أولى

ظاهرة «الانقلابات العسكرية» في أفريقيا وتداعياتها…

‭}‬ د. جمال زهران*
على مدار ثلاث سنوات (21، 22، 2023)، تفجّرت أربعة انقلابات عسكرية في القارة الأفريقية. خلال عام 2021، كان الانقلاب في مالي، وفي العام التالي (2022) تحرك الانقلاب الثاني في بوركينا فاسو، وهذا العام 2023 وقع انقلابان، بينهما عدة أسابيع، في النيجر (يوليو/ تموز)، وفي الغابون (أغسطس/ آب). وهذه الدول الأربع تقع في وسط أفريقيا، والثلاثة الأولى (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، متجاورة جغرافياً وهي جزء من دول الساحل، وهي الواقعة جنوب الصحراء لدول شمال أفريقيا العربية. بينما الدولة الرابعة (الغابون)، لا تقع بعيداً عنها كثيراً، ويفصل بينها الكاميرون، ونيجيريا. ومن ثم فإنّ القراءة الجيوستراتيجية، تشير إلى أنّ أفريقيا قد دخلت حزام الانقلابات العسكرية، وأنّ هناك انقلابات عديدة في الطريق، بما يمكن أن يُسمّى «عدوى الانقلابات»، مثل «عدوى الثورات».
ولنتذكّر مرحلة الثورات العربية منذ أن تفجّرت الأولى في تونس في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2010، ثم تداعت في مصر (25 يناير/ كانون الثاني 2011)، ثم تحرّكت بعوامل خارجية لتصفية المواقف الثورية في ليبيا – واليمن، والتي تحوّلت فيها الأوضاع إلى حروب أهلية. إلا أنّ أحداث سورية كانت تستهدف التفكيك والإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، ولكنها فشلت، واستعادت سورية مقعدها في الجامعة العربية في 19 مايو/ أيار 2023، بعد قطيعة وتجميد (12) سنة!
ثم تحركت موجة ثانية للثورات العربية الملونة في لبنان، ثم الجزائر، ثم العراق، ثم السودان، استهدفت، بتمويلات خارجية استعمارية، إسقاط النظم الحاكمة، ولعلّ العوامل الداخلية لها وزنها في تحريك الغضب الشعبي في هذه البلدان الأربعة. إلا أنّ الواقع يشير إلى أن هذه البلدان قد تأثرت سلبياً بهذه التحركات الغاضبة. وربما الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تفلت من هذه المصيدة هي دولة الجزائر، حيث استطاعت القوى السياسية إعادة ترتيب الأوضاع، وخرج بوتفليقة، لتُجرى انتخابات، وتأتي بأحد الرموز المعتدلة وهو الرئيس عبد المجيد تبون، مع محاولة إزاحة غالبية رموز النظام السابق ومحاكمتهم إلخ… بينما السودان دخل حالة عدم الاستقرار والاحتراب الداخلي بين فصيلين عسكريين (الجيش الرسمي، وقوات الدعم السريع)، وبفعل الدعومات الخارجية ربما تظلّ حالة السودان عائمة إلى حين، للأسف! أما لبنان والعراق، فلا يزالان في حالة عدم استقرار وبدون حسم، بفعل توازن القوى الداخلية والإقليمية.
ولعلّ الموجة الجديدة من الانقلابات العسكرية في أفريقيا، التي بلغت (4) انقلابات خلال (3) سنوات، قد يكون لها من التداعي على المنطقة العربية، بحكم الجوار الجغرافي وتشابه الظروف.
وتتجمّع الانقلابات الأربعة حول بيئة داخلية متشابهة، من حيث نظم الحكم الطاغية والديكتاتوريات، والوراثة، وآخرها الغابون، حيث إنّ الأب هو عمر بونغو استمر في الحكم 42 سنة في الفترة (1967 – 2009)، ثم الابن استمرّ 14 سنة في الفترة من (2009 – 2023)، وترشح لفترة ثالثة وسط حالة القهر والتسلط وتزوير الانتخابات والادعاء بوجود منافسة، بينما المنافسة منعدمة، وشكلية، لاستمرار وجود (علي عمر بونغو)، إلا أنه عشية إعلان نتيجة الانتخابات، تحرك الحرس الجمهوري، ليطيح بالرئيس الذي يصرّ على الاستمرار في الحكم، رغم إرادة الشعب وبتزوير الانتخابات، واستمرار النهب والسرقة والفساد، والتبعية لفرنسا، وتمكينها من نهب موارد البلاد، مقابل العمولات للأسرة الحاكمة وأصحاب النفوذ والهيمنة ومراكز القوى في الغابون! وهي الحالة ذاتها في الدول الثلاث التي سبقت انقلاب الغابون.
حيث الإصرار على الاستمرار في الحكم وانتهاك الدستور، ونهب البلاد! وتزوير إرادة الشعب، وتسلط أجهزة الدولة العميقة المساندة للرئيس الطاغية المهيمن على الشعب بأدوات القوة، بالحبس، والسجن، والاعتقالات لكلّ أصحاب الرأي والمعارضين!
كما أنّ الملاحظة الثانية هي أنّ هذه الانقلابات الأربعة، تلاقت في هدف واحد، أنهم ضدّ النفوذ الفرنسي، والمطالبة برحيل السفير الفرنسي، وإلغاء الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية وغيرها، وإنهاء الوجود العسكري الفرنسي في هذه البلدان. ومن ثم فإنّ هذه الانقلابات الأربعة تعتبر ضربة عسكرية قوية ضدّ النفوذ الفرنسي، ومن ثم سوف تتفكك منظمة (الفرنكوفونية)، التي تضمّ 14 دولة أفريقية تتحدث باللغة الفرنسية، في مقابل منظمة الانجلوفونية، والتي تضمّ الدول الأفريقية الناطقة باللغة الانجليزية، وكانت تحت سيطرة – ولا تزال – الدولة البريطانية!
ولنتذكر في هذا الصدد، مؤتمر برلين، منذ مئة عام، حيث اجتمعت الدول الأوروبية الكبرى، لتقسيم أفريقيا إلى مناطق نفوذ استعماري، بموجبها تمّ احتلال أفريقيا ونهب مواردها، التي تحتاج لإعادة تقييم والمطالبة باسترداد حقوق الشعوب الأفريقية، من الآن فصاعداً.
ولذلك قسمت أفريقيا بين بريطانيا وفرنسا، وإيطاليا، وبلجيكا، واسبانيا، والبرتغال، وغيرهم.
وفي إطار موجة الاستقلال الأولى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945، فإنّ ما تمخّض عن هذه المرحلة، خروج الاستعمار من الأبواب، والعودة من الشبابيك، كما قال رائد التحرير في أفريقيا، الزعيم جمال عبد الناصر. أيّ أنّ النهب الاستعماري قد استمرّ، واستمرّت التبعية للمستعمر القديم، وتمّت عملية اختيار حكام عملاء يحافظون على مصالح المستعمر، وتستمرّ عمليات النهب الاستعماري.
ومن هنا وُجد الحكام الطغاة، والديكتاتوريات في أبشع صورها في غالبية دول أفريقيا، ونظم عميلة، حفاظاً على مصالحها ومصالح أسرهم وعائلاتهم. وقد تعاون المستعمر مع الحكام الطغاة على محاصرة الشعوب، والصمت على جرائم الحكام بانتهاكهم حقوق الإنسان في هذه البلدان، بل أصبحت ورقة في يد المستعمرين، لتخويف الحكام، لضمان خضوعهم لإرادة المستعمر، وتنفيذ رغباته وأهدافه، ومصادرة إرادة الشعوب، حتى تحوّلوا إلى بشر صامتين!
ومن ثم فلم يكن هناك من فصيل، يمكن أن يتحرك ضدّ طرفي المعادلة وهما: الحكام الطغاة، والمستعمر، إلا الجيش! والملاحظ في الانقلابات الأربعة أنّ الحرس الجمهوري، وهو المكلف بحماية الرئيس الحاكم، يثور عليه وينقلب ويقوم بعزله والسيطرة على الحكم وإعلان معاداته للاستعمار الفرنسي في حالة الانقلابات محلّ التحليل.
وهنا فإنّ التحدي أمام هذه الانقلابات، أن تتبنّى تطلعات الشعوب في مرحلة استقلال حقيقي، يضمن لها الحفاظ على مواردها وتحسين أحوالها والنهوض بالبلاد، ورسم الطريق أمام مستقبل ديموقراطي يحمي مكاسب الشعب.
بعبارة أخرى وختامية، إنّ نجاح هذه الانقلابات، يرتبط، بتبنّي أجندة الشعوب في أفريقيا، والمؤكد أنّ ذلك سيحدث، وانقلابات أخرى في الطريق.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس – مصر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى