فرنسا واستثمارات دول الجوار السوري 2

محمد أحمد الروسان

في أكثر من تحليل خلال الأشهر الأخيرة، بل ومنذ بداية الحدث السوري قبل سنوات الجنرال غوغل يؤرّخ ويؤرشف لنا سهل العودة إليه ، حذّرنا كغيرنا من المراقبين من خطورة الإرهاب المُصدّر إلى الداخل السوري عبر دول الجوار المختلفة، وما جرى في فرنسا الآن ما هو سوى قطرات الندى الأولى من فجر 11 أيلول أوروبي مقبل على القارة العجوز. وبفعل ميكانيزمات الحدث الأوكراني وما يجري في كييف من نقل أمراء القوقاز والمقاتلين الشيشان، من الداخل السوري إلى الداخل الأوكراني لضرب روسيا، فعلى منظومات الأمن الأوروبية الابتعاد عن سياسات الالتحاق بمجتمع المخابرات الأميركي، كون الأخير يسعى إلى تفجير أوروبا من الداخل ضمن رؤية البلدربيرغ الأميركي.

مدير الإرهاب في الأنتربول الدولي بيارسانت هبلير قال مؤخراً: إنّ الإرهابيين كثّفوا دخولهم إلى تركيا عبر الموانئ البحرية المختلفة بعد التضييق عليهم في المطارات، وخاصةً عبر مرفأ ازميت على الساحل الشرقي من بحر مرمره، حيث تحوّل المرفأ إياه إلى بوابة لهم ومنها إلى سورية والعراق. وكان لإشارات وتشخيصات تقرير معلوماتي إحصائي نشر في صحيفة «فاينانشال تايمز» من إعداد كلّ من سام جونز في لندن ودنكان روبنسون في بروكسل، الأثر الواضح في التأشير على سلّة مخاطر عودة الإرهابيين الأوروبيين الذين يقاتلون في سورية إلى بلدانهم، ويتضح من التقرير أنّ ما يقدّر بأكثر من ثلاثة آلاف إرهابي يحملون جنسيات أوروبية يشاركون في العمليات القتالية في سورية والعراق، وبعضهم صار يقاتل في الجنوب السوري وفي درعا تحديداً، حيث قسم منهم مع «جبهة النصرة» والتي صارت نصرة لـ«إسرائيل»، وقسم مع «داعش»، وقسم مع بقايا ما يسمى «الجيش الحر» والمتمثل في لواء اليرموك، حيث تستثمر في الأخير بعض دول الجوار السوري بوصفه معارضة معتدلة، في دعم جهة إرهابية ضدّ أخرى ليكون حاجز عزل أمام الإرهاب المتطرف والمتمثل في «النصرة» و«داعش»، حيث تتفاقم النتائج والكلف الأمنية والسياسية، وقد يقود هذا الأمر إلى تأسيس إمارة حوران في الجنوب السوري بدعم «إسرائيلي» صهيوني واضح، تنضمّ لها لاحقاً أجزاء من إقليم شمال الأردن ويقلب جغرافية مثلث الحدود الأردنية السورية المشتركة مع الأراضي المحتلة «إسرائيل»، ومع الأراضي اللبنانية عبر الأراضي السورية المحتلة في الجولان لتكون قلمون لبناني آخر في الجولان السوري المحتلّ. وما لم يقله هذا التقرير أنّ العدد هو أكثر من سبعة آلاف أوروبي ثلثهم من أصول أوروبية حقيقية أصليّة.

في تصريحات سياسية متعدّدة بمضامين استخبارية دقيقة، مستندة إلى ترسيمات ميدانية وواقع، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنّ هناك عدّة آلاف من أوروبا ومناطق القوقاز يقاتلون في سورية، أكثر من سبعة آلاف، فيما أشارت تصريحات سياسية تعكس معلومات أساسها استخباري أيضاً، صادرة عن كوادر في مكافحة الإرهاب الأممي في الاتحاد الأوروبي حيث قالت: عدد الأوروبيين الذين سافروا للقتال في سورية فاق عددهم في الصومال وأفغانستان والعراق وجلّهم من أصول قوقازية وعربية.

أوروبا تفجّر نفسها من الداخل

والذي لم تقله تصريحات كوادر مكافحة الإرهاب في الأنتربول الدولي أيضاً، أنّ أجهزة المخابرات الأوروبية هي من سهّلت سفرهم وإدخالهم إلى الداخل السوري، وبالتالي هؤلاء عندما يعودون إلى بلدانهم الأوروبية الأصلية، فهم بمثابة قنابل سوف تنفجر في وجه منظومات الأمن الأوروبية الاستخبارية، وستكون الكلف الأمنية والسياسية والاجتماعية والثقافية الفكرية عالية جداً، تقود في النهاية إلى عدم استقرار أوروبا وبالتالي زعزعة هياكل الأمن الأوروبية المتداخلة، وهذا ما تريده أميركا وتسعى إلى تقوية أوكرانيا ليس فقط من أجل تهديد روسيّا واستنزافها بل من أجل مرحلة غزو أوكرانيا القويّة عسكرياً نفسها لغزو أوروبا، وهذا ما صار إدراكاً أوروبيّاً تدركه مؤسسات القرار الأوروبي، بجانب خطر الأسلمة والذي صار خطراً عابراً للقارات في العالم بفعل الحدث السوري واستثمارات البلدربيرغ الأميركي فيه، عبر صناعات الإرهاب عبر «القاعدة» وأخواتها ودواعش الماما الأميركية، فخطر الأسلمه يؤسلم المسيحيين، هكذا ترى مفاصل القرار الأوروبي ذلك، خاصةً بصورته المتطرفة على الناشئة في المجتمعات الأوروبية.

أعتقد وأحسب وبوضوح أنّ القارة الأوروبية وبسبب هذه السياسة الحمقاء في الحدث السوري، والآن الحدث اليماني، سوف تفجّر نفسها من الداخل، وهذا من شأنه أن يسهّل على العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، المزيد من السيطرة الشمولية على كلّ أوروبا، خاصةً وبعد شروع العاصمة الأميركية واشنطن دي سي في تصحيحات هنا وهناك في العلاقات مع دول حدائقها الخلفية في أميركا اللاتينية وبدأت في كوبا، مع تصحيحات في العلاقات مع كراكاس العاصمة الفنزويلية، ولكن بصورة الثورات الملونة وعبر الطبقات الاجتماعية الغنية والميسورة بل والأرستقراطية أيضاً، لاستعادة مصالحها الأرستقراطية الفنزويلية المالية والاقتصادية بسبب الرعاية الاجتماعية الطويلة لنظام هوغو شافيز للطبقات الفقيرة في الداخل الفنزويلي، واستمرار هياكل النظام البوليفاري الحالي المنتخب بتلك السياسة.

وأضاف هذا المسؤول الأمني الاتحادي الأوروبي: أنّ هناك تعاوناً مع دول الخليج من العرب، لوقف فضائيات تروّج لبث الكراهية والفتن وأفكار «القاعدة» وأخواتها، كما تروّج للإرهاب الدولي في سورية والعراق وجلّ المنطقة العربية.

إنّ تسخين وتسخين الساحة السورية كساحة حرب، عبر الدفع بالمزيد من المقاتلين من الدول الأوروبية وخاصة ذوي الأصول القوقازية والعربية، وبالمقاتلين من ليبيا واليمن الآن، عبر تفعيل القوام المؤسساتي للمؤامرة المخابراتية – السياسية وعبر تينك أدواتها المختلفة، وخاصة البعض العربي المرتهن للغرب والخائن، من مثلث أطراف واشنطن، باريس، لندن، وبالتنسيق العميق مع الكيان الصهيوني والبعض العربي، من شأنه تحقيق عدّة أهداف استراتيجية هامة:

– يسمح بالتخلص من آلاف العناصر المسلّحة المتواجدة الآن في ليبيا المحتلّة نيتويّاً، والتي صارت في مرحلة اللاّدولة رغم دعومات هنا وهناك لكرزاي ليبيا خليفه حفتر، وهذا يسهّل على الناتو ترتيب الأوضاع في ليبيا المحتلّة ما بعد اغتيال القذّافي وسقوط نسقه السياسي وتشكيل حكومة ليبية جديدة واحدة ومستقرة، وذلك لعدم وجود هذه العناصر المسلّحة الإسلامية المعيقة للترتيبات الناتويّة القادمة، ففي ليبيا برلمانان وحكومتان، كذلك توفير الفرص لحكومة الرئيس عبد ربه هادي في اليمن لتحقيق شكل ما من الاستقرار وانْ كان هشّاً.

وتسخين الساحة السورية كساحة حرب، وإسقاط النسق السياسي فيها، يعني إضعاف قدرات الدولة السورية، وخاصة مؤسسة الجيش العربي السوري ومؤسسة الأمن السياسي العربية السورية، وتحويل سورية إلى دولة فاشلة، أكثر فشلاً من دولة اليمن، وهذا الأمر تسعى له تحديداً، المخابرات الفرنسية والبريطانية والأميركية والصهيونية.

وإشعال الساحة السورية حرباً وقتالاً عنيفاً، من شأنه أن يتيح إلى جانب التخلص، من العناصر الإرهابية المسلّحة الليبية ومجموعات «القاعدة» في اليمن، وفي معظم بلدان القارة الأوروبية بعد أن تمّ شحنهم إلى سورية، يقود إلى التخلص أيضاً، من العناصر الإرهابية الإسلامية الموجودة في أوروبا كخلايا نائمة، بحيث تقوم أجهزة المخابرات الأوروبية، على دفع وتسهيل مسألة هجرة هذه العناصر المسلّحة ذات الأصول القوقازية، والمتواجدة على الساحات الأوروبية، للذهاب إلى سورية للقتال والمساهمة، في إسقاط النسق السياسي السوري.

وإشعال متزايد للمسرح السياسي السوري، سوف يأخذ مزيدا من طابع العنف السياسي الديني، المرتفع الشدّة، ومزيدا من الطابع العسكري الدموي، وهذا يعني ببساطة: حرب مذهبية عميقة، خاصة مع عمليات الشيطنة لحزب الله اللبناني عبر وسائل الميديا العربية والعالمية.

تركيا مغناطيس جاذب للإرهابيين

بسبب أركولوجية السياسة الأميركية وتخبّطاتها ومتاهاتها واضطراباتها، مسنودة من حلفائها من غرب وبعض عرب ومن حكومة حزب التنمية والعدالة في تركيا، صارت المنطقة في الشرق الأوسط مغناطيساً جاذباً لمجاميع الإرهابيين ذو الخبرات القتالية العالمية من أرجاء الأرض الأربع.

منطقة الشرق الأوسط ساخنة للغاية والجزء العربي منها تحديداً، والأخير مليء ببؤر النزاعات والصراعات المختلفة، وخاصةً بعد حراكات الشارع العربي، إنْ لجهة التحريك عبر الطرف الخارجي، وانْ لجهة الحركة العفوية واستثمارها من الطرف الثالث، وفي ساحاتها السياسية الضعيفة والقويّة على حدّ سواء، وذات التداعيات الأفقية والعمودية، على مجمل السياق الأمني- الجمعي للمنطقة، مع وجود روابط مفعّلة وأياد خفية، تكمّل وتغذي بعضها البعض، بين متغيّر بؤر هذه النزاعات والصراعات، في الساحات السياسية الآنف ذكرها، ومتغيّر السياق الأمني الجمعي للشرق الأوسط ككلّ، عبر دور للعامل الكوني الأميركي الأوروبي البعض العربي المتخاذل التابع المتقاطع في مصالحه، مع دور «إسرائيلي» لا يمكن أن نعتبره إقليمياً لسبب بسيط: فهي دولة ليست إقليمية، أي الدولة العبرية، ولن تكون كذلك لاحقاً، هكذا تشي المؤشرات السياسية والأمنية والعسكرية وفوق ذلك جغرافية المناخ المحيط بها، علم الرياضيات السياسية يشرح ذلك.

فالسياسة معادلات حسابية، فإن كانت المعادلة الرياضية التالية: 1+ 1 = 2 فإنها في كثير من الظروف = 35 أو 51… الخ، عندما يُراد لها أن تساوي كذلك يكون، كما هو الحال الآن في سورية وسيكون عليه في إيران أو أي دولة في العالم.

العامل الأميركي ومعه «الإسرائيلي» وبعض من الأوروبي وبعض العربي الراهن، وخاصةً من الطبقات الحاكمة العربية المؤثرة بالمال فقط، وعبر حلقات ودوائر أمنية سياسية استخبارية، يفضي كلّ واحد منها إلى الآخر بآليات تنفيذ، يلعب دوراً نوعيّاً وكميّاً في تأجيج وتوجيه، الصراع بمجمله في الشرق الأوسط، وهذا من شأنه أن يقود إلى تغذية بؤر الصراعات الجزئية في الساحات السياسية المختلفة.

وبذات السياق والمسار يقوم هذا العامل الأممي، بتصعيد توترات هذه البؤر الصراعية الجزئية، وحراكات شارعها الشعبوي، ودفعها بمفاعيلها باتجاه التصعيد، وتوتير الوضع الكلي للشرق الأوسط، عبر علاقة هندسية تبادلية في النتائج والأهداف بين المتغيرين السابقين.

العامل الكوني الأميركي و«الإسرائيلي» تحديداً ومعه جزء من الأوروبي وبعض العرب الذي يتاجر في سوق النخاسة، يسعى إلى استخدام وتوظيف ملفات بؤر الصراع الجزئي و/أو الكلي، في الساحات السياسية والثورات الشعبوية و/أو حالات الحراكات الشعبية في بعض الساحات الأخرى، لجهة إدارة دواليب مفاعيل الأزمة في الشرق الأوسط، ويستخدم الأزمات كأسلوب إدارة للصراع فيه وعليه، ويدفع باتجاه التصعيد والتوتر عندما تقتضي المصالح بذلك، وإرسال الرسائل في كافة الاتجاهات، وفي نفس الوقت يسعى ذات العامل السابق إلى التنفيس والتهدئة، عندما يكون التصعيد والتوتر في غير مصالحهما التكتيكية والاستراتيجية.

إنّ مفاعيل التعبئة الأميركية «الإسرائيلية» الأوروبية التركية والبعض عربية، الآنية الممنهجة الفاعلة ضدّ سورية ولبنان وضدّ الفلسطينيين وضدّ الأردن عبر ممارسة شتى الضغوط على الدولة والملك، لتنفيذ ما يروق ويحلو للبعض في الأفق وحتّى العرب مجتمعين، والمدعومة من أجنحة يمينية متطرفة في الإدارة الأميركية بتوجيه من «إيباك»، تهدف إلى سلّة من الأهداف لا تخفى على السذّج من العوام، فكيف بمن تدعي أنّها من النخب في مجتمعاتها.

ومع توسيع نطاق بناء وحجم المستوطنات الإسرائيلية، وتهويد جلّ المكونات الإسلامية العربية الرئيسية في الأراضي المحتلة لعام 1967، وخاصة في القدس «حشاشة» قلوبنا نحن لا قلوبهم، ان يهدف من جهة تحويل جهود واهتمامات الفلسطينيين والعرب، من التركيز على مشكلة الترحيل والطرد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإحلال وإسكان المستوطنين مكانهم ومحلّهم، مما يجعل من جهة أخرى، عمليات تهويد القدس والمقدسات العربية الفلسطينية أمراً واقعاً على الأرض، ليصعب التفاوض حوله مستقبلاً وعبر أي طريقة من طرق التفاوض، التي عرفتها البشرية إلى الآن، إلى التركيز ولفت الانتباه إلى ما يجري في شوارع الدول القطرية لأمتنا العربية، مع اعترافنا بحقوق شعوبنا المنهوبة من قبل الطبقات الحاكمة، والتي غدت أنظمة شمولية استبدادية، فمن حق القوى الشعبوية أن تنهض من سباتها العميق، والذي بدأ هذا السبات كنوم أهل الكهف ما بعد بعد نهايات الحرب الكونية الثانية.

كما يهدف أيضاً إلى فرض عملية شدّ الأطراف الأخرى في الساحات السياسية المتقابلة، بحيث يتمّ إشغال السوريين، واللبنانيين، والأردنيين وكافة العرب المعنيين، بمجريات الصراع العربي «الإسرائيلي»، بكيفية مواجهة حراكات الشارع الشعبية، والمطالبة بحرياتها وببعض حقوقها، دون الانتباه إلى كيفية مواجهة الخطر العسكري «الإسرائيلي» المحتمل، ومن شأن ذلك أن يؤدّي إلى عملية ممنهجة، لصرف أنظار الرأي العام العربي والإسلامي، لتحويل النظر عمّا يحدث داخل فلسطين المحتلة لعام 1967 من عمليات تهويد تجري على قدم وساق في كلّ شيء.

ومن الممكن أن يؤدي كلّ ما تمّ ذكره، إلى إشعال دراماتيكي للحرب، لاستعادة قوّة الردع «الإسرائيلية»، وإضعاف حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ويبقى ذلك مجرّد احتمال والاحتمال في السياسة ليس يقيناً.

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى