نقاط على الحروف

بوتين يختصر حروبه بحرب واحدة: إنهاء هيمنة الدولار

ناصر قنديل

– في كلمته أمام مجموعة بريكس استعرض الرئيس الروسي المشهد الدولي، وخطورة الهيمنة الغربية بقيادة أميركية، وبالتوازي استعرض نمو مجموعة بريكس لجهة عدد الدول الراغبة بالعضوية والحجم الإجمالي لاقتصادات دول المجموعة، وحجم التبادل بينها، وتراجع مكانة الدولار في مبادلاتها، وصولاً لتحديد المهمة الراهنة، وهي إخراج الدولار من صفة العملة العالمية المهيمنة على التبادلات التجارية، ولن يكون صعباً على أي متابع لكلمة بوتين الانتباه الى أنه لم يتطرّق الى الجوانب السياسية المحيطة بالنزاعات العالمية، بما فيها حرب أوكرانيا إلا من الزاوية الاقتصادية، سواء ما يتصل بخطورة نظام العقوبات أو ما يتصل بأزمة الطاقة والحبوب، ليستخلص من هذا الاستعراض أن الأولوية العالمية للتنمية هي التخلّص من هيمنة الدولار.
– وفقاً للأرقام الصادرة عن البنك الدولي للمرة الأولى تتقدّم مجموعة البريكس بحجم اقتصاداتها على مجموعة السبع بنقطة، قرابة 32% مقابل قرابة 31% من الاقتصاد العالمي، لكن مع تفوّق كبير لمجموعة بريكس بعدد السكان ومساحة الدول، والاقتصادات بالأصول الثابتة، حيث لا تحتسب المداولات البنكية وتبادلات البورصات في تقدير حجم الاقتصاد، بل القيمة الفعلية للأصول، مواد أولية وسلع حقيقية منتجة، ووفقاً للأرقام أيضاً نجحت دول البريكس بتخفيض نسبة اعتمادها على اقتصادات الغرب، بينما فشل الغرب في التخلص مما يسمّيه الارتهان لاقتصادات دول البريكس، ولا تزال أوروبا تعاني آثار وقف إمدادات الطاقة الروسية، وتعترف دول الغرب جميعاً باستحالة الاستقلال الاقتصادي عن الصين، بينما تضاعفت تبادلات دول البريكس فيما بينها ست مرات، وتراجع اعتماد الدولار للمبادلات التجارية لهذه الدول الى قرابة الـ 20% فقط، وهذا يعني ان الانتقال الى مرحلة جديدة عنوانها بناء فضاء اقتصادي لأكثر من نصف العالم مستقل عن الدولار صار أمراً ممكناً.
– من الزاوية الاستراتيجية يضع بوتين يده على النقطة الأشد أهمية في مواجهة نظام الهيمنة، لأن القوات الأميركية خرجت عملياً من ساحة المنافسة، سواء بعد قرار الخروج من أفغانستان والاعتراف بالفشل في الاعتماد على القوة العسكرية لتحقيق الأهداف، أو من خلال التهرّب المستمر من الدخول في أي مواجهات عسكرية، خصوصاً من خلال مسار حرب أوكرانيا، بينما يمثل الدولار السلاح الأشد فتكاً في الاستراتيجيات الأميركية، لما يتيحه بحجم هيمنته على التبادلات الاقتصادية والمالية، من فرصة للتحكّم بمستوى الحياة اليومية ونمط عيش مليارات البشر، وما يوفره عبر المنظومة المالية الدولية من فرصة لفرض الحصار والعزل على اقتصادات الدول التي تقع على لائحة الاستهداف الأميركي، لذلك يذهب بوتين الى الدعوة لخوض معركة إنزال الدولار عن عرش السيادة المالية على الاقتصاد العالمي، بصفته الضربة القاضية التي يجب ويمكن توجيهها لنظام الهيمنة الأميركية.
– الابتعاد عن الدولار لم يعد مجرد فكرة، فقد نجحت دول بريكس في تخفيض مكانته الى أدنى من نصف المكانة التي كان عليها قبل سنتين في تبادلات دولها، بينما نجحت في تجاوز الدولار في نصف مبادلاتها مع الدول غير الأعضاء، ومنها دول تطلب العضوية في بريكس، وإذا أخذ بالاعتبار حجم ما تمثله كماً ونوعاً الدول التي تقدمت بطلبات لعضوية بريكس، خصوصاً في سوق الطاقة، مثل السعودية والجزائر بعد انضمام إيران، فإن القدرة التأثيرية لبريكس في الأسواق العالمية وفي السلع الاستراتيجية تتعاظم، ويبدو أن معركة إنهاء هيمنة الدولار قد بدأت، عبر إقرار منظومة موحّدة للتبادل المصرفي رديفة تقابل نظام السويفت، وإقرار بنك عالمي للتنمية مقابل البنك الدولي، وعملة موحدة رديفة للعملات الوطنية للدول تنافس الدولار على العمليات المالية والتجارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى