أخيرة

المفاهيم والوسائل الراقية هي السبيل إلى الأرقى

} يوسف المسمار

أقول بصراحة الواثق المتيقن أنه منذ اللحظة التي انبثقت فيها حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية في سورية بزوبعتها التي أطلقت المفاهيم الجديدة للحرية والنظام والقوة والواجب تغيّر وجه حركة تاريخ أمتنا، وتفتحت أبصار وبصائر أبنائها على واقع جديد هو غير الواقع الذي اعتادوا رؤيته في ما مضى من قرون الهوان والبؤس والعجز والقنوط.

والذين تحرّروا من موروثات الماضي العتيق فهموا في شعائر عواصف الزوبعة قوة تمحق الضعف فصاروا أقوياء لا يُخيفهم شيء من أفعال الشياطين وفتنهم، بل يُخيفون الشياطين.

وفهموها أيضاً نظاماً يبدّد الفوضى وآثارها فالتزموا بالنظام فكراً ونهجاً ووضعوا حداً لبقايا الجاهلية التي كانت وبالاً على مجتمعهم.

وفهموها فوق ذلك واجباً طبيعياً قومياً اجتماعياً تحملوا مسؤولياته وتبعاته بنفوس كبيرة لم تحرفهم عن مسيرة جهاد الحق والعدل ولو اجتمع العالم كله على محاربتهم لأنهم قرّروا أن ينقذوا شرف أمتهم فينقذوا بذلك شرف أنفسهم من ذل الخنوع وهوان الاستسلام.

 وفهموا الحياة حرية ً وصراعاً فبنوا حريتهم بالصراع ولم يتسوّلوها تسولاً لأن الحرية لا تخضع للمنح أو الاغتصاب، بل تمارس ممارسة سليمة بالوعي الذي تحقق لهم، وبقوة الإرادة التي استيقظت في نفوسهم، وبالقيام بالواجب الذي مارسوه عملاً وإنتاجاً وإبداعا، وبتفوق جهادهم في نظام الفكر والنهج الذي أبهروا به ضعاف النفوس، فكانوا بكل تلك القيم رواد الحياة الجيدة الجديدة التي لا يرعبها تهديد، ولا يفتّ من عضدها وعيد، ولا يحرفها عن غايتها السامية حرب قراصنة ومرتزقة ومسوخ من مشوّهي الفكر والعقل والوجدان. ولو أدرك أبناء أمتنا المعاني الحقيقية لمواقف أبطالنا وعباقرتنا ونوابغنا عبر التاريخ من أمثال أليسار في قرطاجة، وهنيبعل في مواجهة أعداء أمتنا، وزنوبيا في وقفة عزها في تدمر، والسيد المسيح في مواجهة الصلب، والإمام الحسين في كربلاء، ويوسف العظمة في ميسلون، وأنطون سعاده أمام جلاديه، وأبطال الحجارة في فلسطين، وعمالقة التحدي في لبنان، ومطاردي القراصنة المتوحشين في العراق، وساحقي رؤوس أشرار الشعوب في الشام. لو أدركوها كما هي معبّرة عن مواقف الوعي كله، والعزة كلها، والبطولة كلها لمَ سمحوا لخيالاتهم أن تشط بعيداً وتنأى عن الاشتراك في معارك إنقاذ الوجود والحياة والمصير.

لقد كان كل واحد من هؤلاء الأبطال معبّرا عن حقيقة أمتنا التي كانت عصية على الموت، بل كان كل واحد منهم نهضة أمة ٍتشع على الأمم دروساً تصحح مسار الأحرار، وتصوّب وجهة تاريخ العز، وقيما عظيمة لا معنى للزمان الا بها، ولا قيمة للإنسانية الا بممارستها.

 ان المعركة الدائرة اليوم من فلسطين الى لبنان فالشام فالعراق ليست الا فصلا جديداً من فصول حرب بدأها الغزاة علينا منذ أكثر من ألف عام تساقطت خلالها دول وإمبراطوريات وضحايا ودماء غزيرة، وبقيت سورية في حربها الدفاعية المقدسة عالية الجبين أمام وجه الشمس، وتكسرت على شواطئها كل أمواج الإجرام والتوحش وارهاب العدوان.

*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى