أولى

إعلان باسيل عودة الحوار مع حزب الله

في المسار الرئاسي تنقل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من خيار رفض ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية تحت سقف البقاء في موقع الحليف لحزب الله والتصويت بالورقة البيضاء لعدة جلسات انتخاب بصورة مشتركة مع الحلف الداعم لترشيح فرنجية قبل إعلان تبني ترشيحه رسمياً من حركة أمل وحزب الله، واختار بديلاً مرحلياً تمثل بالسعي لإنتاج معسكر ثالث يضم التيار والحزب التقدمي الاشتراكي وعدداً من نواب التغيير ونواب كتلة الاعتدال الوطني، لكن الخيار لم ينجح، فانتقل الى خيار بديل شكل نوعاً من القطيعة والتصادم مع الحزب، على الأقل في الخيار الرئاسي، وانعكس بصورة سلبية على العلاقة بين جمهور كل من الطرفين، حتى بلغ مراتب خطيرة، عندما انضمّ إلى حلف انتخابي يضمّ كل خصوم حزب الله تحت شعار التقاطع على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، الذي لا يملك من الصفات ما يتيح القول إنه الخيار البديل لدعم فرنجية وفقاً لمعايير التيار، التي اختصرها باسيل بأن يكون مثل فرنجية على الأقل في حرصه على المقاومة لكنه أوسع تمثيلاً، قبل منحه دعم التيار، وأن يكون أكثر إصلاحية، ما وضع الخيار في دائرة منح تغطية التيار السياسية والطائفية لمشروع داخلي وخارجي يريد النيل من حزب الله، لا يُخفى تشجيع واشنطن على السير فيه لهذه الغاية، وهي الغاية ذاتها من استهداف باسيل والتيار كما وصفها الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان، تجريد حزب الله من البعد المسيحي الذي يمثله التيار.
رغم ذلك، وربما بسبب ذلك بقي باسيل يؤكد أن الخلاف مع حزب الله لا يطال الموقف من المقاومة، ومعه عدد من شخصيات التيار الحريصين على التفاهم مع حزب الله، وعلى التيار من موقع قراءة المصلحة في ضوء المتغيرات الجارية في المنطقة، والتي كان التيار ضمن الحلف الذي يقف على ضفة الرابحين منها، وتحمّل تبعات هذا الخيار، فكيف له أن يغادرها وقد اقتربت من مرحلة قطاف ثمار تضحياتها، لكن ذلك لم يلغ حقيقة أنه لو نجحت محاولات تأمين 65 صوتاً لصالح المرشح أزعور في جلسة 14 حزيران، لكانت تغطية التيار للمواجهة ولو بداعي التفاوض مع حزب الله أدّت ما ينتظره خصوم الحزب منها، وما كان لأحد أن يضمن أن تقف حدود تداعياتها عند الملف الرئاسي دون أن تؤثر على البعد المقاوم للحزب، وبالتوازي بقي حزب الله يحرص على تأكيد أن مصير التفاهم بينه وبين التيار ليس موضوع البحث الآن، رافضاً التسليم بسقوطه، وكانت مواقف الحزب من الأداء الحكومي تراعي باستمرار في القضايا ذات الطابع الميثاقي، تحفظات التيار، حتى لو لم تأخذ بكل تحفظاته الأخرى، وكان بارزاً أن موقف حزب الله الرافض لقيام حكومة تصريف الأعمال بالتعيينات لعب دوراً حاسما في صرف النظر عن هذا الخيار، خصوصاً في منصب حاكم مصرف لبنان.
الأكيد الآن مع صدور موقف باسيل الذي أعلن عن استئناف الحوار بين التيار وحزب الله بإيجابية، وعن حوار بعيد عن الفرض وبدون شروط مسبقة، يعني الانتقال الى مرحلة جديدة، مرحلة لم يغير فيها باسيل تحفظاته على ترشيح فرنجية ورفضه للترشيح، ولم يتراجع معها حزب الله عن دعم ترشيح فرنجية، لكن زال شرط التخلي عن فرنجية للبدء بالحوار، وأي شرط آخر إن كان موجودا، واعتقاد باسيل بأن ما جرى في جلسة 14 حزيران أوصل لحزب الله رسالة تكشف إلى أين يمكن أن يذهب التيار إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، كما يعتقد بأنها كشفت لحزب الله أن التعقيدات دون وصول فرنجية باعتقاده تصل حدّ الاستحالة، أما بالنسبة لحزب الله فالقرار بالحوار دون شروط مسبقة، كان مشروعه الأصلي مع التيار، وكان يصطدم بشرط سحب الحزب لدعم ترشيح فرنجية، وإذا كان باسيل واضحا بأنه ليس بوارد قبول أي صيغة للسير بترشيح فرنجية، سواء كانت تحت عنوان الاتفاق على المشروع يمكن أن يمرّر التغاضي عن التحفظات على اسم المرشح، أو مقابل ضمانات تتصل بدور التيار وتمثله الحكومي وفي الإدارات والتعيينات، فإن الحزب يعتقد بأن الذهاب الى الحوار بانفتاح ونية صافية يتناقض مع التنبؤات المسبقة بما يمكن أن يصل إليه، وبالتالي فمن حق كل طرف التفاؤل بقدرته على جذب الطرف المقابل في الحوار إلى منطقه وقراءته، وفي حال استحالة تحقيق ذلك، يبقى أن الحوار بين التيار والحزب يحقق مجموعة من النتائج الإيجابية، أولها تبريد مناخات العلاقات بين جمهور الفريقين، واستعادة بعض الدفء بين الحريصين على التفاهم في الضفتين، ودفع التيار للتروّي في أي جلسة انتخابية مقبلة قبل اتخاذ قرار التصويت لصالح مرشح مشترك مع خصوم الحزب، وثمّة بين أصدقاء الحزب والتيار من يعتقد بوجود احتمال يقوم على أن خطاب التيار يقوم على تأمين النصاب، وهذا أمر مطلوب بالنسبة لداعمي ترشيح فرنجية، كما أنه يقوم على تبني مفهوم السلة الكاملة التي تتضمن اتفاقات نيابية يترجمها تبني مرشح رئاسي، لكنها تتضمن عناصر أخرى، ربما تترجم بأكثر من سلة يرتضي الفرقاء الذهاب الى جلسة انتخابية تنافسية لا يتم تعطيل النصاب فيها على أساسها، بصورة تتقاطع مع السعي الفرنسي للحوار، الذي يمكن أن يبلغ هذه المرحلة، سواء بطرح اسم رئيس حكومة في ضفة ترشيح أزعور أو زياد بارود أو كليهما فتخاض بثلاثة مرشحين، ويتقبّل الجميع نتائج ما يفرزه صندوق الانتخاب، ويكون ضمن حسابات داعمي فرنجية كيفية تأمين الـ 65 صوتاً دون نواب التيار.
في الحصيلة، هذا حدث مهم، عشية ذكرى حرب تموز، يعيد إنتاج بعض المشاعر الموحدة التي جمعت جمهور الفريقين في مثل هذه الأيام قبل سبعة عشر عاماً.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى