أولى

«مسألة وقت»… لانهيار وزوال الكيان الصهيوني

‭}‬ د. جمال زهران*
من الكلمات القوية التي استمعت إليها من السيد حسن نصر الله، في آخر خطبة الأسبوع الماضي، عندما جاء ذكر الكيان الصهيوني، والتي سبق أن قال عنه، أنه كـ «بيت العنكبوت»، قال بوضوح إنها «مسألة وقت» لا أكثر. وهو قول سبقته كلمات وأعقبته كلمات، وجميعها يدور حول حتمية زوال الكيان الصهيوني، والمسألة لا تخرج عن كونها «مسألة وقت». أيّ أنّ الزمن هو العنصر الحاسم في قراءة «الحتمية».
وقد يرى البعض من مرضى القلوب، وخواء العقول، أنّ مثل هذا القول يقع في خانة اللعب بالكلمات، والتسويف! بينما الحقيقة أنه قول صادق، ويعبّر عن استراتيجية لها أهداف ووسائل، وفي قلبها امتلاك القوة بما يفوق قوة هذا الكيان الصهيوني، الذي يتباهى بقوته ويتظاهر بها، من اعتداءات شكلية على مواقع سورية، ومن خرق الأجواء اللبنانية، في تحدّ صارخ للشرعية، وتهديد صريح للاستقرار والسلام في الإقليم. فقد يتظاهر بأنه يريد فرض معركة في الوقت الذي يقدره، بينما كلّ الحسابات الدقيقة للقوى الشاملة في الإقليم، تؤكد، أنه يتظاهر فقط، ولا يرغب في التصعيد، لأنه يدرك ويعرف أنّ المعركة الشاملة لو بدأت، سوف تؤدي إلى زوال هذا الكيان الصهيوني بالفعل، وليس بالقول.
وكان السيد نصرالله، قد تحدث في الذكرى السنوية الـ (17) لحرب تموز وصدّ العدوان الصهيوني على لبنان 2006، وأكد على عدة معاني هي:
ـ أن الانتصار التاريخي في تموز، قد تأسّس عليه من معادلات وقواعد اشتباك وتوازن ردع، وفهم لدى العدو بحقيقة وقدرات وإمكانات وعناصر القوة في لبنان وفي مقدمتها المقاومة. وهو ما تأكد عملياً وعلى سبيل المثال في العام الماضي (2022)، في موضوع الترسيم البحري، وتحرير الجزء الأكبر، باستثناء مساحة ضيقة نتيجة الخلاف على نقطة الـ (B1)، من مياهنا الإقليمية كما تراها الدولة اللبنانية، وتحرير المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحرير حقل (قانا)، الذي نسمّيه البلوك 9.
ـ أنّ هذا الإنجاز ما كان له أن يتحقق لولا البناء على نتائج حرب تموز في عام 2006. فضلاً عن أن الإنجاز ما كان له أن يتحقق أيضاً لولا التكامل بين المقاومة والدولة، والتعاون والتنسيق الكاملين.
ـ من يراقب الوضع الصهيوني منذ حرب تموز 2006، وهي مفصل تاريخي بلا شك، يرى بوضوح المسار الانحداري النزولي الهبوطي لهذا الكيان على كلّ الأصعدة، وهو ما أكدته لجنة «فينوغراد»، التي حققت في أسباب إخفاقات الحرب (سياسياً وعسكرياً)، بخلاف لجان أخرى عديدة، ووصلت إلى نتائج بالطبع، كانت خطيرة وقوية وصادمة، ولكنه لم يستطع أن يعالج نقاط ضعفه على كافة المستويات. فسارت الأمور لدى الكيان في انحدار، بينما المقاومة في مسار تصاعدي، وهو ما تأكد في غزة 2008، ومواجهات غزة المتتالية، ومواجهات الضفة الغربية في جنين ونابلس، وغيرهما. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ التراجع والضعف والوهن، يسري في هذا الجيش الصهيوني. حتى أنّ قادة الكيان الصهيوني عسكرياً وسياسياً، يتكلمون عن الحالة الصعبة التي وصل إليها جيش الكيان.
ـ انتقل العدو من الهجوم والمبادرة، إلى وضعية الدفاع. وحتى عندما يهجم، فإنه يهجم من موقع دفاعي، سواء في غزة أو بالضفة أو بسورية. بينما محور المقاومة، قد أمسك بزمام المبادرة بنسبة كبيرة. حيث أنّ الكيان الصهيوني تختبئ – الآن – خلف الجدران في كلّ الجبهات.
ـ تهديدات قادة الكيان الآن – عندما يصرّحون بذلك عند الحدود اللبنانية، والشريط الشائك، والكاميرات تلتقطهم، هي ليست بجديد، وسبقهم غيرهم، بالقول بأنهم سيعيدون لبنان إلى العصر الحجري. تلك هي الحركات البهلوانية، وأكد السيد حسن، أنه بالدليل والبرهان، أننا نستطيع أن نعيدكم – يقصد الصهاينة – إلى العصر الحجري. فإذا تطوّرت المعركة مع محور المقاومة، فلن يبقى شيء اسمه (إسرائيل) – الكيان الصهيوني – لأنّ كلّ هذه التهديدات لا تخيفنا في محور المقاومة، فلبنان أصبح اليوم، يتمتع بعناصر قوة أساسية قادرة على حمايته، وعلى ردع العدو، وعلى تحقيق الأمن والأمان في مواجهة العدو.
خلاصة القول عند السيد حسن، أنه إذا أخذنا كيان العدو عام 2006، سياسياً وعسكرياً وشعبياً وداخلياً واجتماعياً ومعنوياً، واليوم في 2023، هو أضعف مما كان عليه نتحدث بالنسبة. وإذا أخذنا المقاومة ومحور المقاومة في سنة 2006، واليوم في سنة 2023، هي أقوى بكثير مما كانت عليه، هذا ما يجب أن نبني عليه لمستقبل واقعنا ومنطقتنا وبلدنا.
والخلاصة، أنّ زوال «إسرائيل» حتمي، وهي «مسألة وقت»، ولنصبر…
وفي ضوء ما قاله السيد حسن نصرالله، فإنّ فكرة زوال الكيان الصهيوني من الإقليم، والمخطط له منذ وعد بلفور عام 1917، وبالدعم الشامل حتى الآن (2023)، هي فكرة مطروحة من أيام الزعيم جمال عبد الناصر، وتتكرّر على لسان السيد حسن، بوضوح أيضاً، وتردّدت على لسان الرئيس الراحل حافظ الأسد، والرئيس بشار الأسد، بشكل مباشر وغير مباشر. ومن ثم فإنّ إنهاء الوجود الشامل وتحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر، وتحرير بيت المقدس، مثلما حدث أيام صلاح الدين الأيوبي، في القرن الثاني عشر، يصبح واجباً حتمياً، لا مناص منه، ولا هروب. ولذلك فإنّ القول على لسان السيد نصرالله، إنها مسألة وقت، فهي مقولة حق، حيث بدأ العدّ التنازلي لإنهاء الوجود الأسطوري لكيان مصطنع، يفتقر إلى الشرعية السياسية وهي القبول الشعبي العربي. ومهما قام بعض الحكام العرب، بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنّ ذلك لا يخرج عن كونه «قبلة حياة» – منعدمة الأدب والأخلاق، حفاظاً على كراسيهم بضمان مساندة الغرب الاستعماري (أميركا وأوروبا).
والسؤال: هل تتسق مقولة السيد حسن نصر الله، مع العلم، في رؤيته بقرب زوال الكيان الصهيوني؟ نجيب بـ نعم، والتفاصيل في مقال مقبل بإذن الله…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس – مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى