واشنطن وتل أبيب والفوضى العربية

حميدي العبدالله

تغطي الفوضى والاضطرابات المسلحة غالبية البلاد العربية، من شرق الوطن العربي في البحرين واليمن، إلى غربه في تونس مروراً بمصر، ومن شماله في ليبيا إلى أقصى جنوبه في جنوب السودان، إضافةً إلى سورية والعراق، وإذا كانت الممالك العربية قد نجت من الفوضى والاضطرابات لأنها تشكل خط الدفاع الأخير عن المصالح الأميركية، وحتى أمن الكيان الصهيوني، إلا أنّ فوضى الحرب اقتربت من المملكة العربية السعودية، وباتت على حدود المملكة الأردنية.

ما الذي جنته وتجنيه واشنطن وتل أبيب من انتشار الفوضى والحروب على هذا النحو؟

لا شك أنّ ثمة عدداً غير قليل من الأهداف قد تحققت تصبّ في مصلحة واشنطن وتل أبيب، أو على الأقلّ في مصلحة الكيان الصهيوني:

أولاً، إنهاك وإلهاء القوى التي تشكل عدواً حقيقياً للكيان الصهيوني وتهديداً جدياً له، وفي مقدمة هذه القوى سورية وحزب الله في لبنان.

ثانياً، تحويل الأنظار عن القضية الأساسية، وهي قضية فلسطين، حيث لم يعد هناك من يهتمّ بهذه القضية ويضعها في مرتبة اهتماماته الأولى، إذ أنّ الحروب الداخلية جعلت همّ الشعب العربي من المحيط إلى الخليج هو الحصول على الأمن والاستقرار قبل أيّ شيء آخر.

ثالثاً، دفع عدد من الحكومات والأنظمة العربية للالتصاق أكثر بواشنطن وتل أبيب وتنفيذ إملاءاتهما أملاً في الحصول على دعمهما وحمايتهما والحفاظ على بقاء الحكومات في السلطة، ولعلّ اعتماد حكومات الممالك العربية على الدعم الأميركي، وتعزيز علاقاتها السرية مع الكيان الصهيوني، وتقديم العراق لتنازلات تمّ عبرها إعادة النفوذ الأميركي، ولو جزئياً، دليل واضح على ما تسعى واشنطن وتل أبيب إلى تحقيقه من خلال الفوضى والحروب التي تدور رحاها على امتداد الوطن العربي.

رابعاً، إنهاك وتفكيك جيوش عربية كثيرة، بعضها كان يشكل تهديداً مباشراً للكيان الصهيوني مثل الجيش العربي السوري، وبعضها كان يمثل تهديداً غير مباشر، كما هو حال الجيش العراقي، إضافةً إلى الخوف الدائم، على الأقلّ على المدى البعيد، من جيوش أخرى، مثل الجيشين المصري واليمني.

هذه المكاسب التي حققتها وتحققها واشنطن وتل أبيب، لا يمكن لأيّ عاقل تجاهلها أو التشكيك فيها، وبهذا المعنى لا يمكن مجاراة الذين يقولون إنّ سياسة «الفوضى البناءة» التي رفع شعاراتها المحافظون الجدد قبل وأثناء وجودهم في الحكم في عهد الرئيس بوش الابن لم تحقق شيئاً أو سياسة فاشلة بالمطلق، ويحق للمحافظين الجدد أن يقولوا إنّ سياستهم لم تكن مجرّد أوهام، فهذه الأهداف ما كان لها أن تتحقق لولا الفوضى والحروب وحتى اعتماد التنظيمات الإرهابية، وتوظيفها لضرب الدول التي كانت أكثر استقراراً وأكثر قدرة على المواجهة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى