أولى

الهجرة الثانية… بعض ما يفكر به العدو!

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
في صباح السبت الماضي وفي وقت مبكر انطلق الهجوم براً وبحراً وجواً وأنفاقاً من غزة إلى شمالها لمهاجمة مواقع الاحتلال العسكرية المحصّنة ومستوطناته أيضاً ذات الطابع العسكري المحصن ليسقطها خلال فتره لم يكن أحد يتصوّر ولو في خيالاته الجامحة أن تحصل وتسقط معها أساطير عشّشت في العقل المهزوم لبعض منها الذي افترض أنّ هذا الكيان وجيشه الذي يُعتبر، او يعتبرونه الجيش الرابع في العالم والذي لا يُقهر، فإذا به يُقهر ويذلّ أمام بضع مئات من رجال ميليشيا تنتمي الى جماعة سياسية لا الى دولة وجيش نظامي.
أخذت الدهشة والصدمة حكومة الاحتلال وجيشه وأجهزته الأمنية، ومعها محور التطبيع المراهن عليها والمتحالف معها والذي ابتلع لسانه في العلن، ولكن في السرّ كان له شأن آخر مطالباً بانسحاب أبطال المقاومة من (أراضي الغير التي حرّروها) وبإطلاق سراح الأسرى من المستوطنين ومن جنود جيش الاحتلال المساكين الأبرياء! بالطبع من هؤلاء فرنسا وانجلترا وقبلهم الولايات المتحدة ومن بعدهم عالم الغرب بقضه وقضيضه، باعتبار انّ دولة الاحتلال هي امتداد لغربهم وأداة من أدواتهم.
تجاوز عدد قتلى العدو حتى كتابة هذا المقال ما يقارب 1000 قتيل، وهو بالطبع رقم مرشح للارتفاع فيما تجاوز عدد جرحاهم الآلاف. هذا الأمر الذي لم يعتادوا عليه، ففي كلّ يوم يرتقي على أرض الضفة شهيدان أو أكثر، وعلى أرض غزة كذلك وذلك بدم بارد وهي أعداد وأرقام لا قيمة لها لدى هذا العالم المنافق، ولكن في هذه المرة يرون انّ الدم المسفوك هو دم أزرق لا يتساوى مع الدم الأحمر القاني الذي يُسفك في كلّ يوم. هذا إضافة الى أعداد كبيرة من الأسرى الذين يتباكى العالم على سلبهم حريتهم فيما يرى أنّ ألوف الفلسطينيين الأسرى في سجون الاحتلال إرهابيون ينالون عقابهم.
في وقت كتابة هذا المقال في مساء الاثنين يكون قد مضى على الهجوم قرابة 80 ساعة واستعاد العدو شيئاً من تماسكه واستكمل استدعاء احتياطه استعداداً للردّ ولتبدأ الحرب الحقيقية مستعملاً أقصى ما لديه من قوة تدميرية وصواريخ وطائرات حربية ومُسيّرة ومدفعية ثقيلة وحشد ثلاثمئة وخمسين ألف عسكري ليستعملها في طريقه للقتل الممنهج وصولاً الى الإبادة الجماعيّة لاثنين مليون ونصف مليون فلسطيني بين شيخ وطفل وامرأة ورجل من المدنيين فيما لا يصل عدد العسكريين منهم الى عشرة آلاف، وسط تأييد غربي وصمت عربي، إلا من الشريك المقاوم في لبنان والذي بدأ تحرّكه.
في تصريحات أدلى بها بنيامين نتنياهو الاثنين أثناء استقباله لممثلين عن المستوطنين، قال فيها: أريد أن أغيّر شكل الشرق الأوسط، وانّ على سكان غزة الرحيل عنها، دون أن يحدّد الوجهة التي يرى انّ عليهم الرحيل إليها. وإذا كان المقطع الأول في تصريحه يحتمل المبالغة، فلو كان يستطيع أن يغيّر شكل الشرق الأوسط لفعل ذلك دون انتظار هذا الهجوم، ولكن المقطع الثاني هو ما يجب التوقف عنده، فإلى أين يريد بنيامين نتنياهو من أهل غزة أن يذهبوا؟ هل إلى بيوتهم في عسقلان وحمامه ويافا وحيفا؟ بالطبع لا، وبالتالي فإنّ وجهتهم الوحيدة التي يريدهم أن يرحلوا (في هجرة ثانية) تكون هي في أعماق صحراء سيناء التي لا تتصل بغزة، فالمناطق المجاورة لقطاع غزة من سيناء كانت مصر قد دمّرتها للقضاء على ظاهرة الأنفاق في حينه ثم لمنع التواصل بين سيناء وغزة.
في سنوات حسني مبارك الأخيرة أطلق الجنرال الإسرائيلي خطته لحلّ الصراع وكان عمودها الفقري بأن تقوم دولة فلسطينية في غزة الكبرى التي ستحصل على 1200 الى 1600 كيلومتر مربع من صحراء سيناء، وعلى أن تكون عودة اللاجئين هو إلى الدولة الفلسطينية هذه، لا الى فلسطين حيث بيوتهم ومدنهم وقراهم التي هجّروا منها، وقيل حينها إنّ الخطة لاقت قبولاً أولياً من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مقابل تبادل ما للأراضي ومساعدات مالية ثم مجموعة مطالب شخصيّة وأسريّة له…!
إنّ ما يثير القلق هو في المقطع الثاني من تصريح نتنياهو الاثنين، وهو ما يستدعي القلق ثم الحذر أن يكون جزءاً من أهداف نتنياهو في غزة هو تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء مستلهماً خطة الجنرال ايغورا إيلاند.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى