الوطن

بيرم لـ «البناء»: التجاذبات تُعيق التشريع والضمان يحتاج خطّة طوارئ شاملة التآزر العربي يحقق الازدهار والرخاء للجميع… وإيران قدّمت لنا عروضاً سخية

‭}‬ إنعام خرّوبي
في خضمّ الصراعات السياسية والتجاذبات الفئوية، والغموض الذي يلفّ مصير الاستحقاقات الداهمة، لا سيما الانتخابات الرئاسية، ووسط انهيار شبه تامّ لمرافق الدولة وخدماتها من كهرباء ومياه ونقل وغيرها من الخدمات، أضف إلى ذلك الانهيار الكبير في قيمة العملة الوطنية وتفلُّت الأسعار، يغرق اللبنانيون في تفاصيل متطلبات حياتهم اليومية التي سئموا تكاليفها في غياب أيّ أفق لحلّ أو انفراج.
وكما في كلّ أزمة اقتصادية، يدفع العمال والموظفون، وهم الفئة الأكثر هشاشة، الثمن من استقرارهم المعيشي ومستقبلهم، برواتب ضئيلة لا تُغني ولا تُسمن، ما اضطر نسبة كبيرة منهم إما إلى البحث عن أعمال إضافية تقيهم شظف العيش ومرارة العوَز، أو الهجرة أملاً في إيجاد الأفضل، خاصة بعد أن قضت المصارف على مدّخرات استغرق جمعها سنوات العمر، فضاع القرش الأبيض الذي كان يُفترض أن ينفع في الأيام السوداء التي طالت، في غياهب أزمة مالية، قد تكون الأصعب التي عاشها لبنان منذ إنشائه.
ولعلّ الملفّ الأبرز والأهمّ وسط كلّ ذلك هو الأجور في القطاعين العام والخاص. بالنسبة إلى القطاع العام، كعادتها في كلّ الملفات المشابهة، تعاملت الحكومة مع هذا الموضوع بطريقة الاحتواء المؤقت للأزمة، وأقرّت مؤخراً زيادة رواتب العاملين في القطاع العام 4 أضعاف، ليصبح مجموعها منذ اندلاع الأزمة المالية 7 أضعاف. كما تمّ تعديل بدل النقل إلى 450 ألف ليرة يومياً مع اشتراط عدد أدنى من أيام الحضور إلى العمل.
أما في القطاع الخاص، فقد تمّ الاتفاق في لجنة المؤشر على رفع الحدّ الأدنى إلى 9 ملايين ليرة أيّ بزيادة 4 مليون ونصف، وبدل النقل إلى 250 ألف ليرة عن كلّ يوم حضور، ورفع سقف المرض والأمومة ضعفين.
«هذا ليس كافياً، ولكن هذا هو المُتاح حالياً».. يقول وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال الدكتور مصطفى بيرم لـ»البناء»، موضحاً في الوقت نفسه «أنّ أيّ خطوة إلى الأمام تكون مفيدة لأحصل تدريجياً على موافقة أصحاب العمل والعمال، ولكي أضمن حواراً ناجحاً ومستمراً لنخلق نوعاً من الثقة المستمرة بينهما، لما لذلك من انعكاسات إيجابية وفوائد، ليس على العمال فقط، لأنني آخذ بعين الاعتبار دوماً مصالح أصحاب العمل، خاصة في المناطق والقرى، تفادياً لإغلاق المؤسسات، وقد ساهم استقرار سعر الصرف خلال الأشهر الأخيرة في تحقيق نوع من الثبات».
ويُضيف: «الأجور هي ملفّ أساسي ومُلحّ في ملفات الوزارة في ما يتعلق بالخاضعين لقانون العمل، وإن كنتُ بالتوازي أدعم أيّ شيء يتعلّق بالقطاع العام نظراً لانتمائي في الأساس إلى هذا القطاع وإيماني بأهميته. في ما يتعلق بالقطاع العام، موضوع الأجور هو عند الحكومة مجتمعة، أما موضوع القطاع الخاص فهو عند وزارة العمل، وتحديداً عند لجنة المؤشر»، مشيراً إلى أنّ الزيادة التي تمّ التوصل إليها والتي سيُصرّح بها للضمان ستدخل إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نحو 8300 مليار وهذه سابقة لم تحصل وستسهم في تعزيز وضع الضمان لتحسين تقديماته».
تفعيل لجنة المؤشر
ويشدّد الوزير بيرم على أهمية دور لجنة المؤشر، لافتاً إلى أنّ إعادة تفعيل اللجنة، وتشكيلها بصيغة جديدة وبأسماء ووجوه جديدة أيضاً، كان من أولى القرارات التي اتخذها بعد تسلُّمه وزارة العمل. وأكد أهمية انعقاد اللجنة «شهرياً أو على الأقلّ مرّة كلّ شهر ونصف الشهر، لنتمكّن من مواكبة التطورات على كافة الصعد، في ظلّ الوضع الاستثنائي وتقلبات سعر الصرف».
من يحمي قانون التقاعد والحماية؟
في 5 آب 2004، أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون للتقاعد والحماية الاجتماعية، ليحلّ مكان نظام تعويض نهاية الخدمة، الذي يشكّل الفرع الرابع من فروع الضمان الاجتماعي. أحيل المشروع إلى المجلس النيابي ليصار إلى مناقشته ودرسه ومن ثم إقراره في الهيئة العامة ليصبح قانوناً نافذاً، ولكن في حال إقرار قانون كهذا، هل تستطيع الدولة حمايته في هذا الوضع الصعب؟ يجيب بيرم: «بعد انهيار قيمة العملة الوطنية، لم تعد تعويضات نهاية الخدمة ذات قيمة وكان لا بدّ من البحث عن مسار جديدة لمعالجة هذه المسألة، فكان هذا القانون، وهو يستند إلى المادة 54 /فقرة 5 من قانون الضمان والتي تعطي الحق للمضمون أن يختار معاشاً تقاعدياً وفقاً لنظام يضعه مجلس إدارة الضمان، وتمّت الاستعانة بخبير من منظمة العمل الدولية كان مشاركاً في إعداد مشروع القانون وأرسلناه إلى مجلس إدارة الضمان. صحيح أنه شكّلت لجنة استثمار، لكنّ مسار المشروع له علاقة بالتشريع ونحن نعلم أنّ التشريع يستغرق وقتاً، خاصة في ظلّ التعقيدات الحالية، والنقاش حول ما إذا كان المجلس النيابي هو هيئة انتخابية رئاسية، وإذا كان يحقّ له التشريع أم لا، وهل هو تشريع الضرورة أم غير الضرورة وغير ذلك من التعقيدات والعقبات».
ويُضيف: «في المُحصِّلة هذا المشروع خاضع أيضاً للتعديلات في اللجان المشتركة وفي مجلس إدارة الضمان إذا تمّت الموافقة عليه ولم تكن هناك من معوّقات. أما بالنسبة إلى حماية هذا القانون من قبل الدولة فهذا الأمر يتطلب مسؤولية الجميع، وأعتقد أنّنا أمام خطوة جديدة في تاريخ لبنان وهي الاتجاه نحو معاش تقاعدي في القطاع الخاص وهذا الأمر مرتبط بضرورات تشريعية، علماً أنّ لبنان هو من بين ثلاث دول لا تطبّق نظام المعاش التقاعدي في القطاع الخاص».
خطة طوارئ شاملة للضمان
يشكّل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أهمّ ضمانة للعمال والموظفين، لجهة تأمين التغطية الصحية والاجتماعية وضمان نهاية الخدمة، لكن، كسواه من مؤسسات الدولة، لم يسلم من ارتدادات الانهيار المالي والاقتصادي وتراجعت خدماته بشكل كبير وباتت تقديماته لا تتجاوز نسبة الـ 10%. وفي هذا السياق، يُشدّد وزير العمل على ضرورة النهوض بهذه المؤسسة لتتمكن من القيام بدورها الاجتماعي والإنساني ومنع انهيارها. ويقول: «بذلتُ مجهوداً كبيراً جداً في سبيل إعادة تشكيل اللجنة الفنية التي تراقب المدير العام، إذ يجب أن تكون هناك هيئة رقابية داخل الضمان، كما أعدت تشكيل اللجنة المالية للصندوق، إضافة إلى إعادة تشكيل مجلس إدارة الضمان بالتمثيل الذي له علاقة بالدولة والتمثيل الذي له علاقة بالعمل، وبعد مفاوضات طويلة بعيداً عن الإعلام توصلنا إلى صيغة تنعش مجلس إدارة الضمان وتمنع الإشكاليات الموجودة حالياً والمتأتية من عدم وجود نصاب في مجلس إدارة الضمان، نظراً لوفاة عدد من أعضائه إضافة إلى الاستقالات، وبالتالي فإنّ أيّ اجتماع اليوم لمجلس إدارة الضمان متوقف على شخص وهذا ما يحصل للأسف، فضلاً عن الخلافات الشخصية والصراعات بين إدارة الضمان وبعض أعضاء مجلس الإدارة، كلّ ذلك ألقى بظلاله على عمل مجلس الإدارة. هناك انهيار بكلّ معنى الكلمة، خاصة أنّ الاستثمار الذي كان يقوم به الضمان هو استثمار مصرفي وعندما انهار القطاع المصرفي انهار هذا الاستثمار أيضاً».
ويضيف بيرم: «وضعتُ كلّ هذه الأمور على جدول الأعمال مجلس الوزراء وتمّ سحبها من الجدول بسبب ضغوطات سياسية ومعلومات خاطئة. الضمان يتطلب خطة طوارئ أكبر وأشمل وعلى القوى السياسية أن تتحمّل مسؤولياتها في هذا المجال».
التآزر العربي
في كلمته خلال مؤتمر العمل العربي الذي عُقد في القاهرة في أيار الماضي، أطلق وزير العمل مصطفى بيرم مبادرة الغيث والغوث العربيين، مشدّداً على أنّ ما يجمع العرب أكثر بكثير مما قد يفرّقهم داعياً إلى حشد الطاقات واستثمار الإمكانات لما يحقق ازدهاراً ورخاء للمنطقة العربية.
«أحرص دوماً على إطلاق مبادرات من هذا النوع»، يقول وزير العمل مشدّداً على أنّ لبنان «جزء من العالم العربي ونحن نؤمن بضرورة إنشاء سوق عربية مشتركة. المنطقة العربية تضمّ أكثر من 300 مليون نسمة ولا ينقصها أيّ شيء للنهوض وتحقيق التكامل والاكتفاء، فتحت أقدامنا أغلب ثروات العالم، فلماذا لا نستفيد منها؟ ولماذا لا نتبادل المواهب ونقاط القوة والخبرات؟ وبالطبع لا يمكن عزل السياسة عن هذا الموضوع، وأنا أؤمن بأن لا قيامة لنا كعرب ولا قدسية من دون قدسنا. فلنتفق على استراتيجية سياسية موحّدة وإنْ لم نستطع فلنذهب إلى استراتيجية موحّدة في ما يتعلق بالإنسان العربي. الأصل هو الوصل والتعاون والتآزر وليس الشِّقاق، والانفتاح العربي ـ العربي والعربي ـ الإسلامي يثبت لنا مجدّداً أنّ أهل المنطقة هم الأوْلى بأن يحكموها وأن يستفيدوا من مواردها ويدافعوا عنها ويحفظوا لها هيبتها وسيادتها».
ويُضيف: «كما أننا حريصون في المحافل العربية والدولية على التحذير من خطورة الغزو الفكر الغربي حيث أنّ الغرب ترك الحرب الناعمة في هذا المجال وقد خلع قفازاته وبدأ يفرض فرضاً مفاهيم مخالفة للبعد الأخلاقي والأسري وستؤدّي إلى دمار المجتمعات للأسف».
عروض إيرانية سخية
وحول زيارته الأخيرة إلى إيران، يُشير بيرم إلى أنّ الزيارة حظيت باهتمام خاص وعناية من القيادة الإيرانية وقد ركزت على العلاقة من دولة إلى دولة، وشهدت توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة العمل الإيرانية حول التبادل في التدريب المهني المعجل.
ويكشف بيرم عن عرض قدّمه المسؤولون الإيرانيون يتضمّن حزمة من المساعدات لها علاقة بالكهرباء والزراعة واستثمار الثروة السمكية «سأبلغ بها رئيس الحكومة وأتمنى أن تقبل الحكومة بهذه المساعدات واستثمارها بما ينعكس بالفائدة على كلّ اللبنانيين».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى