حديث الجمعة

سكتة قلبية..

قرأتُ مرارًا التفسير الطبّي لمصطلح «سكتة قلبية» واطلعتُ على مختلف الشروحات التي تصف كيفية حدوثها وفهمتُ في كلّ مرّة مجرياتها كحدثٍ قد لا يليه إلا الموت، أي السكوت التام..

لكنّني مصابةٌ بنعمة نسيان التفسيرات المنطقية والشروح المنهجية، فيَسكنني سيلٌ فوضوي من المشاهد كلّما قرأتُ عبارة «سكتة قلبية» وإن تلاها نعيٌ أو حضرت لشرح سبب للوفاة..

قلبٌ سكت..

أخاله طفلًا تعب من المناداة فغفا عند حافة الكنبة، عسى بالسكوت ينادي مَن لم يستجيبوا للصوت..

أو ربّما حزنٌ بعينين عسليّتين ورموش سوداء كثيفة ملّ الثرثرة فأغمض عينيه وكفّ عن البوح، أي سكتَ..

أراه في مرّة عاشقة أنهكها البحث عن حروف تفي بترجمة ما يسري في أوردتها من حريق، فوقفت عند حافة النطق، مكتوفة الكلمات، وبدا لها المشهد مشوّشًا حدّ اختيار الصمتِ الكثيف السميك، فسكتت..

وأحيانًا يُخيّل إليّ أنّه شجرة اشتاقت لكفوف من زرعها ورحل بعد عمرٍ قضاه قريبًا منها، يسقيها على وقع «العتابا» فتزهر من فرط الشجن.. لعلّ السكتة شوق شجرة إلى صوت «العتابا»..

ثمّ في مشهدٍ آخر، أرى القلب الذي سكت جرحًا أفرغ كلّ ما في حمولته من دمٍ وحكايات، نزف كلّ ما فيه من ألم وانتهى.. سكت..

وفي ليلة ماطرة، شاهدت «السكتة» في تعب الغيمات بعد مطر وفير، وفي غفوة النافذة المبللة بدمعات السماء قُبيل الفجر، وفي وجهي وهو يشيح عن ذاكرتي الشتويّة كلّها، ويحدّق بلهفة ساكنة إلى غياب بلا مقدّمات وبلا وداع، غياب لا يشبهه شيء إلا الموت بسكتة قلبية..

ليلى عماشة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى