تطبيع العلاقات السورية ـ التركية إلى الأمام؟
} د. ميادة ابراهيم رزوق*
أعلن وزير الدفاع التركي، يشار غولر، وفق صحيفة «ستار» التركية يوم الجمعة الماضي أنّ أنقرة مستعدة لاستئناف المفاوضات بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وسورية وإيران.
سبق هذا الإعلان بأسبوع اجتماع وزراء الخارجية الإيراني والروسي والتركي، حسين أمير عبد اللهيان، سيرغي لافروف، هاكان فيدان، مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسورية غيربيدرسون على هامش الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في إطار عملية أستانا التي انطلقت عام 2017 بمبادرة من إيران وروسيا وتركيا، لمناقشة آخر التطورات في سورية، والمشكلات الاقتصادية والعقوبات الغربية والإرهاب، بالإضافة إلى مسؤولية المجتمع الدولي في تخفيف معاناة الشعب السوري من جراء العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على البلاد والتي تنتهك القانون الدولي والإنساني وميثاق الأمم المتحدة، وحث الأمم المتحدة على التفكير في وضع خطة وتقديم دعم مالي لإنشاء البنية التحتية اللازمة لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، مع اقتراح حلول لتقليل سوء الفهم وتسوية المشكلات الحدودية بين سورية وتركيا، ليليها يوم الخميس الماضي تصريح غيربيدرسون خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الوضع في سورية، رغبة الأطراف السورية بعودة استئناف أعمال واجتماعات اللجنة الدستورية بدعم من ممثلي دول صيغة أستانا، ومجموعة الاتصال العربية، والعواصم الغربية، علماً أنّ آخر اجتماع للجنة الدستورية عقد في أيار/ مايو عام 2022، وانتهى دون أيّ نتائج تقريبأ، مع تحديد موعد الاجتماع التالي في كانون الثاني/ يناير، ولكنه لم يعقد.
فهل هذا يعني إعادة دفع عجلة مسار التسوية وتطبيع العلاقات السورية التركية التي تعطلت بسبب رفض تركيا الشرط السوري لعقد قمة رئاسية تجمع الرئيس السوري بشار الأسد بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمتمثل بالانسحاب التركي من سورية؟
بعد تطورات الحرب الأوكرانية وتداعياتها السلبية على الدول الأوروبية حدثت مجموعة من التغيّرات في المواقف الدولية، وخاصة بعد أن أنهى الرئيس الصيني شي جين بينغ ترتيب بيته الداخلي نحو لعب أدوار إقليمية ودولية نذكر بعضاً منها:
ـ لم يعد اهتمام الصين مؤخراً منصبّاً على الجانب الاقتصادي، بل بدأت تتدخل لحلّ الأزمات في المنطقة لحماية مصالحها، وتوسيع نفوذها، وخاصة بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، التي حظيت باهتمام وترحيب دول منطقة غرب آسيا، فوجدت فيها الطريق الذي يمكّنها من تعزيز مكانتها التجارية عالمياً وتحقيق التنمية فيها، ونظراً إلى المكاسب التي تجنيها هذه البلدان من مبادرة «الحزام والطريق»، انضمّت إليها أغلب دول المنطقة، وأخذت تعمل على مواءمة استراتيجياتها وخططها الوطنية التنموية لتتوافق مع رؤى المبادرة وأهدافها واستراتيجياتها، ومن ذلك مثلاً رؤية محمد بن سلمان 2030 في السعودية، ورؤية عُمان 2040، ورؤية مصر 2030، ورؤية الكويت 2035.
ـ الاتفاق الإيراني – السعودي برعاية وشراكة صينية في 10 آذار/ مارس 2023 والذي كان بمثابة صفعة للولايات المتحدة الأميركية.
ـ مبادرة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي لخطوات عودة العلاقات السورية التركية لمناقشتها في الجلسة الرباعية المقبلة، بعد سلسلة زيارات واتصالات إيرانية مع سورية وتركيا وروسيا، بتعهّد تركيا بإخراج قواتها العسكرية من سورية، وتعهّد سورية بوضع قواتها على الحدود لمنع ايّ تعرّض للأراضي التركية، بضمانة روسية إيرانية للطرفين.
ـ الزيارة التاريخية للرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته مع وفد سياسي واقتصادي وإعلامي لجمهورية الصين الشعبية، والحفاوة التي تمّت فيها مراسم الاستقبال الفوق بروتكولية، وتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، لتكون سورية هي الدولة الخامسة من بعد روسيا وبيلاروسيا وباكستان وفنزويلا توقع مع العملاق الاقتصادي هذا النوع من الاتفاقيات.
ـ إعلان شيخ قبيلة العقيدات إبراهيم الهفل، إطلاق عملية عسكرية ضدّ ميليشيات “قسد” الإرهابية الانفصالية يوم الاثنين 25 أيلول/ سبتمبر، داعياً إلى النفير العام ومساندة قوات العشائر “لاسترجاع الأرض والكرامة”، بما قد يشير إلى عزم العشائر العربية طرد «قسد» لمصلحة قوى أستانة (روسيا، إيران، تركيا) التي تريد أن تدفع المصالحة السورية التركية قدماً، والتي تشكل بسيطرتها على جزء من الجغرافية السورية أحد العوائق لتلك المصالحة.
ـ تصريح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مقابلة مع مراسلة «سي أن أن» بيكي أندرسون، منذ عدة أيام، «بعدم حاجة العراق اليوم إلى قوات قتالية سواء كانت من الولايات المتحدة أو من باقي دول التحالف الدولي، وبأنّ القوات الأمنية العراقية وصلت إلى مرحلة متقدّمة من الجاهزية والإمكانية والمقدرة على المحافظة على استقرار الأمن وتعقب خلايا داعش التي تمثل مجاميع تطارد في الصحاري والجبال والكهوف وليس لها أيّ مكان ولا تهدّد كيان الدولة».
ـ اقرار المجلس التشريعي في كوريا الشمالية في 28 أيلول/ سبتمبر، قانوناً جديداً يكرّس في الدستور سياسة دائمة لبناء القوة النووية، وذلك بعد عام على إعلان امتلاك البلاد سلاحاً نووياً وقائياً.
ـ لقاء مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ دانييل جيه كريتنبرينك ونائب وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية للشؤون الآسيوية، سون ويدونغ في واشنطن يوم الخميس الماضي وإجراء “مشاورات حول قضايا إقليمية للحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة، وإدارة العلاقة بين الدولتين لتجنّب سوء التقدير والصراع، أو الانزلاق إلى مواجهة، رغم حجم الخلافات العميقة».
وهي تطورات تنبئ بحجم تراجع النفوذ الأميركي في الإقليم، مع تقديرات أن تكون دافعاً وفق تفاهمات لخروجه من سورية والعراق بماء وجهه، وخاصة بعد تقرير لافت لمجلة “فورين أفيرز” الأميركية منذ بضعة أيام بعنوان “القوة العظمى المعطلة” والذي تساءلت فيه ما إذا يمكن لأميركا المنقسمة ذات القيادة السياسية الممزقة أن تردع الصين وروسيا، وتواجه أربعة خصوم متحالفين في نفس الوقت وهم “روسيا، الصين، كوريا الشمالية، إيران”، في ظلّ خلافات حادة بين الكتلتين الجمهورية والديمقراطية في البيت الأبيض والكونغرس، والفشل في صياغة استراتيجية طويلة الأجل لضمان انتصارها على نطاق واسع، هذا ما انعكس تراجعاً في مستوى الاستجابة للتحديات، وبالتالي تراجع في الردع.
وبذات الإطار أكدت في شهر حزيران/ يونيو الماضي مجلة Responsible statecraft الالكترونية الأميركية التابعة لمعهد “كوينسي للدراسات الأميركي” أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تنجح في مساعيها لبناء تحالف عالمي واسع لدعم أوكرانيا، مشيرة إلى أنّ التراجع الأميركي يجعلنا نتجه إلى عالم بلا هيمنة، بعد أن أثبتت واشنطن قدرتها على إحداث دمار هائل في سلسلة طويلة من الحروب في كوريا وفيتنام في النصف الأخير من القرن الـ20، إلى العراق وأفغانستان في القرن الـ21، لكنها لم تفكّر بأكثر من انتصارات مكلفة، حيث لم تشمل الكلفة الأرواح فحسب، بل أيضا تآكل الثقة في الداخل والخارج.
وفي الخلاصة شهد هذا العام عدداً كبيراً من التغيّرات أبرزها: تحوّل الصين من قوة اقتصادية عظمى إلى قوة سياسية خارجية كبرى مؤثرة أيّ من عملاق اقتصادي إلى شريك سياسي وعسكري في الأزمات الدولية، وتحديداً الأزمة السورية، وما شهدناه من تحالف “سوري – إيراني – روسي – صيني” في وجه حلف صهيوأميركي غربي عربي بدأ يتداعى، مع تفاقم حجم أزمات الاقتصاد الأمريكي، والخلافات بين كتلتي الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ، وضمن ذات الحزب.
فهل التقطت تركيا الفرصة بعد الخذلان الأوروبي لها لتكون جزءاً من تفاهمات وتسويات الإقليم وجزءاً من مشاريعه المتكاملة مع مشروع الحزام والطريق الصيني نحو تكريس نظرية البحار الخمسة التي طرحها الرئيس السوري بشار الأسد؟
*باحثة وأكاديمية سورية
[email protected]