أخيرة

ما الذي يجمع بين رشيد كرامي والمطران كبوجي

‭}‬ معن بشور
في الأول من حزيران عام 1987 جرى تفجير المروحية التي كانت تقلّ الرئيس الشهيد رشيد كرامي كلّ أسبوع من عاصمته بيروت الى عرينه طرابلس وبالعكس، في واحدة من أبشع الجرائم السياسية التي ارتكبها مجرمو الحرب اللبنانية بحق زعيم لم يحمل سلاحاً، ولا عقد صفقة مشبوهة، ولا نهب خزينة الدولة ولا عُرف عنه فساد تحوّل الى أسلوب حياة النظام من بعده …
وفي الأول من حزيران امتطى المطران المناضل حارس القدس، وهو في السابعة والثمانين من عمره سفينة «مرمرة» التركية مع المئات من شرفاء الأمة وأحرار العالم، متوجهاً لكسر الحصار على غزة بعد أن بات الحصار أسلوب عمل في نظام عالمي أحادي القطبي تهيمن عليه واشنطن وتنعم بخيراته تل أبيب …
فما الذي جعلني أكتب عن ابن طرابلس الفيحاء وأحد أبرز قادتها وزعماء لبنان وابن حلب الشهباء، مطران القدس، وأحد رموز مقاومتنا العربية ضدّ الاحتلال الصهيوني.
الذي دفعني الى هذا الجمع أولاً أنني لا أنسى حين جاء المطران المناضل ايلاريون كبوجي برفقة أخي المناضل يحيى المعلم من حلب الى ميناء طرابلس في شباط/ فبراير 2009 (بعد أيام من أول حروب الصهاينة على غزة بعد تحريرها) ليشارك في رحلة سفينة الأخوة اللبنانية لكسر الحصار على غزة مع لجنة المبادرة اللبنانية لكسر الحصار ومنسقها أخي المقدام هاني سليمان، وكانت كلمته الأولى لدى وصوله الى الفيحاء، أمامي وأمام الأخ الصدوق فيصل درنيقة وأخوانه من أبناء طرابلس، «رحم الله الرئيس رشيد كرامي».
والذي دفعني الى الكتابة عن الرمزين أيضاً هو أنهما حملا قضية أمتهما في فلسطين وفي كلّ المواقع التي شغلاها، منذ ان كان الرشيد نائباً ووزيراً ورئيس وزراء الى أن ارتقى شهيداً لأنه كان من أوائل من رفض اتفاق 17 أيار المشؤوم الذي قال لي الرئيس الشهيد في طرابلس يوم إقراره في مجلس النواب: «هذا الاتفاق سيدخل البلاد في حروب لا تنتهي لا الى سلام كما يدّعون»، فألقيت حينها محاضرتي في طرابلس في 18 أيار 1983 بعنوان «اتفاق 17 أيار: مشكلة لا حلّ .»
والأمر نفسه ينطبق على المطران كبوجي الذي تحوّل الى مقاوم في فلسطين منذ أن تقلد منصبه الروحي الرفيع في مدينة القدس، حتى دخوله السجن وتمضية سنوات من حياته في المنفى، والذي حرص كما قال لي رفيقه في أسطول الحرية في مثل هذا اليوم من عام 2010، الأخ المناضل نبيل حلاق، حين طلب اليه أن يبلغه عن موعد صلاة الفجر ليخرج للصلاة مع رفاقه على السفينة حاملاً إنجيله المقدس ويردّد معهم «الله أكبر».
لقد رحل الرشيد عن هذه الدنيا شهيداً، وهي المرتبة الأعلى عند الله عزّ وجلّ، فيما كانت حياة المطران «حارس القدس» حافلة بالعذاب والمعاناة وكان يقول دائماً: «لنا في الأنبياء والرسل قدوة ألم يمضوا حياتهم في عذاب ومعاناة.»
في الأول من حزيران من كلّ عام نذكر استشهاد الرئيس رشيد كرامي قبل 46 عاماً الذي جسّد في مواقفه وأفكاره روح مدينته العابقة بالوطنية والعروبة والإيمان، ونذكر المطران كبوجي ورحلتَيْ البطولة الى غزة قبل 13 و14 عاماً، لنرى في شهداء الأمة الذين يرتقون في فلسطين، وأكناف فلسطين، مشاعل حرية وكرامة لا تنطفئ على الطريق ذاته الذي سار عليه كرامي وكبوجي، براً وجواً وبحراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى