ما الجديد في القمم العربية؟
راسم عبيدات
باختتام «القمة» العربية العادية في شرم الشيخ المصرية، يكون العرب قد عقدوا منذ عام 1945، تاريخ إنشاء الجامعة العربية وحتى الآن، ستاً وعشرين قمّة عادية، وتسع قمم طارئة. في كلّ قمة منها، لم نكن نرى فقط تكراراً واجتراراً إنشائياً للنصوص والتصريحات والبيانات الختامية والقرارات، بل هبوطاً وتراجعاً وتخلياً عن المقرّرات السابقة، وتحديداً في ما يخصّ القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ «الإسرائيلي». حتى في ظلّ هذا التراجع والانهيار، لم تلمس الجماهير العربية متابعة أو تنفيذاً أو تطبيقاً لواحد من قراراتها في هذا الشأن، يحفظ ماء وجه القيادات المشاركة في هذه القمم، ويجعلها مصدر ثقة واهتمام المواطن العربي، الذي ربما يفضل متابعة الدوري الإسباني أو الإيطالي على أخبارها واجتماعاتها، لأنها لا ترتقي إلى مستوى طموحه ولا تعبّر عن همومه ولا تستجيب لتطلعاته، فهي قمم محكومة بالتجاذبات والصراعات والخلافات والمؤامرات والمزايدات.
من قمة إنشاص في القاهرة التي دعا إليها الملك الراحل فاروق، مروراً بقمة الخرطوم عام 1967، وقمة فاس 1981، وقمة بيروت 2002، وقمة شرم الشيخ الأخيرة 2015، نجد أنّ النظام الرسمي العربي شهد الكثير من المتغيرات في وظيفته وبنيته، متغيرات حملت طابع التفريط بالحقوق والثوابت العربية وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني، وقد ذهب بعض أطراف هذا النظام أبعد من ذلك بكثير، إلى مستوى الشراكة مع القوى المعادية والتنسيق معها، فجرى احتلال دول عربية كالعراق، وتدمير أخرى في محاولة لتغيير أنظمتها بالقوة وتفتيت جغرافيتها وإدخالها في أتون الصراعات المذهبية والطائفية والحروب القبلية والعشائرية، كليبيا وسورية.
في كلّ القمم العربية، كان المتغير والمتحرك والمفعول به، هو قرارات العرب وشعوبهم المستباح أمنها والمقموعة حرياتها والمصادرة قراراتها والمنهوبة خيراتها، في حين تمسّكت «إسرائيل» بمواقفها وسياساتها العنصرية، من دون أن تلتفت إلى قمم العرب، لأنها تدرك أنها ليست أكثر من ظاهرة صوتية، قادتها يقولون في العلن عكس ما يتداولونه في السرّ.
دعت قمة أنشاص عام 1946 إلى «وقف الهجرة اليهودية وتحقيق استقلال فلسطين وتشكيل حكومة تضمن حقوق جميع سكانها الشرعيين من دون تفريق بين عنصر ومذهب»، وبعد مرور عامين على تلك القمة كانت الفاجعة والكارثة الكبرى، احتلال 78 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، ولم تتمكن الجيوش العربية المتهالكة التي جاءت لإنقاذ فلسطين من فعل أي شيء، لأنها كانت تفتقر إلى التسليح والإعداد والإرادة والقرار.
جاءت حرب أو نكسة حزيران1967، لتكشف عورة النظام الرسمي العربي، ليتضح أنّ شعار محاربة «إسرائيل» واسترداد فلسطين، لم يكن سوى «عنتريات فاضية» وبطولات زائفة على وسائل الإعلام، واستكمل العدو احتلال فلسطين بالكامل وأراض تابعة لثلاث دول عربية أخرى: مصر وسورية والأردن.
وفي سياق الردّ على ذلك، جاءت قمة الخرطوم، قمّة رفعت شعارات كبيرة تحتاج إلى إرادة وقيادات مؤمنة بقوميتها وعروبتها ومنتمية إلى أمتها ومخلصة لها. فكانت لاءات «لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل».
تلك الشعارات أيضاً، جرى التخلي والتراجع عنها شيئاً فشيئاً، حتى كانت قمة فاس عام 1981 في المغرب، حيث طرحت مبادرة سلام عربية سميت بمبادرة فهد بن عبد العزيز، ونصّت ضمناً على الاعتراف بـ«إسرائيل»، التي ردّت بغزو لبنان في حزيران 1982 ومحاصرة بيروت، على مرأى ومسمع كلّ القادة العرب، من دون أن يجرؤ أحد منهم على التدخل أو دعم المقاومة الفلسطينية – اللبنانية، أو التصريح أو التلميح بضرورة تفعيل ما يسمى بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، لتنتهي تلك الحرب بخذلان عربي كبير للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، حيث جرى ترحيل القيادة الفلسطينية وقواتها ومؤسساتها إلى أكثر من عاصمة عربية.
ظلت قرارات العرب في جزئها الكبير والخطير حبراً على ورق، وفي كلّ قمة ينخفض سقف القرارات مع المزيد من التخلي والتراجع، وخصوصاً في قضايا الصراع العربي- «الإسرائيلي» والقضية الفلسطينية، ولعلّ الجميع يذكر قمة بيروت عام 2002 والمبادرات التفريطية والتنازلية، ففي تلك القمة اقترحت الدول العربية «مبادرة السلام العربية»، أو مبادرة عبدالله بن عبد العزيز، قبل أن يصبح ملكاً، وعرضت هذه المبادرة على «إسرائيل» انسحاباً كاملاً من الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل سلام شامل وتطبيع في العلاقات مع الدول الأعضاء في الجامعة. فردّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك آرييل شارون بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، واستتبع القول بالفعل باجتياح الضفة الغربية عملية السور الواقي ، حيث حوصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقرّ المقاطعة في رام الله، ولم يجرؤ أي زعيم عربي على مهاتفته، أو السماح له بالتحدث إلى المشاركين في القمة العربية.
منذ تلك القمة وحتى القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ، ورغم كلّ التطورات والمتغيرات المحيطة بهم، يبدو الزعماء العرب وكأنهم منفصلون عن الواقع وهم يجدّدون تمسكهم بالمبادرة العربية كأساس للسلام العادل والشامل. مبادرة ترفضها «إسرائيل» وتركلها، ويجري ترحيلها في ظلّ عجز عربي غير مسبوق من قمة إلى أخرى، مع هبوط في سقفها لكي تقبلها «إسرائيل»، ولكن من دون جدوى.
أما الأمر اللافت قمة شرم الشيخ، فهو السيطرة الخليجية الكاملة على الجامعة العربية والسطو على مقرراتها، فقرار تشكيل القوة العربية المشتركة ليس من أجل فلسطين وتحريرها أو طرد الغزاة من دعاة الاستعمار الغربي والأميركي، بل من أجل حماية مشايخ النفط، كما هي الحال بالنسبة إلى التدخل العسكري في اليمن، حرفاً للصراع عن أصوله وقواعده من صراع عربي- «إسرائيلي» إلى صراع مذهبي سني شيعي، عربي إيراني.
أراد العرب من خلال قممهم التصدي لـ«إسرائيل» ومنعها من تنفيذ مخططاتها واستكمال أهدافها العدوانية في احتلال وتهويد الأراضي الفلسطينية والعربية، فكانت قراراتهم متحركة متغيرة وفي أكثر من اتجاه. فاللاءات الثلاث التي رفعها العرب في وجه «إسرائيل» سرعان ما تراجعوا عنها، بحكم الموقف العربي المتراجع أمام تصلّب العدو «الإسرائيلي» الذي رفع في وجه العرب كلّ اللاءات: لا عودة للقدس إلى وضعها السابق وهي العاصمة الأبدية لـ«إسرائيل»، لا عودة للاجئين، لا إزالة للمستوطنات، لا لعودة الضفة الغربية بكاملها إلى الفلسطينيين، لا لدولة فلسطينية موحّدة الأرض والشعب، لأنّ «إسرائيل» تعرف مسبقاً مع من تتعاطى ومن تتفاوض ومدى معدن وصدقية الذين يفاوضونها في السرّ والعلن.
أكد نتنياهو قبل فوزه في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وبعد فوزه، على تلك الثوابت من دون أن يعير القمم العربية أي اهتمام، لأنه يعرف جيداً أنّ قراراتها لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به، وهناك من القادة من ينقلون له كلّ محاضر وقرارات القمّة، بالتفصيل.
Quds.45 gmail.com