أولى

سؤال الحرب؟

‭}‬ سعاده مصطفى أرشيد*
لا تتوقف حكومة الاحتلال وجيشها وأصحاب القرار في «إسرائيل» عن الحديث والتهديد بحرب مقبلة سوف تستهدف لبنان ومقاومته وتهدّد بإعادته الى العصر الحجري، كما ستستهدف إيران بضرب مشاريعها النووية والسيبرانية والعسكرية. يترافق ذلك مع تصاعد التهديدات التي تستهدف غزه المحاصرة أصلاً من كلّ الجهات والتي سبق لـ (إسرائيل) ان دمّرتها مراراً عمراناً وخدمات دون أن تحقق هدفها المعلن بالقضاء على المقاومة أو التأثير على مسارها.
دوله الاحتلال هي دولة حرب بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى، أو كما قيل عنها إنها جيش يملك دولة لا دولة لديها جيش، وقد أثبت جيشها أنه المؤسسة الأهمّ والأكثر تنظيماً وكفاءة ليصبح الدولة العميقة التي تمسك بتلابيب الدولة وأجهزتها. فالجيش لا الجامعات هو من يخرّج من صفوفه السياسيين ورجال الإدارة إنْ في الدولة وإنْ في عالم الأعمال والأموال، ومن ضباطه المتقاعدين مديرو الشركات الكبرى ومنهم السياسيون الذين تتشكل منهم الحكومات ومن يختارهم الجمهور ليمثلوه في المجالس التشريعية.
حروب «دولة الاحتلال» كانت تمثل مراحل ومحطات لكلّ منها سمة مميّزة يمكن تحديدها من خلال نتائجها السياسية والعسكرية كما في أثرها على علاقة الدولة بالعالم مما دعا قوى كبرى لتعزيز علاقاتها معها عندما كانت تحقق الانتصارات، ثم في إطار ما أنجزت استراتيجياً وسياسياً، وفي الجغرافيا السياسية بما احتلته من أراضٍ شاسعة تفوق حجم الدولة نفسها.
اتسمت المرحلة الأولى من الحروب بتحقيق انتصارات مؤزّرة وخاطفة ابتداء من حرب 1948 والتي أسميناها النكبة وأسماها الاحتلال «حرب الاستقلال»، فقد استطاعت عصابات الحركة الصهيونية هزيمة التشكيلات العسكرية الفلسطينية وجماعات المتطوّعين من العالم العربي ومعهم سبعة جيوش لست من الدول العربية وجيش سابع هو جيش الإنقاذ الذي شكلته جامعة الدول العربية، واستطاعت دولة الاحتلال السيطرة على 78% من أرض فلسطين الانتدابية وطردت ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني من دياره وحوّلتهم الى لاجئين، ولعلّ أدقّ وصف لما جرى هو ما قاله أول وأشهر رئيس وزراء إسرائيلي بعد سنة من الحرب في خطاب ألقاه أمام مجموعة من ضباط الجيش المحتفلين بالذكرى السنوية الأولى لانتصارهم، فقد قال لهم: «إنّ ما تحقق لنا في هذه الحرب هو نصر تاريخي عظيم فاق تصوّراتنا وتقديراتنا ولكن إياكم والظنّ أنّ ذلك كان بسبب شجاعتكم او ذكائكم فقط وإنما كان أولاً بسبب حالة الانقسام والتفسخ والفساد التي يعيشها أعداؤنا».
حققت «إسرائيل» انتصاراً عسكرياً في آخر عام 1956 إذ اجتاحت خلال فترة قصيرة جداً قطاع غزة وكامل شبه جزيرة سيناء ووصلت الى قناة السويس، ولكن ظروفاً دولية كانت ترى ضرورة إخراج حلفاء «إسرائيل» في حينه الإنجليز والفرنسيين من الإقليم، لذلك كان القرار الأميركي الحازم بانسحاب الاسرائيليين من المناطق التي احتلوها مقابل مكاسب سياسية جمّة وحقوق ملاحيّة إضافة لتطوير تحالفها مع الولايات المتحدة، وإنْ كان ذلك على حساب علاقاتها مع الإنجليز والفرنسيين الذين أصبحوا يمثلون دولاً من الدرجة الثانية في نظام القطبية الثنائية.
أما حرب 1967 فقد كانت خاطفة أيضاً إذ انتهت في ستة أيام هزمت فيها كلّ من مصر وسورية والأردن واحتلت قطاع غزة وكامل سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان وأعادت رسم المنطقة بالشكل الذي نعرفه اليوم.
أما المرحلة الثانية من حروب «إسرائيل» فكانت في حرب عام 1973 حيث استطاعت القوات السورية والمصرية مباغتة «إسرائيل» ولكن («إسرائيل») سرعان ما استطاعت امتصاص الضربة واستفادت من الخطوط السرية بين الأميركان والرئيس المصري السادات الذي كان راغباً بإنهاء الحرب عند ذلك الحدّ، مما أدّى الى استفرادها بسورية، فكانت النتيجة انّ أرضاً مصرية غرب القناة قد أصبحت محتلة مما صنع تعادلاً بين أطراف الحرب في المعركة، إلا أنّ دولة الاحتلال ربحت بالسياسة اذ أخرجت مصر من معادلة الصراع ودفعت الفلسطيني الى السعي للالتحاق بالنظام العربيّ من خلال برنامج النقاط العشر والقبول بدولة على جزء من فلسطين والتخلي عن شعار التحرير الكامل، ثم مؤتمر القمة العربيّ في الرباط عام 1974، الأمر الذي مهّد لمنظمة التحرير الانخراط في النظام الدولي حين جرى ترتيب زيارة ياسر عرفات للجمعية العمومية وإلقاء خطابه الذي عبّر فيه عن سعيه للتفاوض مع الإسرائيلي، لاحقاً في حرب 1982 عندما استطاعت «إسرائيل» طرد منظمة التحرير من لبنان ونقلها الى تونس نازعة عنها تواصلها مع فلسطين ومع الثورة لصالح الدولة التي أصبحت تسعى إليها.
المرحلة الثالثة والتي ينتهي فيها زمن الانتصارات الكليّة والجزئية، استطاعت المقاومة اللبنانية طردهم من جنوب لبنان بشكل مذلّ ودون أيّ التزامات من قبل المقاومة، ثم ما تبع ذلك من حروب وأهمّها حرب 2006 التي استعملت فيها «إسرائيل» قوة تدميرية هائلة في حربها مع لبنان ولاحقاً في حروبها مع غزة، ولكن ردود المقاومة وإنْ كانت أقلّ بالقوة التدميرة المادية، إلا أنها كانت أعظم بالمعنى النفسي وبما أحدثته في العقل (الإسرائيلي).
قد تكون «إسرائيل» اليوم على أبواب المرحلة الرابعة من الحروب والتي ستأخذ اشكالاً جديدة وأسلحة مختلفة غير تقليدية من صواريخ دقيقة وطائرات مُسيّرة ومنظومات الحرب الإلكترونية، «إسرائيل» تريد الحرب ولا تريدها. فالحرب حاجة ملحة لمنع المقاومة من التمدد وضرب الإمكانيات المتعاظمة لديها خاصة تلك المقاومة ذات الرؤية التناحرية مع المشروع الغربي الإسرائيلي، تُضاف الى ذلك الحاجات الإسرائيلية الداخلية؛ فثمة اعتقاد لديهم بانّ الحروب الخارجية هي أفضل وسيلة يمكن استعمالها لشدّ العصب الداخلي (الإسرائيلي) في مجتمع منقسم بشكل عمودي وأفقي ووصل لدرجة انقسام الجيش، ولكنها لا تريد الحرب بسبب أكلافها المرتفعة وإدراكها أنها وانْ امتلكت قوة تدميرية قد تطيح بمدن بأسرها، ولكنها أعجز من أن تحتمل الردود المقاومة والقوة التدميرية المقابلة.
من هنا يطرح السؤال هل ستقع الحرب؟ الإجابة حذرة فنيات الحرب قائمة وأدواتها جاهزة والإصبع على الزناد لدى جميع أطرافها؛ الأمر الذي يجعل من احتمال اندلاعها قائماً نتيجة حادثٍ قد يكون عرضياً، لذلك قد تلجأ «إسرائيل» الى حروب بالوكالة عبر أدوات ارتضت أن تكون في خدمة العدو وهو ما نراه في (قسد) التي تريد بناء حاجز بين سورية والعراق وتدعو الى قيام دولة كردية وفي حراك السويداء ومشروع الدولة الدرزيّة أو في ما قد يحصل في لبنان من اقتتال داخلي.
لن ينجح لا الأكراد ولا غيرهم بإقامة دويلات طائفيّة أو إثنية، ولكنهم سيكونون مصدر ازعاج واستنزاف للأمة…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى