تقرير
كتب موقع: «Middle East Eye»: بينما تنجح تونس الآن في تحوّلها الديمقراطي، ما زالت الدولة الأولى من حيث عدد المنضمّين إلى «داعش». ولكي تفهم المنظمات غير الحكومية وعلماء الاجتماع حقيقة أنّ التونسيين قد انضمّوا إلى تنظيم «داعش» بأعداد أكثر من أي جنسية أخرى، بحثوا عن الإجابات بين الشباب التونسيين، وتشير نتائج دراساتهم إلى خيبة أمل عميقة واغتراب عن الدولة وتهميش واسع.
وجد مسح أجرته منظمة «إنترناشونال آليرت» غير الحكومية عام 2015 في منطقتي «دوّار هيشر» و«حي التضامن» التونسيتين، حاورت فيه المنظمة 800 شاب، أنّ حوالى 95 في المئة ممّن حاورتهم قالوا إنّهم لا يثقون بمؤسّسات الدولة والشرطة. ينبع فقدان الثقة هذا، وفقاً للمسح، من ازدياد الفساد، حتى بعد الثورة، فضلاً عن غياب المسؤولين المحليين والتهميش المستمر.
قالت ألفة لملوم، عالمة الاجتماع والباحثة المشاركة في الدراسة: «لا يمكننا سوى أن نلاحظ أنّه بعد أربع سنوات من الثورة، ما زالت غالبية شباب هذه الأحياء محرومة من خواص المواطنة الاجتماعية الأساسية، أي التأمين الصحي والرفاهية الاجتماعية والبنى التحتية العامة، فضلاً عن عدم وجود المنشآت الترفيهية والثقافية».
ولكن على رغم أنّ الإقصاء الاجتماعي وغياب الأمن الاقتصادي عاملان مشجّعان على التطرّف، إلّا أنّهما ليسا العاملين الوحيدين. ففي «حي لامارسا» في شمال تونس، والذي تسكنه الطبقة العليا، تطوّع عدد من الشباب للقتال في سورية. قال مروان، الذي يعمل سباكاً في «حي لامارسا»: «مات من هنا ثلاثة شباب، كان أحدهم خجولاً جداً، وانطوائياً جدّاً. رأى أحد الذين يجنّدون الشباب هذا الأمر، فهناك كثيرون منهم هنا، وهكذا جعلوه يتطوّع».
يقول محمد، معلّم اللغة الأجنبية في «لامارسا»: «لقد ذهب ستة أطفال من أسرة واحدة إلى سورية، وقد جاؤوا من أسرة من الطبقة المتوسطة، كيف تفسّر هذا الأمر؟ السبب أنّهم نشأوا في دولةٍ من دون قيم أخلاقية. ففي ظل النظام السابق، كان يمكن أن يهان ربّ الأسرة أمام أبنائه على يد أقل موظّف في إدارة حكومية، من دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه. لقد تحطّم رمز الأب، نشأوا جميعاً من دون احترامٍ للقانون بسبب الفساد». وقال إنّ «داعش» يستغل الموقف استغلالاً كاملاً.
لقد شجّعت إمكانية النفاذ عبر الحدود منذ عام 2011 آلاف الشباب التونسيين على الهرب إلى الخارج، يذهبون إلى أوروبا أو سورية أو ليبيا. وأصبحت التونسية وفقاً للأمم المتحدة هي الجنسية الأكثر شيوعاً للمسلّحين الأجانب الذين يقاتلون لمصلحة «داعش»، سواء من حيث العدد أو من حيث نسبتهم إلى السكان. يقاتل الآن في سورية وفي ليبيا حوالى 5.500 مواطناً تونسياً، وقد أوقف حوالى 8.800 شاباً تونسياً على الحدود وفقاً لدراسة أجرتها «CNN».
وفي «قفصة»، حارب عبد الله لمنع ابنه سليم ذي السنوات الـ21 من الانضمام إلى شبكة تكفيرية، تواصل شخصٌ نصّب نفسه «أميراً» مع سليم، المسلم المتدين غير الحاصل على شهادة جامعية، وشجّعه على القتال في سورية. كان ابن عبد الله هدفاً أساسياً لتلك الحركة، ثم قرّر أبوه إرساله بعيداً إلى مدرسة خاصة مرتفعة التكاليف جداً في سوسة، لا يستطيع الجميع تحمّل مثل هذه التكاليف.
أمّا الآخرين الذين قطعت صلتهم بالمجتمع، فلا تقدّم لهم الحكومة أي خيار في الحقيقة، فغياب سياسة اجتماعية من أجل تقليل التفاوتات الاجتماعية يشجّع الشباب أكثر على مغادرة البلاد. في دولة تصل نسبة سكانها الأقل من 35 سنة إلى 50 في المئة، لا تتّخذ أيّ إجراءات لإعادة كسب ثقتهم.
لا سياسة للشباب، وتظلّ مراكز الشباب خالية، تصل البطالة إلى معدلات مرتفعة ولا يخطَّط لأيّ إصلاحات للقطاع الاقتصادي الفاسد. تسيطر النخبة على 25 في المئة من الثروة التونسية وفقاً للبنك الدولي، وتمثّل قطاعات الأنشطة الكبيرة مثل النقل والتأمين والعقارات واحداً في المئة فقط من العمالة.
إنّ وحشية الشرطة ضدّ شباب جنوب تونس سببٌ آخر يؤدّي إلى شعورهم بالتقييد، وكأنّهم تحت الإقامة الجبرية، وهم محبوسون بين النشطاء المسلّحين وبين الشرطة، فهم يخشون كليهما. لقد خلق غياب الإصلاحات داخل الإدارة الأمنية أزمة ثقة، وهو ما يفسّر سبب رفض أسر الشباب الذين ذهبوا إلى سورية الحديث. تأتي وحشية الشرطة بنتائج عكسية بما أنّها تثني الناس عن التصريح بالمعلومات الجوهرية، فضلاً عن عدم وجود برنامج فعّال لحماية الشهود.
يخشى بعض الناس أن يشك الإرهابيون في تواطئهم مع الشرطة، يشعرون كأنّهم وحدهم تماماً، فقال «عادي»، الاختصاصي الاجتماعي في «قفصة»: «هناك أناس لا يرغبون في الحديث، فهم خائفون، وحتى أولئك الذين أثّر عليهم الإرهابيون ثم عادوا ثانيةً… خائفون. نحن بحاجةٍ إلى تأسيس برنامج رعاية نفسي واستشاري».
أشار تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادر في تموز 2015 إلى أنّ عيوب النظام ناتجة بالأساس عن غياب احترام الإجراءات الشرطية اليومية. المواطنون مهملون، وهو ما يؤدّي إلى غياب التعاون بين الشرطة وبين السكان، وهو أمر حاسم في محاربة الإرهاب.
إنّ السكان في المناطق الريفية، التي تمثّل أحياناً معاقل المسلّحين، ضعفاء إلى حدّ ما. في «القصرين» منذ بضعة أسابيع، وفي «جلمة» قرب «سيدي بو زيد» في 13 تشرين الثاني، قتلت مجموعة مسلّحة راعيَي غنم، رفض كلاهما إمدادهم بالغنم، وبرّرت المجموعة المسلّحة جريمتَي القتل باتّهام الراعيين بالعمل مع السلطات، وهو ما أنكرته وزارة الداخلية.
يزيد التهميش المتزايد للمناطق الداخلية من تعقيد الأمر، لقد صنع قمع الشرطة للتظاهرات التي ينظّمها السكّان والتي تدعو إلى تطوير مناطقهم ميزان قوى يحوّل التظاهرات غالباً إلى اشتباكات بين الشباب والشرطة، فحُرِق عدد من أقسام الشرطة منذ الثورة.
أصبحت ولاية «القصرين» منذ عام 2012 موطناً لعدد من الاشتباكات بين المجموعات المسلّحة وبين قوات الأمن، إذ تجعلها مساحتها الجبلية وقربها من الحدود الجزائرية أرضاً خصبة للإرهاب. كما أنّ «القصرين» أفقر منطقة في البلاد. معدّل بطالة الشباب فيها هو الأعلى، وعدد الطلاب الجامعيين لا يزيد عن 3 في المئة، ومعدل النجاح في الثانوية 10 في المئة فقط، ولا يتمتّع 60 في المئة من السكّان بالتأمين الصحي.
على رغم أنّ الحس الوطني ما زال موجوداً، إلّا أنّ التهميش ما زال قائماً، وهو ما يحثّ على رفض السياسة والشعور بأنّ الحكومة لا تحمي سوى النخبة.
ثم ازداد الشعور بغياب الأمن في السنوات الخمس الماضية. تؤكّد دراسةٌ أخرى أجرتها «إنترناشونال آليرت» على 501 شخص من سكان خمس مناطق سبيطلة، وشمال القصيرين، والزهور، وفريانة، وماجل بلعباس ذلك الشعور، فيأخذ غياب الأمن وفقاً لأولئك الأشخاص أشكالاً متنوّعة مثل، الإرهاب والإجرام والفقر.
اقترح سكان «القصرين» في إجاباتهم بعض الإرشادات التي ينبغي التفكير فيها من أجل مكافحة الإرهاب. فهم يدعمون أفكاراً مثل إشراك السكان في العملية الأمنية وتعزيز التعاون بين السكان وبين الشرطة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بمشاركة المعلومات. كما يطلبون إعادة فتح قضية شهداء الثورة ثلث ضحايا قمع الشرطة خلال الانتفاضة ضدّ بن علي جاؤوا من القصرين ، والأهم، محاربة الفساد.
إنّ أسباب التطرّف متنوعة، ولكنها تنشأ كلّها من الشعور العميق بالظلم وخيبة الأمل نتيجة الوعود التي قُطِعت بعد انتفاضة 2011 ولم تتحقّق مثل إتاحة الحصول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمزيد من الوظائف للشباب، والإصلاحات في وزارة الداخلية.