصة السلاح الذي وصل النبي عثمان. أخبره عميد الدفاع أنه سيصل الى سماء النبي عثمان طائرتان محملتان بالسلاح، المطلوب استلام السلاح دون أن يعرف أي مواطن بهذا الأمر. سيّر الأمين علي دوريات في المنطقة طلبت من الناس عدم خروجهم من المنازل، لأنهم سينفذون مناورات عملية لخطط عسكرية، وبالفعل التزم جميع السكان بعدم الخروج، فأوامر الحزب عندهم أهمّ بكثير من أوامر الدولة. وكان عميد الدفاع مع حضرة المنفذ العام الأمين علي قد رسما خريطة المطار وجهّزا المتطلبات اللازمة لسقوط البراشوت في الأماكن المطلوبة. مضت ليلة هادئة على المواطنين في النبي عثمان والجوار، لكنها كانت صاخبة ومقلقة على القوميين الاجتماعيين، حضرة العميد والمنفذ ينتظران وصول الطائرتين والقوميين الاجتماعيين ينتظرون المهمة التي سينفذونها.

وصلت الطائرتان في الموعد المحدّد وبدأت بعملية إنزال البراشوت في الأماكن المحددة. ترك العميد المنطقة وعاد الى بيروت.

 يقول الأمين علي: أنجز القوميون الاجتماعيون المرحلة الأولى من المهمة بنجاح تام وانتقلوا الى المرحلة الثانية. في المرحلة الثانية، واجهتهم صعوبة فك البراشوت، وبعد عدة محاولات وتجارب لم تنجح، تقدّم أحد الرفقاء مني وقال أنا كنت عسكري مظلي بالجيش اللبناني وأملك خبرة فك البراشوت، فاجتمع حوله مجموعة من القوميين وتعلموا فك البراشوت ولم يمض وقت طويل حتى أصبح السلاح في المخازن.

عندما استلمت عدد البراشوت اكتشفت انه ناقص واحدة. لذلك بعد أن أنهيت مهمة تخزين السلاح توجهت الى بيروت مباشرة لأعلم حضرة العميد بالنقص. ما أن دخلت عليه حتى بادرني، العدد ناقص واحدة هذه البراشوت الملعونة كانت عملتلنا مصيبة لأنها شكلّت خطراً على الطائرة.

لم يطلب رفيقاً قطعة سلاح أو رصاصة واحدة. لم احتج الى مراقبة أحدهم، او الى التنبيه الصارم، فهم يعلمون خطورة العمل الذي يقومون به. انتهت فترة التدريب وبسبب العدوان الثلاثي على مصر قرر العميد وقف العملية. انتهت مهمة القوميين في المخيم.

راجعت المركز عدة مرات، طالباً إنهاء المخيم، ولم يتجاوب أحد من المسؤولين. عندها اتخذت القرار وحدي وأنهيت عمل المخيم وأرسلت الرفقاء الى بيوتهم وأعلمت المركز بالقرار.

سألت الأمين علي: كيف تفصل رفيقاً تزوج على زوجته وجمع بين زوجتين؟

أجابني: الرفيق الذي يجمع بين زوجتين في منزل واحد لا يستطيع أن يحمل أعباء القضية.

وصل الموت الى داخل منزله. فقد وضع له أخصام الحزب عبوة في المنزل، لكنها لم تكن في الغرفة التي ينام فيها فاقتصرت الأضرار على الماديات، وبقي المنزل على صورة ما بعد التفجير الى تسعينات القرن الماضي.

حدّثني الأمين علي عن انشقاق 1957 كنا مع الانتفاضة ولكن حصل ما جعلنا نترك الانتفاضة ونعود الى المركز عندما كان مركز الحزب في دمشق. كنت أذهب والأمين مصطفى عبد الساتر لزيارة المركز فنلتقي معظم المسؤولين المركزيين فنزوّدهم بما عندنا ويزوّدوننا بتوجيهاتهم أكثر الأحيان كان يتعذر علينا مقابلة حضرة عميد الإذاعة الأمين عصام المحايري، وحين نسأل الرئيس عبد المسيح عنه يقول لنا: ما زال غاطساً في النوم أنه «خُمّة نوم» ماذا تريدون منه؟ نعود من المركز ونحن نقول ما هذا الرئيس العظيم.

ومرة وصلنا الى المركز سألنا الرفيق المسؤول عن الدخول والخروج عن الأمين عصام أجابنا: في غرفة النوم فقد وصل منذ ساعة من جولة في شمال الشام سألنا الرئيس عنه، فأجابنا بأنه «خمة نوم» فلعب الفار في رؤوسنا ولكن الشعرة التي قصمت ضهر البعير هي: ذهبت والأمين مصطفى للقاء الرئيس في المركز، سألنا ناموس الرئاسة عنه فأجابتنا: الرئيس يتناول طعام الترويقة، وترويقته اليوم كانت قصبة سوداء «مقلية». دخلنا الى مكتب الرئيس وقبل ان نجلس بادرنا: حزب مفلّس ما في أموال، لازم نقتصد حتى بطعام الترويقة فقد طلبت من حضرة الناموس ان تكون الترويقة اليوم «كشك مغلي». نظرنا الى بعضنا وطار الكلام من رؤوسنا، لا أعرف كيف مضى الوقت في مكتب الرئيس. وما أن خرجنا من المركز حتى خرجنا من تنظيم الانتفاضة.

بالمناسبة، عندما فقد الأمل الأمين علي من إعادة بناء الحزب التحق بالتنظيم المسمّى (الحزب السوري القومي الاجتماعي ـ الانتفاضة) وتعيّن منفذاً عاماً، وبعد فترة من الزمن قدّم استقالته معللّها بفشله.

قامت قيامة المسؤولين المركزيين، كيف يبرّر الاستقالة بالفشل؟ وراحوا بالمناوبة يقنعونه بأنه منفذ عام ناجح، كان يبتسم ويصرّ على الاستقالة.

حدثني ايضاً: التقيت بحضرة عميد الإذاعة الرفيق سعيد تقي الدين في أوتيل ومطعم السليكت لصاحبه الرفيق ميشال سعادة. كانت المهمة جلب الرئيس من دمشق بعد مقتل المالكي. كان من المشاركين في المهمة الأمين ديب كردية. عندما صعد الأمين ديب بالسيارة نظر اليّ وقال: أوصيك بزوجتي. جاوبته: استشهد ولا يهمك أُنفذ وصيتك كاملة طبعاً. عاد الأمين ديب ومعه جميع المشاركين في العملية والأمين جورج عبد المسيح الذي ارتدى ثياب السفير الاسباني، وصعد الى سيارة السفارة التي كان يقودها أحد القوميين الاجتماعيين وجلس في المقعد الخلفي ورافقه حضرة عميد الاذاعة. عدت والأمين ديب الى النبي عثمان بالسلامة.

قلّة يعرفون دور الأمين علي في انقلاب عام 1961 ـ 1962. فقد كانت مسؤوليته استلام الضباط في ديك المحدي، ولما لم يصل الضباط اليه تأكد من فشل الانقلاب وعاد الى منزله.

من طرائفه، يقول الأمين علي: زارني مدير المديرية دون موعد، استقبلته وبدأنا الحديث عن أوضاع الحزب وبدأ يمهّد لكلام يريد أن يقوله. يا أمين علي مش عارف شو بدي احكي معك، في رفيقنا بأنطلياس يملك سوبر ماركت ويقول أنك تستدين منه لوازم المنزل وخاصة أنواع الويسكي الغالية ومنذ مدة لم يعد يراك، فجاءني شاكياً طبعاً لم أصدّق الخبر وأفهمته أنه من المستحيل أن يكون هذا الرجل الأمين على نزهة. قلت له لا عليك أعطني اسم الرفيق وعنوان السوبر ماركت. قصدت في اليوم الثاني السوبر ماركت، طلبت بعض الأغراض، دفعت ثمنها وقلت للرفيق أنا الأمين علي نزهة. تفاجأ الرفيق وراح يمطرني بالاعتذارات. قلت له كم المبلغ. أصرّ عليّ عدم ذكره لكني ألحّيت عليه، ففتح دفتره وذكر المبلغ فدفعته له كاملاً لأنني أردت أن لا يفقد هذا الرفيق الثقة بالقوميين الاجتماعيين. أطلعني على أوصاف منتحل الصفة فعرفته.

فشل الانقلاب وألقت الدولة القبض على كلّ من التقته باسم علي نزهة وكان منهم منتحل الصفة وشاء قدره أن نكون في نفس الغرفة.

فكان كلما نادى العسكري علي نزهة يركض إليه على أمل ان يخرج من السجن بإخلاء سبيل، وكان يعود مطحبشاً منهوكاً، مكسّراً من الضرب، وكنت ابتسم لأقول «من شرب الويسكي على حسابي يستحق هذا العذاب عني»، يتابع الأمين علي: بدأت رحلة انتقالنا الى سجن آخر كانت تتمّ عملية النقل بوضع كلبجة بمعصمي رفيقين ويصعدا الى الكميون. فاتفقت والأمين مهدي عاصي أن نكون معاً. وصلنا الى الكميون فناداه أحد الضباط، شو يا مهدي بدك تعمل وزير داخلية وضربه بالكرباج، ولحسن الحظ أعادونا لأن حمولة الكميون اكتملت. فعدنا وقلت له معالي الوزير شوف حدا غيري؟

كان في الغرفة شخص اشتراكي يشتم الحزب ويلعن الساعة التي أسماه والده باسمه فقرّر مهدي ان يكون هذا الشخص زميله في رحلة الانتقال. أخبرني الأمين مهدي ان الاشتراكي خفف عنه كثيراً، لأنه كان كلما يضربه الجندي يعترض ويولول فيركّز الجندي عليه وينساني.

هذا بعض ما قاله الأمين علي نزهة.

الزاروب الثقافي
للأمين علي نزهة

الزاروب الثقافي للأمين علي، متعدد الخّلاصات والعِبر. أثبت الأمين علي انّ التفكير العملي المرتكز على العقيدة السورية القومية يجمع جميع المواطنين مهما كانت مستوياتهم الثقافية.

أثبت زاروب الأمين علي الثقافي أنه يمكن للحزب إقامة المتحد القومي الاجتماعي بعادات وتقاليد قومية إجتماعية. أثبت زاروب الأمين على نزهة الثقافي أن المبادرة الفردية واجبة، إذا تلكأت القيادات باتخاذ القرارات اللازمة، لذلك رأيناه يُنهي أعمال المخيم بقرار منه.

أكد زاروب الأمين علي نزهة الثقافي، انتصار منظومة القيم الاخلاقية على النصب والاحتيال.

أكدت تجربة زاروب الأمين علي نزهة الثقافي، ضرورة العمل على تعديلات دستورية تساعد على وصول النهضة الى الشعب، وذلك عندما بدأ عمله الحزبي بتقديم المساعدة لجميع المواطنين.

استطاع زاروب الأمين علي الثقافي، أن يجعل من النبي عثمان قرية نموذجاً يطمح لزيارتها جميع السوريين القوميين الاجتماعيين.

أستطاع زاروب الأمين علي نزهة الثقافي، أن يبني ثوابت جغرافية لها علاقة بتقاليد قومية ومنها جبل الزوبعة. زاروب الأمين على نزهة الثقافي دليلنا الى إعادة البناء واستكمال التأسيس.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى