مرويات قومية

مرويات قومية

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

‬ إعداد: لبيب ناصيف

الرفيق عاطف غطاس كرم: من مؤسسي أول مديرية للحزب في الجامعة الأميركية في بيروت

الحديث عن الحزب في منطقة جزين، يطول، كما عن العديد من الأمناء والرفقاء الذين انتموا فيها منذ اواسط ثلاثينات القرن الماضي واستمروا نضالاً وعطاءً، وكانت لهم وقفات عزّ، سقط فيها شهداء.
احد رفقائنا من جزين الذي قد لا يعرفه كثيرون ولم يسطع اسمه في سجل النضال الميداني، انما كان ساطعاً في الميدان التربوي والأدبي، وكان له حضوره المشع حتى وفاته: انه الرفيق عاطف كرم.
***
قبل ان نحكي عنه، نضيء بإيجاز على شقيقه الأديب المعروف أنطوان غطاس كرم، الذي وان لم ينتمِ كشقيقه الرفيق عاطف، انما كان صديقاً، يحترم سعاده والحزب ويرى انّ امتنا لا تنهض، وتتخلص من الأمراض التي تكبّل حيويتها الا باخذها النهضة القومية الاجتماعية.
في العدد 244 (تشرين الاول 2005) من مجلة “الجيش” نقرأ من إعداد وفيق غريزي، التالي:
أمضى القسط الأكبر من حياته الأدبية كطالب للأمثل، في جلاء مع نفسه، يكتب ثم يتجاوز ما كتبه او هو يكتب ويتريّث في نشر الكثير مما يكتب ريثما يوقن انّ الحياة قد أسلست لقلمه قيادها كما يشتهي، فتجسّدت في كلماته، وتمّ له من خلال تلك الكلمات ان يعانق الفنّ الأروع.
“آمن الايمان كله بأنّ الحياة هي الفنّ الأروع، حتى ليبدو ذلك الإيمان كله وكأنه المفتاح الأمثل الى دراسة شخصية هذا المبدع الشاعر الناقد وأعماله جميعاً، والى فهمها وتذوّقها. لقد اتخذ في مرهف حسّه، من كمال الحياة معياراً للروعة الفنية انّ في أدبه أو في آداب منقوديه فأقحم نفسه كناقد وكأديب وشاعر في المسلك الأعور”. انه أنطوان غطاس كرم.
ولد أنطوان غطاس كرم في 12 نيسان العام 1919 في جزين. حاز على شهادة الليسانس من الجامعة الأميركية في بيروت، عام 1945، ثم شهادة الماجيستير من الجامعة نفسها عام 1947، بعد ذلك انتقل الى جامعة السوربون في باريس، ونال شهادة دكتوراه دولة في الأدب عام 1959.
خلال هذه الفترة تولى مراكز تربوية عدة، منها: تسلّمه رئاسة الدائرة العربية من الانترناشونال كولدج في بيروت، من العام 1952 الى العام 1959، وعُيّن عميداً لكلية الآداب في الجامعة اللبنانية من العام 1960 حتى العام 1963، ثم أستاذاً زائراً في كلية كولومبيا في الولايات المتحدة من عام 1967 الى العام 1968، ثم رئيساً للقسم العربي في الجامعة الأميركية في بيروت من العام 1971 الى عام 1974، بعدها شغل منصب استاذ زائر في جامعة بركلي في الولايات المتحدة الأميركية من 1974 الى عام 1975، وحاز على جائزة الدولة اللبنانية في الأدب عام 1974،
كما عمل استاذاً لمادة الأدب والفكر في الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية والجامعة الأميركية اللبنانية. من مؤسسي “جمعية أصدقاء الكتاب”، وعضو في “المجلس الثقافي للبنان الجنوبي”، وحامل وسام الأرز من رتبة ضابط.
له العديد من الكتب النقدية والشعرية، وعدد من المؤلفات المترجمة لشعراء غربيين.
توفي في بيروت في 12 حزيران العام 1979، وهو في أوْج عطائه الفكري والادبي والشعري.
من أبرز أعماله، الرمزية والادب العربي الحديث، في الادب العربي الحديث والمعاصر، كتاب عبد الله، وابعاد.
***
من جهته كتب الأمين جبران جريج في مجلة الحزب “صباح الخير” بتاريخ 23/07/1983 النبذة والكلمة التاليتين عن الرفيق عاطف كرم تحت عنوان:
رحل عاطف كرم: الأديب والشاعر والمربي،
رحل عاطف كرم، النقيب السابق للمعلمين في لبنان والتربوي العريق في ميدان التعليم.
الانترناشونال كولدج، التي شهدت آخر عطاءاته وزعت هذه الكلمة في وداعه:
“بحزن وأسى عميق، نتشارك نحن والزملاء، والطلاب والأصدقاء في تلقي النبأ المؤسف لوفاة معلمنا البارز، عاطف غطاس كرم.
ولد في جزين، جنوب لبنان، في 27 شباط 1916، وكانت له دروسه الابتدائية والثانوية في بيروت، وفي 1939 نال بكالوريوس العلوم من الجامعة الأميركية. وأمضى بضع سنوات أستاذاً في الجامعة الوطنية في عاليه، وانتقل الى الجامعة الأميركية في بيروت استاذاً للرياضيات في البرنامج التحضيري، في تشرين الأول 1943. وفي 1956 نال الماجستير من الجامعة.
وما ان توظف في الانترناشونال كولدج، حتى عيّن عاطف كرم رئيساً لدائرة الرياضيات ورقي الى رتبة “ماستر”.
خلال مدة حياته هذه الطويلة والمميّزة، ساهم كرم في تطوير التعليم في الـ “أي. سي” وفي خارجها عامة. وخدم المهنة حين كان نقيباً للمعلمين في لبنان منتخباً للمنصب في 1961.
وكان كرم مثالاً في مقاسمة المعرفة والخبرة بين تلاميذه. ولا مشكلة حدثت، أكاديمية او سلوكية ذات اهمية. فآلاف من الفتيان والفتيات تأثرت بنهجه التعليمي، بجاذبيته الشخصية، بتدبيره، وحدبه المحب.
والى كونه أستاذاً محترفاً، انما ينتمي الى عائلة محترمة من العلماء، وكان أديباً كاتباً وشاعراً على الأخص.
وتقديراً واعترافاً بخدماته للبنان منحته الحكومة اللبنانية وسامين. وعائلة الانترناشونال كولدج تفقد به معلماً جليلاً ومحترماً”.
وداعاً يا عاطف
الأمين جبران جريج، الذي عرف عاطف كرم، رفيقاً قومياً اجتماعياً شارك في تأسيس اول مديرية للحزب السوري القومي الاجتماعي في الجامعة الأميركية كتب هذه الكلمة لـ “صباح الخير” تخليداً لذكراه.
عرفتك غير معرفة سائر الناس،
عرفتك في مراحل ثلاث من حياتك،
مرحلة الطالب الجامعي، مرحلة أستاذ الرياضيات، الشاعر،
مرحلة المواطن الواعي.
كان سبيلي إليك الشاعر فؤاد سليمان.
رويت لي، عن مرحلة الطالب الجامعي، انك ساهمت مع كريم طوبيا – جزين، وغابي ديب – القدس، في إنشاء اول مديرية للطلبة في الجامعة الأميركانية للحزب السوري القومي الاجتماعي وكان العمل سرياً سنة 1935 ثم تخرّجت سنة 1939، سنة انفجار الحرب العالمية الثانية.
أما في مرحلة أستاذ الرياضيات، الشاعر، في الجامعة الأميركانية مارست روحية العطاء مع تلامذتك، ووقفت نفسك على مهنة التعليم وبهذا الإخلاص انتخبت نقيباً لمهنية المعلمين.
لا يمكنني ان أنسى تلك اللقاءات الشعرية، نحن الثلاثة، فؤاد سليمان، عاطف كرم وجبران جريج، نتداول في الأدب في شتى ميادينه.
بقينا على هذه الحال حتى انفجرت الممارسات الدموية في الكيان اللبناني، فصرنا نلتقي، بين حين وآخر، في مدخل البناية التي تسكنها مع لفيف من المواطنين، نحلل الوضع فتذكرني باستشراف سعاده، الزعيم، عن هذه الأيام السيئة التي أوصلتنا اليها جهالة الشعب والإرادات الخارجية.
كنت تسألني بلهفة القلق على المصير، أين صرنا والى أين نتجه والى ما ستؤول الأوضاع الراهنة.
كنت دائماً موضوعياً يتحكم فيك وعيك القومي الاجتماعي حتى في أحلك الظروف فلا تيأس.
كنت المواطن الواعي لكلّ ما يحيط بنا من أخطار.
كنت ترى اننا ننحدّر – إذا استمرت الاحوال الرديئة الى هاوية لا قرار لها، وإذ بك تفاجئنا بالرحيل ونحن ننحدر ولكن محاولين ان لا نصل الى الهاوية.
هذا عاطف كرم الذي عرفت.
وهذي صورته التي أودّ ان احتفظ بها.
فوداعاً، يا عاطف، هذا مصير كلّ حي،
وداعاً، والبقاء للامة”.

 

 

الشاعر المهجري الرفيق نعيم خوري: من الأرض المشرورة على فوهة بركان…

منذ نيّف وخمس سنوات رحتُ أبحث عن “فالس” صاحب المسرحية الشعرية “إباء” الصادرة في كتاب أول آذار 1956، فالكتاب في حوزتي منذ مدة غير قصيرة، إنما لا شيء فيه يشير الى مؤلفه، سوى ما ورد في ختام المشهد الخامس والأخير على انّ المسرحية وضعت في بطرام في نيسان 1955.
وتوصلت بعد جهد الى معرفة أنّ صاحب “إباء” هو الرفيق الشاعر نعيم خوري الذي غادر الى أستراليا وأقام فيها حتى وفاته.
الرفيق وهيب سالم الذي كان تولى مسؤولية تاريخ الحزب في بطرام، زوّدنا بالمعلومات التالية بتاريخ 20/12/2009:
الإسم الثلاثي: نعيم الياس خوري،
إسم الأم: سليمه مالك،
مواليد: بطرام عام 1931
اقترن من السيدة فكتوريا ديب. لم يرزقا أولاداً، فتبنيا مولوداً ذكراً بتاريخ 30/3 /1973 يدعى ماثيو كريستيان.
كان يجيد اللغتين الفرنسية والإنكليزية، إنما برع في اللغة العربية أدباً وشعراً.
مارس مهنة التدريس في مدارس خاصة كما في مدارس وزارة التربية.
كان حضوره مميّزاً ثقافياً واجتماعياً.
انتمى الى الحزب في بطرام عام 1948 متولياً مسؤولية ناموس منفذية الكورة في الفترة 1954-1955، ومذيعاً لمديرية بطرام لعدة سنوات.
صدرت له المؤلفات التالية:
1 أمتي (سياسة) 1950،
2 البطولة المؤمنة 1952،
3 الصهيونية خميرة العنصرية (سياسة) 1953،
4 بحيرة الياسمين 1955،
5 إباء (مسرحية غنائية) 1956،
6 ملح في جراحي (رواية) 1960،
7 قال صنين 1986،
8 بحيرة الضوء (1) 1990،
9 فكتوريا نعيم خوري 1992،
10 صمت على شاطىء العاصفة (سياسة) 1993،
11 سفر الوجع الحزين 1993،
12 وكيف يزعل القمر 1995،
13 بحيرة الضوء (2) 1995،
14 الفكر الوطني في مواجهة المشكلة الطائفية (سياسة) 1996،
15 صوت من الضفة الأخرى 1996،
16 من كلّ أفق نجمة seeds of harvest 1997،
17 ترجمة الدكتور اميل الشدياق 1997،
18 شاطئ النار 1998،
19 هناك كان وطني 1998.
فارق الحياة في سدني عام 2001 بعد عناء مع الداء العضال.
قبل ذلك كان الأمين جان سالم(1) أفادنا في تقرير له بتاريخ 25/03/2007 بالمعلومات التالية جواباً على رسالة منا نستفسر عن “فالس” صاحب المسرحية الشعرية “إباء”: “الشاعر هو الرفيق المرحوم نعيم الياس الخوري مدير مديرية بطرام آنذاك، عضو اللجنة الثقافية في الحزب عام 1957، مندوب مركزي عام 1960 الى أستراليا خلال إقامته لفترة لم تتجاوز الستة اشهر.
والرفيق نعيم كان مدرّس اللغة العربية في مدرسة بطرام الرسمية. سجن عام 1962 (بعد الثورة الانقلابية الفاشلة) وطرد من الوظيفة. هاجر الى أستراليا وأنا تخرجت من مدرسة بطرام عندما كان يدرّس فيها عام 1953.
والرفيق نعيم له كتاب باسم “أمتي”، ومقدمة الكتاب كتبها الرفيق جورج عبد الله من بلدة فيع، الكورة، مؤسس مدرسة عابا(2) ومنفذ عام الكورة سابقاً.
بدورها تضيف الرفيقة ميرنا الخوري بتاريخ 27/10/2010 المعلومات التالية عن عم والدها الرفيق الشاعر نعيم خوري:
والده: الكاهن الياس الخوري الحصني،
أشقاؤه: موريس، وهيب، نجيب، ألفرد وجورج،
شقيقتاه: جورجيت ولطيفة،
تلقى تعليمه الإبتدائي والثانوي في مدرسة عابا العلمانية،
مارس مهنة التعليم في الفترة 1946- 1948 في كل من بطرام، وبزبينا – عكار، ثم التحق بوزارة التربية الوطنية حتى عام 1962 فشغل عدة وظائف في التعليم والتفتيش ودائرة الإمتحانات الرسمية.
أحيل الى المجلس التأديبي مع رفيقه ميشال علاغا(3) في العام 1958 بسبب انتمائه الحزبي.
كان ينشر قصائده ومقالاته في عدة صحف، ك النهار، ولسان الحال، وصدى لبنان والجريدة في بيروت، وفي صحف النهار، والتلغراف، والبيرق، والعالم العربي وغيرها في استراليا.
كتابه الأول “أمتي” نشره وهو لم يزل على مقاعد الدراسة في مدرسة عابا. ولأنّ الحزب كان محظوراً في تلك الفترة سحبت النسخ من المكتبات.
***
في ديوانه سفر الوجع الحزين نشر الرفيق الشاعر نعيم خوري كلمة لكلّ من سفير لبنان في كانبيرا – استراليا الدكتور لطيف ابو الحسن، وأخرى للدكتور اسكندر لوقا، نقلاً عن عدد جريدة “تشرين” الدمشقية الصادر تاريخ 7/8/1988.

من كلمة سفير لبنان في كانبيرا
الدكتور لطيف أبو الحسن
غربته لم تطفئ فيه جذوة الحنين والأمل بالعودة، ففي كلّ صباح أتخيّله يرنو بنظره نحو الشرق يفتش عن بشارة انحسار المحنة ليعود في المساء يراقب مغيب الشمس ويناجيها قائلاً:
وقلت للشمس: غيبي في خواطرنا
فعتمة القلب لا يحلو لها السمر
قد أغرقت في ظلام القهر طلتنا
واغرورق الحلم والتاريخ والقدر
أسطورة فاوست، عذاب دائم وأمل دائم، ونوازع تحلق به عبر مضارب اليأس لتشحن نفسه بأمل وعنفوان قلّ نظيره. فتراه في تطوافه يعترف:
لو ملكوني نعيماً دائماً ابدا
في غير لبنان لم يرق لي الأمل
شعر نعيم خوري مزيج من ثورة على اللامعقول وما يرافقها من رفض لكلّ ما يتنافى مع جمهوريته الفاضلة ومن شفافية ولطافة تنساب بعفوية تخيّل إليك بأنه في نهجه هذا يحاول ان يهرب من نفسه الى نفسه ليستكين في أحضان الغربة لكنه لا يسمح بانهيار الأماني وذبول المحبة والتعلق بالوطن. فهو وانْ رحل الى البعيد يحتضن في داخله طهارة وطنه وجنانه وجذوة العواطف المضناة:
هذي بلادي منارات مشعشعة
لا تسألوها فإني فيها أشتعل
نعيم خوري شاعر من بلادي هاجر الى واحات الحلم الأخضر ولا يزال يحتضن في حناياه صورة، ولا أجمل، للوطن الخالد.

كلمة الدكتور اسكندر لوقا
عدد غير ضئيل من الذين يختارون الاغتراب محطة لهم في الحياة، مؤقتة أم دائمة، تتمحور الشهرة حول أسمائهم. ولعلنا لا نقفز فوق هذه الحقيقة إذا نحن ابتعدنا، ولو قليلاً والى فترة قصيرة، عن الأسماء التي صارت كأحجار الزاوية في البناء الذي يشاد ليحيا كلّ الأزمنة، سواء في ذاكرة أبناء هذا الجيل والأجيال الآتية، او في أفئدتهم.
وعندئذ، لا نحسن صنعاً اذا نحن توقفنا عند بعض الأسماء التي شقت وتشقّ لنفسها الدرب لتعلن عن حضورها في دنيا الاغتراب، على المستويات المختلفة، وتحديداً، على المستوى الفكري والثقافي؟”
في تقديرنا انّ عملاً كهذا، من شأنه ان يسهم في إقامة الجسر بين جيل كان من قبل، وجيل قائم حالياً. ربما بين ذلك الجيل وجيل آخر، سوف تفرزه السنوات القادمة، انطلاقاً من ان الاغتراب جزء لا يتجزأ من حياة البشرية عبر كلّ العصور والأزمنة.
فمع من تكون وقفتنا اليوم أكثر حرارة من وقفتنا مع القائل عن نفسه “أنا من الأرض المشرورة على فوهة بركان؟”
انّ قائل هذه العبارة هو الشاعر المغترب نعيم خوري، الشاعر الذي يوصف بأنه الواقف بين المنفى والأرض الصلبة، أو بين بلد الإغتراب والوطن الأم.
هو من لبنان، وحضوره الحالي في أستراليا، وبين المنفى والأرض المصلوبة، او الصلبة كما توصف.
يكتب نعيم خوري الشعر.
فمن خلال الشعر، يقول الشاعر، يطلّ على الكون، والشعر، كما نعلم، نافذة الكلمة على المرئيات جميعاً، وفي ثناياه يكون التدفق كتدفق مياه النبع الذي يتفجر حتى من قلب الصخر.
مؤخراً تشكلت في أستراليا “رابطة إحياء التراث العربي”، وهي من أكثر الروابط الثقافية حضوراً في الساحة العربية الفكرية في تلك القارة النائية، وتشكل إحدى القنوات الرئيسية بين أدب المهجرين في القارة الأسترالية، وأدباء أوطانهم الأم.
نقول بالقنوات، لأنّ مسألة الانفصال بين هذا الأدب وذاك، او بين هؤلاء الأدباء وأولئك، تطرح بين الحين والآخر، من منطلق القناعة بأنّ البعيد عن العين بعيد عن القلب. ونقول بهذه المسألة لأنه في تقدير البعض، انّ أدب المهجر ينفصل تلقائياً، عن الأدب المقيم انْ صحّ التعبير، بينما المعادلة الأدق ان يُقال انّ الاغتراب عن الأرض لا يعني بالضرورة، الاغتراب عن الضمير والوجدان القومي والشرف الوطني، وهذا ما قاله صراحة الشاعر نعيم خوري، للمحرر في أسبوعية “النهار الاسترالي” الصادرة في سدني.
الشاعر نعيم خوري، إبن بلدة بطرام، في الكورة بشمال لبنان، هو أحد المثقفين والشعراء الذين ينتمون الى جيل الاغتراب الحديث في القارة الاسترالية.
هؤلاء هم القناديل، وهم الموانئ البعيدة القريبة، الذين يحملون في صدورهم هموم الوطن وآلامه، وفي أفئدتهم يكمن الحنين، ولا يكمن سوى الحنين والشوق الى الأرض والى الأهل، ونبض الانتماء الى الجذور والتاريخ.
وعلى هذا النحو، تغدو المعاناة من بعد المسافات في المرتبة الأولى، وخصوصاً في زمن القدرة على اختصار المسافات بوسائل الانتقال المتقدّمة، وفي مواجهة ذلك تنمو المعاناة الأخرى، وهي المعاناة الحقيقية، حين يكون الوطن نفسه على فوهة بركان، كما ذكر الشاعر في ثنايا حواره، او على مشارف كارثة وطنية، او في حالة الاقتراب من أزمة ما تهدّد مصير ومستقبل الأرض او الإنسان.
هذه المعاناة التي ولدت صروحاً فكرية كبرى في أوائل هذا القرن، بوجه خاص، في المغتربات الأميركية، لها دويّها في الذاكرة الأدبية للأمة العربية تحديداً، وفي الذاكرة الأدبية الدولية عموماً، ومثل هذا الأمر ليس أمراً خارج القاعدة المألوفة، لأن من طبيعة النفس البشرية ان تنشد راحتها الأبدية فوق الأرض التي شهدت ولادتها.
وأيّ نفس تفوق نفس الشاعر والفنان والكاتب رهافة في عصور التاريخ؟ انها النفس التي تبقى تحتضن الوطن، لانها الوطن نفسه، مهما ابتعدت، ومهما طالت معها أزمنة الابتعاد.
***
من قصائده:
نشيد الإباء
يا أناشيد الحراب
حرري هذي الروابي
كلما يعلو صدانا
في أغاني كبريانا
صحنا تحيا سوريانا
نحن في التاريخ دنيا من مصابيح المعالي
نزرع الآفاق نوراً ساحقاً عتم الليالي
مجدنا حق أبي وانتصارات غوالي
ولنا الخير انطلاق في براعيم الجمال
***
وإذا قلنا نظام
هتف الجيش الهمام
كلما تاهت رؤانا
وثبت منا قوانا
نحن نحيي سوريانا
واجب الأبطال فينا علّم العزّ الجبانا
قد نشأنا جبهة ذللت موج عدانا
كلنا نبني لنحيا، ولتحيا سوريانا
وتراث العزّ في الدنيا بقايا من دمانا
***
وإذا ازددنا جهاداً
زادت الدنيا عنادا
زوبع الكبر رجانا
فاندفعنا نتفانى
ونحيي سوريانا
لا نخاف السجن او نخشى المنايا
كلما نلنا جراحاً قلنا يا طيب الرزايا
نحن للخلق، للإبداع، للثأر عطايا
يفخر المجد إذا ما كنا للمجد ضحايا
***
نحن اعصار الجهاد
وزغاريد المبادي
في مناحات عدانا
رسم الثأر خطانا
وافتدينا سوريانا…
هوامش
1 ـ جان سالم: تولى مسؤولية منفذ عام ملبورن، الى مسؤوليات أخرى في معتمدية استراليا وفي منفذية ملبورن. عرف بثباته على أيمانه القومي الاجتماعي وصدقه وتفانيه.
2 ـ مدرسة عابا: صاحبها الرفيق جورج عبدالله، من فيع. وكان تولى مسؤولية منفذ عام الكورة. بعد وفاته، وتكريماً له أقيم تمثال وسط ساحة قريته فيع.
3 ـ ميشال علاغا: معروف ايضاً باسم ميشال جبرا. كان مدرّساً، وتولى مسؤوليات حزبية محلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى