أولى

ثقافة التعامل مع الحروب وآلة القتل الإعلاميّة!

 كلود عطية*

قبل الإعلام، ننطلق من ثقافة مقاربة الحروب من منطلق الذات والجماعات والدولة… فالتصريحات السياسية الملوّنة بالمواقف الدبلوماسيّة، تختلف عن آراء الجماعات المتنوّعة من حيث الانتماءات الطائفية والمذهبية والحزبية. كما أنها تختلف عن ثقافة الفرد نفسه في التعاطي مع شؤون الحياة الخاصة والعامة.

ها هي الحرب الأوكرانية الروسية بكلّ ما فيها من مآس وإذلال وموت وخراب… إلا أنها تحوّلت الى مجرد مسرحية ساخرة بالنسبة لشعوب ودول وأشخاص يعانون نقصاً فاضحاً في الأخلاق والقيم الإنسانية… حيث يتمّ التعامل على مستوى الدولة بخطابات دبلوماسية مصلحية.. بحسب المصالح السياسية والاقتصادية المرتهنة أصلاً للتبعية العمياء.. أما الجماعات البشرية المختلفة المتخلفة فقد تعاطت مع الحرب انطلاقاً من رجعيّتها الثقافية وتعصّبها العرقي والطائفي والمذهبي..

 أما الأشخاص الذين يعانون من مرض أخلاقي فقد كانت الحرب بالنسبة لهم مجرد وسيلة للمتعة والشعور بالنشوة الجنسيّة من خلال تناقل الأفلام القصيرة والصور التي تشهّر بالمرأة الروسية والأوكرانية باعتبارهما مجرد سلعة لتجارة الجنس…

أما الحرب الإعلامية وحرب المواقع التواصلية فقد تكون أكثر ضراوة وشراسة من الحرب الميدانية نفسها، فهي آلة قتل حادة للنفوس والضمائر البشرية، حيث نرى وسائل الإعلام المختلفة والمتنوعة بحسب مموّليها ومرجعياتها، تنقل الخبر المتعلق بالحرب من وجهة نظرها وبحسب سياستها وتبعيتها ومصالحها وايديولوجية القائمين عليها.. ما جعلها تغرّد خارج سرب الموضوعية والحقيقة والدقة في نقل الأخبار والمعلومات والخطابات والتحليل السياسي والعسكري والاستراتيجي إلخ…

في النتيجة، نرى أنّ إثارة النزاع والحث على الكراهية جزء لا يتجزأ من الحرب الإعلامية، إنٍ كان في الحرب الروسية الأوكرانية، او في كلّ حروب العالم. ولذلك “دافعٌ منطقي يتمثل في الكتاب الأسود لتاريخ توظيف الوسيط الإعلامي بمختلف أشكاله مكتوباً ومسموعاً ومرئياً والكترونياً، في التحريض على القتل والعدوان”.

هذا ما يذكرنا بالسياسة الدعائيّة للنظام النازي التي خلفت إرثاً ضخماً يوثق الطريقة التي يتحوّل بها وسيط وُجد في الأصل لربط الجسور وفتح مسالك تدفق المعلومات بشكل سيار؛ إلى مارد ينفخ في نار العنف. وتكرّر ذلك على نحو مهول في عصر التبشير بالحداثة.

بناء عليه، آلاف الناس تقتل في قلب المعركة الحقيقية، والافتراضية، فبين الكلمة والصورة ومقطع الفيديو يسقط المتحاربون شهداء للجهل وانعدام الأخلاق والقيم… فتستمرّ الحرب الإلغائية بفعل فاعل، وينتصر في نهاية المطاف القاتل!

لأنّ الحرب لم تكن يوماً طريقاً للسلام… فإنْ بدأت ما عاد ينفع من بعد اندلاعها الكلام…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى