أولى

السياسة تسبق العسكر

 سعادة مصطفى أرشيد*

مع دخول الحرب الروسية ـ الأوكرانية شهرها الثالث، يبدو أنّ أيام الحرب ستكون أطول مما اعتقده العسكريون. فالقوات الروسية وإنْ كانت في حالة هجوم وتقدّم إلا أنها ليست بالسرعة المتوقعة، والجديد هو في الجنرال الذي تسلم قيادة الجيش في أوكرانيا ألكسندر دفورنيخوف، صاحب التجربة في سورية والذي سحق «داعش» في حلب، وهو اسم مثير للرعب في عالم العسكر، تركيز الجنرال سيكون على الجنوب وفي حواف شبه جزيرة القرم وماريوبول التي تمثل القاعدة الصناعيّة لأوكرانيا، والمعركة لاحقاً في أوديسا التي إنْ تمّت السيطرة عليها فذلك يعني إغلاق البحر أمام أوكرانيا، ووصول الجيش الروسي الى حدود مولدافيا التي ستكون مرتعشة من هذا الجوار. طريقة الجنرال الكسندر دوفوريخوف هي القضم، ولكنه لا يرى بأساً من اعتماد سياسة الأرض المحروقة.

إذا كان التقدم العسكري الروسي يسير بتمهّل، فإنّ التقدّم السياسي يسير بسرعة لافتة، يشير إلى دقة القراءة السياسية الروسية في مرحلة الاستعداد للحرب، وإذا كان موقف الصين كان معروفاً، فإنّ المفاجأة غير المتوقعة كانت في مواقف الهند وباكستان مثلاً، في تفكك الموقف الأوروبي الذي أريدَ له اتخاذ مواقف حادة ضدّ روسيا قد تصل إلى مشاركتها في الحرب لوجستياً وتسليحاً، وربما لم يبقَ في سرب واشنطن سوى بوريس جونسون، فيما استعادت أوروبا شيئاً من عافيتها اثر نجاح إيمانويل ماكرون في فرنسا، وهو الذي يمثل البنوك وبيوت المال والصناعة، ويعلن الأوروبي صراحة أنه لا يستطيع التخلي عن استيراد النفط والغاز من روسيا، أو أنّ يتوقف عن التبادل التجاري معها، وبالروبل لا بالدولار .

في قراءة غير رغبوية نلاحظ كيف استطاعت موسكو استثمار التوترات في العلاقة الأميركية مع عرب البترودولار، اتصالات متواصلة بين ولي العهد السعودي وموسكو، وتنسيق عالي المستوى في إنتاج النفط والغاز وسياسات تسويقه بما يحول دون انخفاض سعره، كما تريد واشنطن، وهو الأمر الذي عاد على الخزينة الروسية بوفرة مالية هي في أمسّ الحاجة إليها، وولي العهد السعودي يؤكد أنّ بلاده ستخرج عن سياسة التحالف المطلق التي أرساها جدّه الملك عبد العزيز عند لقائه بالرئيس الأميركي الأسبق روزفلت في أربعينيات القرن الماضي، باتجاه إقامة علاقات متعددة والنظر شرقاً حسب تعبير الأمير السعوديّ .

الهزات الارتداديّة لزلازل الحرب كان لها أثرها على السلاسة التي دار بها الحوار الإيراني ـ السعودي، والتي كان لموسكو دور في ترتيبه، ومن الهزات الارتدادية التوسط غير المعلن بين الرياض وطهران لإنهاء حرب اليمن التي وإنْ خرجت منها السعودية خاسرة، إلا أنّ الرعاية والوساطة الإيرانية الروسية حافظت للسعوديين على شيء من ماء الوجه.

مراجعة موسكو لعلاقتها بطهران التي لم تخذلها بزيادة إنتاج البترول والغاز وتأخر إيران في التوقيع على الاتفاق النووي الذي كان قبل الحرب حاجة إيرانية، لكنه أصبح بعد الحرب حاجة أميركية ملحّة، وإيران التي قدّمت لها التسهيلات الواردة آنفاً، ربما تنعكس قريباً على الساحة اللبنانية كما يلاحظ من مفردات السفير السعودي العائد بعد غيبة والتي أصبحت أكثر تهذيباً ولباقة ودبلوماسية .

أهمية الحرب الاستراتيجية أنّها فرضت كثيراً من الحدّة على مواقف كلّ من موسكو وواشنطن، اللتين ما عادتا تقبلان أنصاف المواقف، إما مع وإما ضدّ؛ من هذه الزاوية الحادة، لن تكون (إسرائيل) قادرة على تمثيل دور الحياد طويلاً، ومفاعيل زيارة بينيت إلى موسكو في مطلع الحرب فقدت قيمتها وفاعليتها، وبينيت قد أصبح ضعيفاً وحكومته أقرب إلى حكومة تصريف أعمال، فيما أركانها الأقوياء كوزيري الدفاع والخارجية، يرون أنّ موقف الحكومة يجب أن يكون إلى جانب أوكرانيا، ومن الخطأ الخروج عن الموقف الأميركي، نحن نكون حيث واشنطن تكون، حسب ما قال يئير لبيد وزير الخارجية، عند هذه النقطة يبدو أنّ موسكو بصدد مراجعة ملف العلاقة مع (إسرائيل) والتفاهمات المعقودة معها، كان ذلك واضحاً في توبيخ بوتين للسفير (الإسرائيلي) وقد شرعت موسكو إثرها بفتح ملف أملاك الكنيسة الأرثوذكسية الروسيّة الواسعة في فلسطين المحتلة والمعروفة باسم المسكوبيات.

علينا أن لا ننتظر فقط وإنما أن ندفع الحليف الروسي لمراجعة التفاهمات العسكرية مع (إسرائيل) التي استباحت أجواءنا، من حقنا على روسيا أن نرى شيئاً جديداً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى