الخطة «ب»… وألِف باء الوطنية!

‭}‬ أحمد بهجة*
الموضوع الطاغي على كلّ شيء في لبنان اليوم هو الانتخابات الرئاسية. ولكن قبل الدخول في آخر المعطيات بشأنه، لا بدّ من التوقف ملياً أمام المشهد الرائع في تلال كفرشوبا، وقد باتت القصة معروفة ولا داعي لتكرار التفاصيل. إنما هناك ضرورة مُلحّة لأن نوجّه التحية لصاحب وقفة العزّ المزارع الجنوبي البطل اسماعيل ناصر الذي واجه منفرداً بقامته الشامخة جرّافة العدو الصهيوني وسائقها ومَن معه من ضباط وعسكريين وأجبرهم على التراجع والانسحاب قبل تنفيذ المهمة التي جاؤوا من أجلها وهي قضم المزيد من الأراضي اللبنانية.
وهبّ أهالي كفرشوبا وشبعا ومنطقة العرقوب ووقفوا ببسالة مشهودة في وجه العدو، وأزالوا الشريط الشائك المستحدَث في إحدى التلال، فيما كان الجيش اللبناني على سلاحه وفي وضعيات قتالية لحماية الأهالي، موجهاً عبر قوات «يونيفيل» أكثر من تحذير لضباط وعناصر الوحدة العسكرية المعادية بأنّ الردّ سيكون كبيراً جداً إذا ارتكبوا أيّ حماقة ضدّ المواطنين، وإذا لم يرتدعوا ويوقفوا أيّ عمل عدائي ضدّ لبنان وأرضه وشعبه.
وقد رأى الجميع كيف أنتج التكامل بين الشعب والجيش هذا الإنجاز المهمّ في منع العدو من تنفيذ أهدافه العدوانية. أما المقاومة وهي الضلع الثالث في المعادلة الماسية، فقد كانت حاضرة بقوّة في الميدان، وهذا ما أكده النائب الصديق الدكتور علي فياض حين قال من كفرشوبا «إنّ المقاومة لا يغمض لها جفن، وهي حاضرة وجاهزة في إطار قواعد الرّدع الّتي فرضتها وكرَّستها، لحماية الأمن والسّيادة والمقدّرات للبنان أرضاً وشعباً».
من هنا ندخل إلى موضوع الانتخابات الرئاسية، حيث لا يمكن السماح لأحد تحت أيّ عنوان أو حجة بأن يخرّب ما أنجزه لبنان من انتصارات أو يطعن بما تمّ تثبيته من قواعد القوّة والمنعة التي تحمي لبنان وشعبه وأرضه وثرواته وتمنع العدو من المسّ بذرّة واحدة من ترابه أو من ثرواته وموارده الطبيعية.
لذلك نرى الدعم المطلق لرئيس تيار المرده الوزير السابق سليمان فرنجية الذي يتحدث عنه تاريخه المشرّف ومواقفه الثابتة والصادقة مع المقاومة ومع سورية ومع الخط المشرقي والعروبي.
أما الآخرون الذين «تقاطعوا» على ترشيح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الدكتور جهاد أزعور، فالأكيد أنّ مَن أوحى لهم من الخارج باعتماد هذا الاسم يعرف جيداً ماذا يريد، وقد سارت خلفه كتل نيابية وبعض النواب الذين يسمّون أنفسهم تغيريّين أو مستقلين، فيما كان كلّ من هذه الأفرقاء قبل أيام قليلة يغنّي موالاً مختلفاً عن الآخر.
بعضهم كان يضع «فيتو» على أزعور، وبعضهم كانت شعاراته «كلن يعني كلن»، وبعضهم الثالث كان يحارب من أجل التدقيق الجنائي الذي يطال أركان المنظومة المالية في البلد منذ مطلع التسعينات إلى اليوم، والمرشح «المتقاطَع عليه» هو أحد أبرز هذه الأركان كوزير للمالية في حكومة فؤاد السنيورة، ومعه أيضاً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كان أزعور يستعدّ لخلافته في نهاية تموز المقبل.
وللفت النظر فقط فإنّ التقاطع يؤدّي إلى طرقات كثيرة، فهل اتفق المتقاطعون على اختيار المفرق نفسه؟ أم أنّ الافتراق سيحصل عند التقاطع ويذهب كلّ فريق في طريق…؟
هل هكذا تُبنى الأوطان، وهل هكذا يتمّ التعاطي مع مسألة جوهرية بحجم انتخاب رئيس للجمهورية؟ والرئيس هو مفتاح إعادة تكوين السلطات بدءاً من تشكيل الحكومة الجديدة التي يُفترض أن تؤكد في بيانها الوزاري على ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، إلا إذا كان «المتقاطعون» يريدون غير ذلك، وهذا ما لا يمكن السماح به إطلاقاً بعد كلّ هذه التضحيات والأثمان التي حفظت لبنان وحمت سيادته واستقلاله وحصّنته في مواجهة كلّ الاعتداءات الإرهابية سواء من العدو الإسرائيلي أو من العدو التكفيري.
كما أنّ على الحكومة الجديدة أن تنجز التعيينات في المفاصل الأساسية للدولة وأوّلها حاكمية مصرف لبنان، وأن تضع البرامج والخطط الإنقاذية التي تسمح للبلد بالخروج من هذه الدوامة القاتلة من السياسات المالية والاقتصادية المتبعة منذ ثلاثة عقود.
وبالعربي الفصيح كما يُقال يحتاج البلد إلى «الخطة ب» اقتصادياً ومالياً بعدما أوصلتنا «الخطة أ» إلى هذا الحضيض الذي لا نزال ننحدر فيه أكثر فأكثر، وهذا ما لا يستطيع أن يفعله أزعور كونه مرتبطاً بسياسات صندوق النقد الدولي، وهي سياسات تصبّ في السياق نفسه الذي أوصلنا إلى الخراب والدمار…!
أما ما يحتاجه البلد فعلاً فهو التعاون مع كلّ دول العالم، غرباً وشرقاً، وعلينا أن نرحّب بكلّ مَن يمدّ لنا يد العون ويقدّم لنا العروض المفيدة والمنتجة، ولا يجوز بعد اليوم أن نرفض أيّ عرض من الصين أو روسيا أو إيران فقط لأنّ الولايات المتحدة تريد أن يستمرّ الحصار علينا وعلى سورية، ولا تريد للأجواء المريحة في المنطقة بعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني برعاية الصين أن تنعكس علينا إيجاباً كم هو مُفترض.
*خبير مالي واقتصادي