أولى

نظرية «المؤامرة» وتحطيم إرادة الإقليم العربي

‭}‬ د. جمال زهران*
فوجئت على إحدى الصفحات المقاومة، تسلل البعض لكي يروّج لفكرة حلّ الدولتين، والقول بأنّ تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، مقولة حماسية، ولا أصل لها، بل هي من الخيال، وإنّ حلّ الدولتين، هو حلّ بإرادة الشرعية الدولية، المتمثلة في الأمم المتحدة عام 1947، بصدور القرار رقم (181). وقد قمت بالردّ عليه فوراً، بالقول إننا لن نقبل سوى تحرير فلسطين كاملاً من النهر إلى البحر، وإنهاء الوجود الصهيوني في الإقليم، وإزاحته إلى حيث أتى هؤلاء الصهاينة، ومن يبقى من اليهود الدينيين، فأهلاً وسهلاً كمواطنين عرب داخل دولة فلسطين. ومن ثم لا وجود لفكر صهيوني، أو حركة صهيونية، مثلما حدث في تجربة جنوب أفريقيا التي كانت تحكمها وتسيطر عليها، أقلية بيضاء مدعومة من الاستعمار الغربي (1948 – 1990)، وبالمقاومة كان النصر للأغلبية «السود»، التي تمكنت من طرد الرجل «الأبيض»، إلى غير رجعة، وإنهاء التمييز العنصري في الإقليم الجنوبي لأفريقيا، ورحيل آخر الرؤساء البيض (دو كليرك)، وانظروا كيف أصبحت جنوب أفريقيا، دولة متقدمة، وديموقراطية حقيقية، ونصيرة المبادئ، وصاحبة الدور الفعّال في الاتحاد الأفريقي، ونصيرة فلسطين، وكان لها دور مؤخراً في طرد الوفد الصهيوني من حضور قمة الاتحاد الأفريقي، في أثيوبيا!! وسط مناصرة عدد من دول عربية، حليفة للكيان الصهيوني!
فنظرية «المؤامرة»، هي نظرية متكاملة، تنطلق من مقولة أساسية، وهي أنّ الغالبية من الأحداث لا تأتي صدفة، أو بشكل تلقائي، تتبّعي، وإنما تأتي الأحداث، وفقاً لمخططات سابقة، ومعدة سلفاً، وتخرج بشكل مرتب، والبداية حدث محبوك ظاهرياً، لإقناع أصحاب الشأن، أنّ ما يحدث لا دخل لأحد فيه، إلا الذين أعلن عنهم أنهم الفاعلون، بينما الفاعلون الحقيقيون، يجلسون خلف الستار.
ولعلّ التأصيل النظري أو التاريخي، لنظرية «المؤامرة»، يتوازى مع فكرة الجريمة. فصانع الجريمة هو المستفيد منها مباشرة، حيث أنّ هناك أطرافاً أخرى تستفيد بالتبعية، عملاً بالمثل: «مصائب قوم عند قوم فوائد»! ولذلك، فإنّ المحقق الذكي في الجريمة لمعرفة الفاعل الحقيقي، يتجه مباشرة إلى الانطلاق من أصحاب المصلحة المباشرة، ودورهم وعلاقاتهم والبيئة المجتمعية المحيطة، فيتمكن من معرفة الجاني الحقيقي. بينما صانعو المؤامرة وعبر أدواتهم وأساليبهم، يوجهون المحققين إلى الطريف الغامض، ونشر فكرة الفاعلين، وعدم التوجه إلى أصحاب المصلحة المباشرين، بل قد يتظاهرون بالتوجه إلى أصحاب المصلحة غير المباشرين، حتى يتمّ تصنيع عمدي للدلائل والإثباتات على فاعلي الجريمة، والتشويش على الكلّ. بل إنّ هناك محاولات لصنع «كبش فداء «Scape Goat، بديلاً عن الفاعل الأصلي، لغلق الملفات ولو مؤقتاً!
وتأتي في مقدمة المؤامرات، في التاريخ الحديث، صناعة الحركة الصهيونية، وخلق الدولة الاستعمارية الاستيطانية في أرض فلسطين، لتكون بديلاً عن الاستعمار بعد رحيله عن الوطن العربي، وذلك بداية من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى تمّ عقد مؤتمر بازل بسويسرا، للحركة الصهيونية العالمية، وأعلنوا عن خلق دولة، لحلّ أزمة اليهودية في العالم، واختاروا أرض فلسطين في 1899! واستمرت الجهود والضغوط عبر خطوات تآمرية بدءاً من وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا، عام 1917، وفي خضمّ الحرب العالمية الأولى (1914 – 1919)، لكسب ودّ الحركة اليهودية في العالم، ومجاملتهم بإعطائهم وعد إقامة دولة لهم في أرض فلسطين. وتعدّدت سلسلة الخطوات حتى استصدار قرار من الأمم المتحدة (181) لعام 1947، بتقسيم فلسطين، وإقامة الكيان الصهيوني (إسرائيل)، والتي لا تزال تؤدّي وظيفتها حتى الآن، واضعة شعاراً كبيراً تعمل تحته وهو (من النيل إلى الفرات). حيث تمّ تأميم النظم الحاكمة العربية، ابتداءً من تأميم واحتواء مصر بزيارة السادات للقدس من وحي إدارة كارتر 1977، ثم كامب ديفيد (1978)، ثم المعاهدة المصرية «الإسرائيلية» في مارس/ آذار 1979، ومنذ ذلك التاريخ لم تعد مصر هي مصر، صاحبة الدور القائد في الإقليم لتسقط النظم العربية تباعاً بعد ذلك، وآخرها مسلسل التطبيع مع الدول الإرثية في الخليج والمغرب، والزعم بخلق الدين الإبراهيمي إلخ… هذه المهازل والمساخر!
ومن لا يساير ذلك مثل سورية ولبنان (حزب الله)، واليمن وإيران، فتصدّر لهم المؤامرات ومشروعات التفتيت، والجماعات الإرهابية المصنوعة، ومحاولات إسقاط النظم المقاومة عبر سلسلة الحصارات غير الشرعية وغير الأخلاقية وغير الإنسانية، بما يؤكد سيادة نظرية المؤامرة.
ولعل البحث الجدي في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وعايشتها ورأيتها بعيني، في أميركا، يصل إلى أنها مؤامرة، وإسقاط وتفكيك الاتحاد السوفياتي تمّ عبر تجنيد غورباتشوف، وضرب التيار الشيوعي واليساري في أندونيسيا ودول شرق آسيا، حتى الإبادة، وهو ما كشفت عنه الوثائق مؤخراً وراح ضحية ذلك نحو (3) ملايين في صمت، بفعل المخابرات الأميركية والبريطانية، وهما أقذر جهازين مخابرات في العالم! الأمر محلّ بحث ودراسة، لتأصيل نظرية المؤامرة، ولعلّ الكشف عن مختبرات أوكرانيا، لصنع «كورونا»، وغيرها، ما يجعلنا نهتمّ ونهتمّ…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى