نقاط على الحروف

موازنة 2024 وحساب بسيط

ناصر قنديل

يعرف الذين يتابعون الأوضاع المالية أن مفتاح خروج لبنان من الأزمة التي يقع تحتها، يتمثل بتأمين الفصل بين تمويل الدولة ونفقاتها عن مصرف لبنان وإدارته للسوق النقدية، حيث تكفّ الدولة عن مطالبة مصرف لبنان بتغطية نفقاتها من الليرات اللبنانية عبر طباعة المزيد من الأوراق المالية، وتغطية نفقاتها من العملات الأجنبية عبر شراء الدولار من سوق الصرف. والنتيجة في الحالتين مزيد من الضغط على سعر العملة الوطنية وقدرتها الشرائية، وبقاء لبنان في الحلقة المفرغة، مزيد من الانهيار في سعر الصرف، وثم تصحيح أجور وزيادة نفقات، وطباعة ليرات وشراء دولارات ويليه انهيار جديد في سعر الصرف. ونقطة البداية هنا هي كسر هذه الحلقة المفرغة.
إذا ترك مصرف لبنان مع إدارته الجديدة، يتعامل مع سوق الصرف بمعايير الحاجة المباشرة للعبة النقدية، فهو قادر على ضمان استقرار سعر الصرف ومراكمة مزيد من الاحتياطات من العملات الصعبة، ذلك أن تدفقات العملات الصعبة على السوق بفعل التحويلات الاغترابية وعائدات التصدير والسياحة كافية لتأمين استقرار ميزان المدفوعات، وتحقيق فائض يعزّز احتياطات مصرف لبنان، ومصدر القلق الوحيد هو الضغط الذي قد يفرض على مصرف لبنان تأمين تمويل إنفاق الدولة، سواء بالليرات اللبنانية عبر زيادة كتلة الليرات المتداولة في الأسواق، أو بالدولار عبر شراء الدولارات من السوق، وبالتالي العودة إلى مسار الانهيار المفتوح.
السؤال هو هل يمكن للدولة تغطية نفقاتها من عائداتها، دون اللجوء الى مصرف لبنان لضخ ليرات إضافية تزيد التضخم وتزيد معه الضغط على السوق، ودون اللجوء لطلب تأمين موازنات العملة الصعبة للدولة ووزاراتها من خلال شراء الدولارات من سوق الصرف؟ وعن هذا السؤال هناك حاجة للتذكير بأن مشكلة الدولة ليست بغياب مصادر الموارد، بل بالفوضى المالية، وترهّل المؤسسات وفساد مواقع الإدارة العليا والوسيطة، حيث يتمّ تحديد المتوجبات المالية على المكلفين، ولا حاجة للحديث عن الأملاك البحرية، أو التهرّب الضريبي، أو التهرب الجمركي. ويكفي ما كشفه وزير الاتصالات عن وجود 65% من المؤسسات التجارية غير مسجلة في قوائم الضريبة على القيمة المضافة و60% منها غير مسجلة في قوائم ضريبة الدخل.
في ظرف استثنائي مثل الظرف الذي يعيشه لبنان، هناك حاجة لإجراءات استثنائية، بسيطة، وقابلة للتطبيق. والمدخل هنا هو الذهاب الى المكان الواضح للدخل والحركة التجارية، وبالتالي الاستهلاكية، التي تبنى عليها عملياً أبرز عائدات الدولة، الضريبة على القيمة المضافة والجمارك وضريبة الدخل، وهو الاستيراد، ووفقاً للأرقام المتداولة من مصرف لبنان والمصارف فإن فاتورة الاستيراد عادت الى 20 مليار دولار سنوياً تقريباً، والسؤال الذي يجب طرحه بقوة وتكرار طرحه، لماذا لا يتمّ تعليق العمل بالطريقة التقليدية لاستيفاء الرسوم والضرائب لمدة ثلاث سنوات، واستبدالها برسم مقطوع يتمّ وضعه بديلاً عن ثلاث ضرائب لا يتم استيفاؤها، أو يتم إخضاع استيفائها للتلاعب والتهرب والاستنساب، وهي الضريبة على القيمة المضافة والجمارك وضريبة الدخل؟ فلنفترض مثلاً أن قانون الموازنة قال إنه تعتبر البضائع المستوردة معفاة من رسوم الجمارك والضريبة على القيمة المضافة والتصريح عن ضريبة الدخل، لقاء تسديد رسم مقطوع يوازي بعملة الاستيراد نسبة 15%، من قيمة فاتورة الاستيراد وفقاً للاعتماد المستندي المفتوح لكل عملية استيراد، بدلاً من مجموع قد يصل إلى 25% من قيمة هذه الفواتير، وفقاً للطريقة التقليدية في احتساب الضرائب والرسوم، لكن شرط أن تُسدّد بموجب اعتماد مستندي موازٍ يفتح لحساب خزينة الدولة، ويسدد بطريقة سداد الاعتماد الأصلي ذاته.
هذه الصيغة تضمن تحقيق دخل مؤكد بقيمة ثلاثة مليارات دولار لحساب الخزينة، وهو ما يزيد عن حجم النفقات المقدّر في أرقام الموازنة، ويمكن بالتوازي السير بتفعيل وإصلاح أطر النظام الضريبي وآليات تحصيل حقوق الدولة والخزينة، من مصادر متعدّدة ضمن خطة لثلاث سنوات يعمل خلالها بهذا النظام المؤقت.
طبعاً هذه الآلية تضمن عدم استثناء أحد او بضاعة او مستورد كلياً أو جزئياً، وربما لهذا السبب لن يؤخذ بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى