مقالات وآراء

الاتفاق النووي… انتصار الإرادة الإيرانية

د. حسن مرهج

انطلاقاً من أوراق قوّتها الإقليمية، وعطفاً على قدرة إيران على تطويع واستثمار العقوبات الدولية المفروضة عليها، وجعلها فرصاً ذهبية؛ بات واضحاً أنّ القيادة الإيرانية، تمكنت ووفق معادلة الصبر الاستراتيجي، من تعبيد المسار النووي الشائك والمعقد، بغية الوصول إلى غاياتها النووية السلمية. يأتي كلّ ذلك، على الرغم من التصلب الأميركي في الامتناع عن تقديم أيّ ضمانات مكتوبة للجانب الإيراني، الأمر الذي دفع طهران إلى البحث عن صيغ جديدة تضمن لها تحقيق مطالبها، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائها، وبما يضمن اتفاقاً نووياً جديداً، لكن خارج العنجهية الأميركية.

في سياق المسار النووي الشائك، يحضر قوياً كلام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق، لجهة الآثار السلبية لمسودّة قرار الترويكا الأوروبية الذي تبنّته الوكالة الدولة للطاقة الذرية، بإدانة أنشطة تخصيب إيرانية في ثلاثة مواقع تقع في مريوان وورامين وطورقوزاباد، إذ لم يكن كلام رئيسي في هذا السياق كلاماً عابراً، فقد كشفت الجولة الأخيرة من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران على مدى أربعة أيام في فيينا، أنّ المفاوض الإيراني يتمسك بمطلب إعلان الوكالة الدولية إقفال الملف الإيراني بشكل نهائي والعودة إلى المادة التاسعة من اتفاق 2015 باعتباره مطلباً أساسياً يشكل خطاً أحمر بالنسبة لطهران، بخاصة في ما يتعلق بإعلان سلمية جميع الأنشطة النووية الإيرانية.

في ذات السياق، فإنّ إصرار الجانب الإيراني على هذا المطلب، مردّه الخوف من أن تلجأ القوى العظمى إلى تحريك الوكالة الدولية لفتح ملفات أخرى في المستقبل، وقد تنتهي بإعادة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، وعلى الرغم من كلام الوسيط الأوروبي مفوض السياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل ومعاونه إنريكي مورا عن الانتهاء من صياغة مسودة الاتفاق الجديد، إلا أنّ الطرفين الإيراني والأميركي، تعاملا معه بكثير من الحذر والتشكيك. وفي مقابل السكوت الأميركي الرسمي، فإنّ الجانب الإيراني اعتبر أنّ وجود نص نهائي لا يعني القبول به، في ظلّ بقاء نقاط عدة عالقة ولم يتمّ حسم الموقف منها واتخاذ قرار حولها سياسياً واقتصادياً.

الجديد في الموقف الإيراني أنه وجد مخرجاً للمطلب الذي يهدّد مصير أي تفاهم مع واشنطن، سواء في التوصل إلى صيغة تعيد إحياء الاتفاق القديم، أو في إطار تفاهم جديد، عندما أكد تخليه عن شرط إخراج قوات حرس الثورة عن لائحة العقوبات، باعتبار أنّ هذا الموضوع لم يكن مطروحاً على طاولة التفاوض ولم يكن من بين شروط المفاوض الإيراني، واستعاض عنه بمطلب إقفال ملف التحقيقات التي تقوم بها الوكالة الدولية بالتزامن مع إصدار مجلس حكام الوكالة قراراً يؤكد سلمية البرنامج النووي وعدم وجود أنشطة عسكرية فيه.

التصلب الأميركي في الامتناع عن تقديم أيّ ضمانات مكتوبة للجانب الإيراني في ما يتعلق بعدم الانسحاب مستقبلاً من الاتفاق، وأن تكون قادرة على ممارسة أنشطتها الاقتصادية والتجارية بكلّ حرية، بما في ذلك الحصول على عائداتها المالية من دون أيّ عوائق، دفع المفاوض الإيراني إلى البحث عن صيغ وحلول تضمن له تحقيق الحدّ الأدنى من هذه المطالب، التي تعتبر في غالبيتها مطالب قديمة عمل على تحديثها لتنسجم مع التطور الحاصل في المفاوضات.

ففي مقابل عدم استعداد واشنطن لتقديم أي ضمانات حول استمرارية الاتفاق مع أيّ رئيس جديد، يسعى الجانب الإيراني إلى تثبيت ما حققه من خطوات في أنشطة تخصيب اليورانيوم بالأشهر الأخيرة بالإبقاء عليها مع تعليق عملها وعدم تفكيكها، لتكون ورقة ردّ سريع على أيّ إجراء تقوم به أيّ إدارة أميركية مقبلة.

أما في ما يتعلق بالضمانات الاقتصادية، فإنّ إيران تسعى إلى الحصول على التزامات سياسية واقتصادية تزيل العراقيل أمام الاستثمارات الأجنبية والتعاملات الاقتصادية والتجارية الإيرانية مع العالم، سواء في قطاع الطاقة أو غيرها، من خلال إعادة إحياء جميع مندرجات اتفاق عام 2015 والتزام ما يتمّ من تفاهمات جديدة، وإعادة تفعيل رقابة الوكالة الدولية والمفتشين وكاميرات المراقبة، وأن يكون لها الحقّ في التراجع عن هذه الخطوات في حال أخلّ أيّ طرف من الموقعين بالشروط.

وفي سياق الردود الإيرانية، فقد أكدت مصادر، أنّ الردّ الإيراني يشمل «ملاحظات» في ثلاث قضايا عالقة باقية، وأشارت المصادر إلى أنّ «النص المعروض يتضمّن وعوداً أميركية بالاستعداد لرفع عقوبات ثانوية عن عدد من الشركات الاقتصادية التابعة للحرس (الثوري)، والاستعداد للنظر بإيجابية بشأن حلّ قضايا الضمانات والخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية».

وأضافت المصادر أنّ «المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي، وعد بأن تدفع واشنطن في اجتماع مجلس محافظي الوكالة باتجاه إغلاق ملف قضايا الضمانات، إن أرسلت الوكالة لاحقاً، تقريراً أكدت فيه حلحلة خلافاتها مع طهران».

وأشارت إلى أنّ النص الأوروبي يقترح جدولاً زمنياً للتعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لحلّ قضايا الضمانات (اتفاق الضمانات تابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية) حتى الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة في سبتمبر/ أيلول، أو اجتماع استثنائي آخر إذا تطلب الأمر.

ختاماً، يبدو واضحاً أنّ القيادة الإيرانية لا تريد الذهاب الى اتفاق جديد، يفتح الباب مستقبلاً أمام أيّ إشكاليات أميركية تأتي خارج الاتفاق النووي ببنوده الأساسية، وبذات التوقيت، فإنّ إيران لا تريد أن تترك أيّ ثغرة في سياق أيّ اتفاق نووي جديد، لا سيما قضايا الصواريخ البالستية أو الطائرات المُسيّرة، خاصة أنّ إيران وصلت مؤخراً إلى تفاهمات مع العديد من الدول الخليجية، للعمل على خفض التوتر، وإعادة ترميم العلاقات السياسية وكذا الاقتصادية مع تلك الدول، وبالتالي، فإنّ إيران تسعى وستنجح قريباً، بتأسيس مسار نووي جديد، يُخرج ورقة القلق الإقليمي من اليد الأميركية والأوروبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى