أولى

هدنة إنسانية تليها عودة وحشية للحرب

‭}‬ سعادة مصطفى ارشيد
أبدت كل من الولايات المتحدة وقطر رغبة وجهداً لإنجاح عقد هدنة مؤقتة إنسانية على جبهة غزة، وبدت الدولتان أكثر حماسة لعقدها وإبرامها حتى من أطراف الحرب أي المقاومة والحكومة (الإسرائيلية). وفي حين يُبدي الغزيون خصوصاً، والفلسطينيون عموماً بغالبيتهم، دعمهم للمقاومة ويعلنون أنهم سائرون وراءها في قرارها الاستمرار بالحرب بغضّ النظر عن الأكلاف والخسائر، مما عزّز من موقعها في مفاوضات الهدنة (فالإسرائيلي) لم يترك لهم خياراً آخر، وتعامل مع الكل الفلسطيني من مدنيين وعسكريين من مقاومة وشعب بالطريقة والأسلوب اللئيمين نفسيهما. بالمقابل تتعرض الحكومة (الإسرائيلية) لضغوط شتى ومن أكثر من جانب، فكثير من رجال الدولة والجيش السابقين الذين لا زالوا فاعلين في المجتمع وعالم الاقتصاد والمال يرون في سياسات اليمين أنها ذاهبة بهم نحو مجهول غير مطمئن، ويرون أن ما جرى في السابع من تشرين الأول هو مسؤولية الحكومة والجيش الذي أهمل واجباته نحو مواطنيه وحماية الحدود. كما تتعرّض الحكومة (الإسرائيلية) لضغوط من أهالي الاسرى الذين يريدون استرداد ذويهم أحياء، وتتعرّض لضغط المستوطنين الذين فروا او تم إجلاؤهم من الجليل وغلاف غزة عقب اندلاع الحرب ويعيش معظمهم في خيام أو في مراكز إيواء.
حتى كتابة هذا المقال يبدو أن الهدنة ستحصل اليوم الخميس، قد تحدث بعض العراقيل التي تؤجلها لساعات أو أكثر لكن الجميع أصبحت له مصالح تتفاوت في حصول الهدنة، المقاومة تريد إدخال غذاء ودواء ووقود وإعادة تنظيم مسألة اللاجئين من شمال القطاع إلى جنوبه، وتريد الإفراج عن بعض المعتقلين في السجون (الإسرائيلية). والإسرائيلي يريد إعادة تموضعه العسكري وترتيب قطاعاته القتالية، ويريد أن يرتاح من بعض ضغوط الداخل في مسألة الأسرى وقد يرغب في تمديد الهدنة لأيام أخرى عساه يستطيع استرداد المزيد منهم، ثم ليبدأ الحرب من جديد دون ضغوط داخلية. قطر تقدّم خدمات للغرب باعتبارها متخصصة بالإسلام السياسي سواء في افغانستان او فلسطين، وتريد أن تثبت وتؤكد على دورها الإقليمي باعتبارها لاعباً مركزياً. مصر نريد أن تتخفف من ضغوط إغلاق المعابر التي اتهمت بها وأصبح نقطة ضعف للحكومة أمام شعبها، طالما أن الهدنة ستسمح بإدخال المساعدات. والغرب يتخفف من ضغوط المتظاهرين لديه وقد وصلت بعض المظاهرات في بعض الأحيان الى أرقام مليونية.
لن تحل الهدنة المشاكل التي بدأت في صبيحة السابع من تشرين الاول في المجتمع والسياسة في (إسرائيل)، فجميع المخارج أمامهم مغلقة بإحكام. هم لا يستطيعون الاستمرار بالحرب الى المدى الذي تبدي المقاومة قدرتها واستعدادها على المضي به، ولا تستطيع (إسرائيل) أيضاً ان تتوقف عند هذه المرحلة دون دفع أثمان باهظة، كما لا تستطيع التراجع وإعلان عجزها. فكل احتمال له مشاكل تفوق قدرة حكومة الاحتلال على احتماله. هذا في ما تتعالى أصوات رسمية من داخل الحكومة والبرلمان وصدرت على لسان بن غفير وسموتريتش وغيرهما تطالب بقطع رؤوس الفلسطينيين بدل عقد هدنة معهم.
الملاحظ عند من سعى من أجل هذه الهدنة وممن أيّدها في بلادنا أو من الغرب أن لا احد منهم تحدث عن وحشية الاحتلال وعن قتل آلاف الاطفال وعن حالات الهدم والتدمير والإبادة التي يمارسها الاحتلال والتي يجب أن تتوقف، والتي من الممكن أن تحققها الهدنة مثلاً، وإنما الحديث كل الحديث كان عن الأسرى الإسرائيليين الذين سيطلق سراحهم وعن عائلاتهم المكلومة باعتبارهم هم فقط من ينتمون إلى الإنسانية ويستحقون هذا الجهد ويجب أن ينعموا بالحرية والعيش الرغيد.
يبدو مما ورد من الأخبار المنشورة حول الهدنة وتفاصيلها أنها تقتصر على جبهة غزة ولا تشمل الجبهات المفتوحة الأخرى او الضفة الغربية التي يستبيحها جيش الاحتلال وقد قتل من شبابها ومقاوميها خلال فترة الحرب ما يزيد عن 200 شهيد كان آخرهم عند كتابة هذا المقال ستة مقاومين في مخيم طولكرم.
فهل ستكون هذه الهدنة القصيرة فرصة لحكومة الاحتلال للفتك بالضفة الغربية والقدس بمزيد من القوة والبطش الممارس؟ وهل ستدفع بمستوطنيها المسلحين العدوانيين لمهاجمة المدن والقرى الفلسطينية، ومحاولات جعل حياة الناس صعبة ودفعهم للهجرة، هذا احتمال تؤيده تقديرات الحكومة الأردنية التي بادرت مؤخراً بإرسال مستشفيات ميدانية ذات قدرات طبية وجراحية عالية.
هل ستكون هذه الهدنة القصيرة فرصة للاحتلال لتصعيد عسكريّ في مستوى عدوانه على سورية ورفع مستوى اشتباكه مع المقاومة اللبنانية، أو للقيام بمغامرات في البحر الأحمر مع اليمن الذي يبدي اندفاعاً وشجاعة للانخراط في المعركة او في مجالات أخرى؟
لم يعد أمام الهدنة إلا ساعات قليلة لنعرف مصيرها، ولكنها ستكون ساعات صعبة ضارية بشكل متبادل، ونموذجاً لمعارك ما بعد الهدنة.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى