أولى

يصدق نتنياهو بعض الأحيان…!

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
في حين تحتدم المعارك البرية في غزة ويبدي الإسرائيلي استعجالاً بالحسم يتجلى بالعنف الذي يستهدف المدنيين وبثمن إنساني فادح دون تحقيق أيّ إنجاز عسكري، فيما ترى القوه الغربية الداعمة (لإسرائيل) في ما يجري حقاً لهذه الدولة في الدفاع عن نفسها، ولو بارتكاب كلّ المحرمات القانونية والأخلاقية، لكنها تتمنى عليها ان تقلل من استهداف المدنيين لا بالتوقف عن استهدافهم.
هكذا فشلت الجهود والضغوط الناعمة لوزير الخارجية الأميركي الذي يحضر للمرة الثالثة خلال شهر في إقناع الحكومة (الإسرائيلية) بتخفيض استهداف المدنيين أو بهدنة قصيرة تحمل تحت عنوان إنساني – ولو كان زائفاً، وكان جواب وزير دفاعها غالانت حاسماً حين قال الوزير الأميركي إنّ العنف المستخدم أقلّ بكثير مما اقترحه ونصح به العسكريون الأميركان الذين أوجدتهم واشنطن لإبداء النصح والمشورة في حرب غزة، وذلك لخبراتهم المتراكمة والطويلة في قتل العراقيين والأفغان وتدمير مدنهم، وأضاف: سنقضي على قادة حماس ونقيم نظاماً أمنياً في غزة يسمح لنا بحرية العمل العسكري بشكل مستدام.
أصحاب القرار في تل أبيب يرون في حرب تشرين الثانية أنها حرب الاستقلال الثانية، وأنها حرب وجودية، ومع أن رئيس الحكومة نتنياهو قد أخذ يتواضع في أهدافه، فبدل الحديث عن اجتثاث المقاومة وسحقها، أصبح الهدف هو في قتل قائد حماس في غزة الشيخ يحيى السنوار، بالطبع دون التخلي عن الهدف الاستراتيجي القاضي بدفع سكان غزة لتجميعهم في القاطع الجنوبي من القطاع ثم جعل حياتهم هناك جحيماً لا يُطاق من الناحية الإنسانية الحياتية الأمر الذي سوف يدفعهم تحت ضغط معاناتهم للرحيل الى سيناء ومنها الى بلاد الله الواسعة.
صاحب القرار في تل أبيب لا يلقي بالاً للرأي العام العالمي او للقانون الدولي وللتصريحات البالغة الصدق والأمانة لأمين عام الأمم المتحدة الذي يرى في ما يجري مجزره أطفال. صاحب القرار في تل أبيب لا يرى المتظاهرين في كلّ مدن العالم بما فيها حيفا والقدس وتل أبيب حيث إنّ الدفاع عن الوجود برأيه في هذه الحرب له الأولوية عن ما عداه.
مع تجاوز الحرب أسبوعها الخامس أخذ الوقت ينفد والتفويض الدولي بارتكاب المجازر قد أخذ فرصته دون تحقيق نتائج تؤدي الى استعاده الردع او تحرير الرهائن او الى ايّ انتصار ولو بالشكل أمام جمهورهم، وأصبحت الأصوات تعلو في كثير من الأماكن تطالب بوقف هذه المجزرة دون أن تجد آذاناً صاغية في تل أبيب، وحسب ما أوردته صحيفه «جيروزالم بوست» الصادرة في القدس أنّ الكراهية لليهود في العالم قد ارتفعت لتصل الى 1200% فيما ترى صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ جيل الشباب في الولايات المتحدة (الناخبين القادمين) في الانتخابات الرئاسية القريبة، قد أصبحوا ضدّ هذه الحرب ويدينون المجازر المرتكبة والسلوك (الإسرائيلي) الدموي، وذلك أكثر من جيلي متوسطي العمر والعجائز، وأوردت صحف أخرى انّ وزارة الخارجية الأميركية لم تشهد في تاريخها فوضى كالتي تحدث اليوم، اذ لا يتفق معظم كوادرها وموظفيها مع سياسات الوزير.
مع غبار الحرب وبارودها يقول نتنياهو صادقاً إنّ تبعات الحرب على غزة ستكون كارثية لا على (إسرائيل) فقط وإنما على عدد من الدول في حال لحقت الهزيمة (بإسرائيل)، وخلال استقباله للدبلوماسيين الغربيين يوم الاثنين الماضي عاد وقال إن لا مجال إلا الانتصار ولكن عليكم معرفة أننا نخوض هذه الحرب بالنيابة عنكم.
ما يقوله نتنياهو يذهب بنا نحو البدايات، حلفاء «إسرائيل» الذين أجروا أولى العمليات الجراحية في جسد أمتنا عندما اتفق على تقطيع الهلال السوري الخصيب في اتفاقية سايكس – بيكو، وانجلترا صاحبة وعد بلفور والتي حرصت على تنفيذه وتمكين اليهود من الانتصار وإقامته كيانهم. وألمانيا التي يتبرّع قائد سلاح جوها بالدم لجيش الاحتلال هي من خلق المشكلة اليهودية وجعلها عالمية، والتي يتمّ تدفيعنا أثمانها. أما الولايات المتحدة التي تسلمت قياده الغرب وملف رعاية (إسرائيل)، فقد وجدت التماثل بين تجربة الآباء المؤسسين لديها ولدى (إسرائيل)، فكلاهما رحل وهاجر، رحل نتيجة الاضطهاد الديني الى بلاد خالية من السكان ولا يملكها أحد فجففوا مستنقعاتها واقتلعوا أشواكها واصطادوا حيواناتها الضارية وجعلوها عصرية وديمقراطية، وإنْ صادفوا في طريقهم قليلاً من البرابرة، هنود حمر أو فلسطينيين، فقد اضطروا الى قتلهم او الى تهجيرهم او الى وضعهم في معازل، هؤلاء وبحكم تاريخهم هم أطراف مؤذية وشريكة في الجريمة ومعهم نتائجهم من الكيانات المصطنعة التي صنعت بعد مرحلة سايكس – بيكو. ولا يزال الفريق الغربي منهم يتصرف بعقلية العبودية والاستغلال وكأنهم شركات تجارية استغلالية لا دول، فيما يتصرف المصنوع من قبلهم بطاعة وإذعان لما يريدون.
أيام قاسية ستشهدها غزة وربما الضفة الغربية ومناطق 48 وغيرها على طول الإقليم قبل يوم السبت موعد عقد القمة العربية، وهل صمود المقاومة في غزة قادر على إقناع هؤلاء بجدواها وبتهافت الركض وراء سراب السلام والوعود الغربية المجربة على مدى أكثر من قرن؟
*سياسي فسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى