الوطن

شيطنةُ المقاومة وتقديسُ العمالة

شوقي عواضة

عندما تبنّت لجان المقاومة الفرنسيّة إعدام آلاف العملاء ميدانياً دون اللّجوء إلى محكمةٍ من محاكم الدّولة فقامت بإعدام عشرة آلاف عميلٍ رمياً بالرّصاص إضافةً إلى عشرين ألفاً تمّ إعدامهم شنقاً وفقاً لوثائق رسميّةٍ في متحف المقاومة الفرنسيّة لتستكمل عملية التّحرير من العملاء بتقديم 127 ألف ملّفٍ للمحاكمة القانونيّة أدين منها 97 ألف عميلٍ تراوحت أحكامهم بين الحكم بالسّجن من خمس سنواتٍ وصولاً إلى الإعدام.

تلك فرنسا أمّ التّشريع كما يراها البعض والتي لا نزال في لبنان نرجع إلى قوانينها التي وضعتها خلال احتلالها له والتي طوّرتها هي وبقينا على ما وضعته الأمّ الحنون من القوانين.

حينها لم تعترض الكنيسة الرّومانية الكاثوليكية في فرنسا على عمليّات إعدام العملاء ميدانيّاً من قبل المقاومة التي كانت تضمّ في صفوفها رهباناً من الكنيسة وعلمانيين ومتطوّعين من كافّة أبناء الشّعب الفرنسي الذي توحّد حول مقاومته لمواجهة المحتلّ الألماني وعملائه. لم تنبر الكنيسة للدّفاع عن العملاء وإعدامهم ولم تبرّر لهم خيانتهم ولم تتبرّع بإضفاء ثوب القدسيّة على خيانتهم للوطن. لم تقدّم خدمة للمحتلّ وتعلن حربها الإعلاميّة على المقاومة لشيطنتها ووضعها في خانة الإرهاب ولم تطالب بنزع سلاحها أو تصفه بالسّلاح غير الشّرعيبل كانت رافداً قوياً ومنطلقاً ثابتاً لتعزيز عمليّات المقاومة ودعمها لتحرير فرنسا من الاحتلال.

هذا في فرنسا أمّا في الولايات المتحدة الأميركيّة التي يتغنى بها الكثيرون فقد أقدمت الاستخبارات الأميركيّة عام 1986 على اعتقال المواطن الأميركي اليهودي جوناثان جاي بولارد المحلّل في جهاز استخباراتٍ مدنيٍّ سابقٍ في القوّات البحريّة الأميركيّة بتهمة التجسّس على الولايات المتحدة لصالح حليفها الأوّل الكيان الصّهيوني، واستغلال منصبه لتسريب معلوماتٍ لصالح (إسرائيل)، وحكم عليه بالسّجن مدى الحياة وأفرج عنه بعد مفاوضاتٍ بين الكيان الصّهيوني وأميركا بعدما أمضى قرابة الثّلاثين عاماً خلف القضبان.

وفي روسيا أدين المواطن الرّوسي يوري إستشينكو بتهمة خيانة الدّولة ومحاولة التّخابر مع أميركا وتمّت محاكمته في مدينة بريانسك شمال غربي موسكو حيث أصدرت المحكمة حكماً قضى بسجنه 13 عاماً.

أمّا في لبنان الذي يعيش أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة في ظلّ فرض الولايات المتحدة الأميركية المزيد من العقوبات عليه وفي ظلّ تصاعد الوضع مع العدوّ الصّهيوني على خلفيّة الحدود البحرية والثّروات النّفطية والغازيّة يبرّر البعض الخيانة ويعطيها بعداً طائفيّاً ومذهبيّاً أو إلباسها ثوب الدّين المقدس فينبري البعض للدّفاع عن العملاء وتبرير خيانتهم بحقّ الوطن. وما قضية (المطران) موسى الحاج إلّا حلقةٌ في مسلسل التّبرير للخيانة والتّصريح بالمزيد من التّطبيع والتّواصل مع العدوّ بالرّغم من قيام الأجهزة الأمنيّة بملاحقة العملاء وتوقيفهم ومحاكمتهم، إلّا أنّ هناك إصراراً على دفع الأمور باتجاه الأسوأ ضمن أجندة أميركيّة «إسرائيليّة» استكمالاً لإرضاخ لبنان وإضعاف مواقفه وتجريده من قوّته خدمة للعدوّ الصّهيوني في ظلّ معركة الحدود البحريّة والثّروات النّفطيّة والغازيّة وإضعافاً للبنان وفقاً لما يلي:

1 ـ العمل المنهجي الدّائم على تشويه صورة المقاومة والمطالبة بنزع سلاحها بتحفيز وتنسيق إدارة السّفارتين الأميركيّة والسّعوديّة في بيروت.

2 ـ إعادة ترسيخ ثقافة الهزيمة بطرح حياديّة لبنان في ظلّ مطالبته بحدوده البحريّة وحقوقه النّفطيّة والغازيّة.

3 ـ تنامي ظاهرة الخيانة الوطنيّة والتّطبيع والتّواصل مع العدوّ للالتحاق بركب الدّول المطبّعة.

4 ـ تسخير الطّائفيّة السّياسيّة لخدمة الأجندة الأميركيّة «الإسرائيليّة» وإعطاء الصّراع بعداً طائفيّاً ومذهبيّاً.

وسط كلّ ذلك شهدت المحاكم اللّبنانيّة محاكمات ولا تزال لرجال دين شيعة بتهمة التّعامل والتّواصل مع العدوّ «الإسرائيلي» ومن تلك المحاكمات محاكمة المعمّم حسن مشيمش أمام القضاء العسكري بجرم التّعامل مع العدوّ «الإسرائيليّ» والاتصال به. وبنتيجة محاكمته برّأته المحكمة العسكريّة الدائمة من تهمة التّعامل وأدانته بتهمة الاتصال بـ «إسرائيل» وقضت في 15/4/2013 بحبسه خمس سنوات. سبق ذلك إصدار المحكمة العسكريّة عام 2012 حكماً بسجن المعمّم محمد الحسيني خمس سنوات بتهمة التعامل والتواصل مع العدوّ، وصولاً إلى المعمّم علي الأمين الذي استدعته النيابة العامّة الإستئنافيّة في جبل لبنان عام 2020 بجرائم الاجتماع مع مسؤولين «إسرائيليّين» في البحرين من بينهم كبير الحاخامات في الكيان الصّهيوني شلومو عمار ولا تزال المحاكمة قائمة للآن.

ورغم ذلك لم يخرج المجلس الإسلامي الشّيعي الأعلى ولا دار الفتوى بما يمثّلانه من مرجعيّاتٍ إسلاميّةٍ ووطنيّةٍ للدّفاع عن المتسترين بالزّي الدّيني أو منع التّحقيق معهم ومحاكمتهم، ولم تندّد أيّة مرجعيّةٍ إسلاميّةٍ ووطنيّةٍ بمحاكماتهم ولم يبادر أحد للدّفاع عنهم بل على العكس تمّ التبرّؤ منهم وتركت القضية للقضاء ليقرّر ما يراه مناسباً وفقاً للتّحقيقات ووفقاً للقانون اللّبناني الذي ينصّ على تجريم التّعامل مع العدوّ «الإسرائيلي»، وعلى منطق العقل وحقيقة الواقع التّاريخي لمسار حركات المقاومة في العالم التي تقول بأنّه لا قداسة للعملاء أياً كانوا، فثوب العمالة القذرة واحد مهما تبدّلت أشكاله وألوانه فلا وطن للخائنين سوى القبر ولا دين لهم سوى الخيانة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى