أولى

مبادرة لتفادي عواقب الاحتدام الطوائفي: مجلس تأسيسي منتخب للإصلاح والتغيير وبناء الدولة

‭}‬ د. عصام نعمان*
لبنان بلد فريد. فرادته نابعة من تعدّديته. انه بلد الطوائف والمذاهب والعشائر والأسر الإقطاعية، والأقليات من شتى الأديان والاثنيات والعصبيات، والأحزاب والنقابات والميليشيات، والشخصيات القيادية ذات المواهب والحضور، والأفراد الأذكياء والأبرياء العاملين أو العاطلين من العمل.
إذ يبدو لبنان أسير أزمته السياسيّة المزمنة وتعدّديته المتعمّقة والمتحوّلة فسيفسفاءَ سياسية وثقافية معطلة للمرافق والمؤسسات والأعمال، بادر فريق من القياديين المستقلين ومن المنتمين إلى تيارات وحركات خارج الاصطفافات الطائفية المتقاتلة إلى طرح سؤال محوري: كيف الخروج من الأزمة المستعصية بحلّ او مخرج بمنأى عن أهل نظام المحاصصة الطوائفي المتداعي؟
بنتيجة البحث والمناقشة، توصّلوا بالإجماع الى خلاصةٍ جذرية: لا سبيل الى بقاء نظام المحاصصة الطوائفي او استخلاص أيّ حلّ او تسوية تاريخية من خلال منظومته الحاكمة، وأنّ أجدى ما يستطيع الوطنيون النهضويون الملتزمون قضية التغيير والإصلاح عمله في زمن الانهيار الأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي هو الدعوة الى عقد ورشة عمل يتحاور المشاركون فيها ويجيبون عن سؤال مركزيّ: كيف نواجه مخاطر الفوضى والانهيار والتقسيم في لبنان؟
تمّت الدعوة وانعقدت ورشة عمل أدلى خلالها ثلاثون من المشاركين الوازنين بآرائهم واقتراحاتهم التي جرى تسجيلها بالصوت والصورة، وتقرّر بعدها أن يقوم ثلاثة من المشاركين بتلخيص ما دار فيها بتقريرٍ مكثّف يتضمّن التقاطعات والمشتركات التي تبدّت في مداخلات المشاركين.
بعد جهوز التقرير، سيُصار الى وضع ورقة برنامجية متكاملة تكون أساساً لاعتمادها لاحقاً في لقاءٍ جامع أو مؤتمر وطني للقوى النهضوية الحيّة، أفراداً وجماعات، كي يُصار الى إقرارها كبرنامج عملٍ للقوى السياسية والشعبية المناضلة من أجل بناء دولة المواطنة المدنية.
جرت في اجتماعات اللجنة المنظِمة لورشة العمل مناقشةٌ لما يمكن ان تتضمّنه الورقة البرنامجية المتكاملة من مبادئ وأهداف ومطالب. رأيت من الضروري الإفصاح للرأي العام عمّا قلته للإخوة والرفاق المشاركين فيها وذلك إفساحاً في المجال أمام مهتمّين آخرين بقضية التغيير والإصلاح لإغناء المناقشة حول مضمون الورقة البرنامجية وما يتوجّب عمله ميدانياً لتنفيذ بنودها.
أرى انّ الوطنيين النهضويين الملتزمين قضية الشعب بكلّ أبعادها ومتطلباتها معنيون، بالدرجة الأولى، بالعمل والنضال من أجل إنتاج ثقافة وهوية وطنيتين جديدتين نابعتين من قيم شعبنا ومطالبه المتعارف عليها في الحق والحرية والعدالة والتنمية، وترجمتها إلى برنامج متكامل سياسي ـ اقتصادي ـ اجتماعي، تنهض به قوى وطنية نهضوية، أفراداً وجماعات، حريصة على المثابرة بنَفَس طويل وعزيمة قوية وحكمة ومرونة في تقديم الأهمّ من المطالب والحاجات على الأقلّ أهمية وفق جدول أولويات يتبدّى فيه الأكثر إلحاحاً على أقلها. كلّ ذلك من خلال بناء تحالف شعبي سياسي عريض القاعدة يناضل تحت راية البرنامج سالف الذكر من أجل تزخيم العمل على بناء دولة المواطنة المدنية الكفيلة بتعبئة اللبنانيين وحملهم، سلماً وتدريجاً، على الانخراط في مشروع بناء الوطن الواحد الموحّد.
كيف يكون ذلك؟
لاحظتُ، كما غيري، أنّ معظم الباحثين والإصلاحيين اكتفوا، عند وضع بحوث وبرامج إصلاحية، بطرح أهداف ومطالب وقصّروا في بحث أو اقتراح الآليات والوسائل اللازمة لتحقيقها. حتى الذين دعوا الى طاولات حوارٍ وطني لبحث مسائل التغيير والإصلاح قصّروا أيضاً في هذا المجال. الى ذلك، فإنّ الداعين الى طاولات الحوار الوطني ـ وجلّهم من أهل النظام الطوائفي الفاسد ـ أعطوا أنفسهم حقّ وصلاحية تعيين المدعوين الى طاولات الحوار الوطني. فهل يُعقل أن يكون الفاسدون من أهل النظام الطوائفي هم أنفسهم أهل الإصلاح والتغيير؟ وهل الداعون الى طاولات الحوار الوطني والمدعوّون اليها يمثلون حقاً الشعب والجماعات المطالبة بالتغيير والإصلاح؟
أرى أنّ ثمة حاجة تاريخية الى سدّ النقص الفادح في هذا المجال وذلك بتمكين الشعب، كلّ الشعب، على مستوى الجمهورية بكلّ مواطنيها ومناطقها من انتخاب من يرونهم مؤهّلين وقادرين على تحديد الأسس والمطالب والمعايير اللازمة لتحقيق التغيير والإصلاح المنشودين.
ذلك يكون بأن يبادر التحالف الوطني الشعبي العريض القاعدة (المقترح إنشاؤه) بالدعوة الى انتخاب أعضاء مجلس تأسيسي على مستوى الجمهورية كلها باستقلالٍ تامّ عن الدولة وأجهزتها، مؤلف من مئة عضو، بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين (تطبيقاً للمادة 24 من الدستور) دونما توزيع مذهبي، وعلى أساس صوت واحد لكلّ ناخب او ناخبة بلغا سن الثامنة عشرة، ليتولى المهام الآتية:
أ ـ إقتراح الأسس والآليات المتوجبة لتنفيذ أحكام الدستور المعدل، لا سيما تلك التي تضمّنت إصلاحات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف.
ب ـ إجراء حوار حول الأسس المتوجبة لقانون ديمقراطي للانتخاب يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته، وإعداد مشروع القانون اللازم لذلك.
ج ـ متابعة ومراقبة أداء كلٍّ من مجلس النواب والحكومة وتقييمه ونقده واقتراح التصويبات والبدائل المناسبة وإعلانها على الرأي العام، وذلك على نحوٍ يتيح للشعب إجراء مقارنة بين أداء كلٍّ من مجلس النواب والحكومة من جهة والمجلس التأسيسي من جهة أخرى في سياق عملية هادفة الى تعزيز التجربة الديمقراطية والارتقاء بها.
د ـ درس وإقرار الآليات والتدابير المتعلّقة بتنفيذ الأهداف البرنامجية للقوى الوطنية النهضوية وحلفائها، وإعداد المشروعات والإصلاحات التي يقترحها المجلس التأسيسي، والعمل على اعتمادها بالضغط الشعبي السلمي.
ألا تستحق هذه المقاربة الإصلاحية النوعية اهتماماً وتفكيراً وتدبيراً؟
من هنا تستقيم الدعوة الى ضرورة مبادرة القوى الوطنية النهضوية، أفراداً وجماعات، الى استخدام شتّى وسائل الإعلام والتربية والتعبئة في شتّى المجالات والنشاطات والأوساط بغية تكوين ثقافة وطنية جامعة قوامها القيم المشتركة والقواسم المشتركة والعمل المشترك لبلوغ أهداف وطموحات مشتركة.
هل ثمّة مسار آخر أجدى وأفعل؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى