هل سيؤدّي تواجد «داعش» إلى إنسحاب أميركي ودخول «الناتو»؟

علوان نعيم امين الدين

انتهى عام 2013 على توقيع اتفاق اطار بين كلّ من إيران والمجموعة الدولية 5+1 . لقد كان إنجازاً بعدة مقاييس، خصوصاً أنه جاء بعد خصومة دامت لأكثر من ثلاثة عقود بين واشنطن وطهران، مما شكل نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين.

غير أنّ هذا الاتفاق شكل «صدمة سلبية» للعديد من حلفاء واشنطن العرب، خصوصاً الخليجيين منهم. لقد اعتبروا هذه الخطوة الأميركية انتهاء فعلياً لتفاهمات حيوية بدأت منذ الحرب العالمية الثانية، وتركهم وجهاً لوجه في مواجهة إيران، التي أكدت العقوبات الدولية المفروضة عليها مدى صلابتها في تحمّل الضغوطات ومواجهة التحديات. بمفهومهم، سيتسبّب في تراجع دورهم الإقليمي، وسيخسرون نفوذهم في المنطقة لصالح طهران.

بناء على ما سبق، رفضت المملكة العربية السعودية تسلّم مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن كنوع من الاحتجاج، حيث تمّ إسناده إلى المملكة الأردنية، وقام العديد من مواقع القرار فيها بـ«حملة هجومية» على الرئيس الأميركي باراك أوباما.

إضافة الى ذلك، شهدت العلاقات السعودية – الأميركية توتراً على خلفية الأحداث في مصر، خصوصاً مع دعم واشنطن لـ«الإخوان المسلمين» عبر زيارات قام بها كبار مسؤولي الإدارة زيارة مساعد وزير الخارجية السابق جيفري فيلتمان، وأعقبتها زيارة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلنتون ، مما استدعى رداً سعودياً باعتبار هذه الجماعة منظمة إرهابية وأدرجتها على لوائها الخاصة بالإرهاب.

يُضاف الى ما سبق، موقف واشنطن المتذبذب من إزاحة «الإخوان المسلمين» وتسلّم المشير عبد الفتاح السيسي لمقاليد الحكم بعد إجراء انتخابات رئاسية. من هنا، تعهّدت السعودية بمساعدة مصر في العديد من المجالات خصوصاً النقدية منها في حال تمّ إيقاف المساعدات الأميركية لها.

كما ظهر التوتر مع واشنطن من خلال الأزمة السورية، حيث أثبتت الأحداث عدم قدرة الولايات المتحدة على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، او حتى إرغامه على التنحّي، كما أنها، وفي نظرهم، لم تقدّم ما يكفي من الدعم العسكري للمعارضة السورية من أجل تحقيق إنجازات ميدانية تساعد في تحسين شروط التفاوض، الأمر الذي أدّى الى فشل مؤتمر «جنيف 2».

وكان الرئيس الأميركي باراك اوباما قد أعلن، في شهر كانون الثاني 2012، أنّ الولايات المتحدة «لم تعد قادرة على خوض الحروب في العالم»، وأكدت على ذلك كلمة وزير الخارجية الأميركي جون كيري امام مجلس الشيوخ، 3 ايلول 2013، بأنّ الرئيس اوباما «لم يطلب من بلاده الدخول في الحرب السورية.»

ولتفادي مزيد من التدهور في العلاقات الثنائية، قام الرئيس الأميركي بزيارة المملكة والتقى الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز للتخفيف من التوتر، غير انّ العديد من الشخصيات السعودية لم يكن لديهم النية للقائه. وضمن هذه الزيارة، اكد اوباما أنه «لن يكون هناك اتفاق سيّئ مع ايران»، في إشارة واضحة الى انّ الاتفاق هو أمر حتمي.

أدركت العديد من الدول الخليجية قدرة أميركا النفطية المستقبلية، حيث يتوقع ان تصبح عام 2030 اول مصدّر للنفط في العالم، وهذا الأمر سيجعلها تبتعد عن منطقة الخليج بالتحديد جراء تبنيها لسياسة «الخروج الآمن والتوجه شرقاً»، في إشارة الى الاستراتيجية الجديدة التي تخطط لها من خلال التوجه الى منطقة المحيط الهادئ لتتفرّغ لمواجهة العملاق الصيني والعمل على تطويقه.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل وجود «داعش» سيؤدّي الى خروج أميركي آمن؟ ويستدعي «الناتو» كبديل عسكري عنه؟!

لقد كان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن سباقاً في إعلان الحرب على الإرهاب، وأصبحت الولايات المتحدة هي قائدة التحالفات الدولية للقضاء على التنظيمات الإرهابية في العالم، وأعطت لنفسها الحق في التدخل بقرارات وطنية دون الرجوع الى المؤسسات الدولية.

من هنا، يرى العديد من الخبراء السياسيين أنّ بعض أصحاب مراكز النفوذ في الدول الخليجية والمرتبطين بالمحافظين الجدد أقدموا على اتفاق ثنائي من «تحت الطاولة» لإيجاد «داعش» نتيجة تضرّر مصالحم هم يتبعون الى شركات لها مصالح نفطية من جهة، وعسكرية من جهة ثانية ، فأيّ خروج للولايات المتحدة سيرتدّ عليهم سلباً. وما يعزز هذه الفرضية، عدم قدرة الإدارة الحالية للرئيس أوباما على وقف تمويل تنظيم «داعش» الذي تقوم به بعض الأجنحة المتشددة بالرغم من الضغوط التي يحاول فرضها.

ضمن نفس السياق، تأتي حادثة «تشارلي ايبدو» في فرنسا التي تبناها فرع «القاعدة» في اليمن وقبلها تنظيم «داعش». هذه الحادثة تذكرنا بهجمات 11 ايلول الأميركية، وكيفية استنهاض المواطنين لدعم الإدارة الأميركية في محاربة الإرهاب أينما وجد، وتشديد الرئيس جورج بوش الابن على ملاحقتهم حتى في جحورهم. فما حدث في فرنسا، أيقظ الأوروبيين على خلايا نائمة موجودة ومستعدة كي تنشط في أيّ وقت.

يرى البعض إنّ ما أعلن للرأي العام الفرنسي بأنّ هذه الاحداث قد وقعت بسبب الرسوم المسيئة للرسول هي نصف الحقيقة، فهم يضعونها ضمن خانة تحذير باريس من ايّ تدخل عسكري خارجي، خصوصاً بعد ترؤسها للعمليات العسكرية التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي في ليبيا عام 2011، غير انّ فرنسا أصرّت على تدخلها وأرسلت حاملة الطائرات الوحيدة لديها «شارل ديغول» الى منطقة الخليج.

الى جانب النشاط الفرسي المستجدّ، يُسجل نشاط بريطاني بارز تمحور في إنشاء فرع لكلية «سانت هريست» العسكرية البريطانية في منطقة شمال الأردن، في موقع قريب من إقامة الملك عبدالله بن الحسين كما ظهر واضحاً العزم على العودة الى المنطقة من خلال الاتفاق مع البحرين لإقامة قاعدة عسكرية في ميناء سلمان حيث تقدر كلفة البناء بحوالي 15 مليون جنيه استرليني. وفي حديث له، أكد وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أنّ «هذه القاعدة الجديدة تشكل توسّعاً دائماً للبحرية الملكية وستسمح لبريطانيا بإرسال سفن أكبر لتعزيز استقرار الخليج»، وأضاف «سنتمركز من جديد في الخليج لفترة طويلة.»

على ما يبدو انّ الولايات المتحدة مصرّة على التوجه شرقاً، ولعدم خسارة حلفائها في المنطقة سيحلّ «الناتو الأوروبي» مكانها لتتفرّغ لمواجهة الصين.

بنظرة بسيطة الى المشهد الاقليمي، يتبيّن أنّ الولايات المتحدة ليست مستعجلة للقضاء على تنظيم «داعش»، فعند إحصاء عدد الغارات التي شنها التحالف منذ العام الماضي الى اليوم، يتبيّن أنها لم تتجاوز الغارات التي استهدفت تنظيم «القاعدة» في افغانستان، او نظام الرئيس العراق صدام حسين خلال «اسبوع». مما يظهر بأنّ ليس للولايات المتحدة نية في إنهاء المهمة، خصوصاً أنها مستفيدة بطريقة غير مباشرة من هذا التنظيم للضغط على النظام في كلّ من العراق وسورية وتركيا، كما انها ستقدمه «هدية» لحلفائها الغربيين لكي يتقاضوا أموالاً اكثر على عملهم طالما أنّ التنظيم ما زال موجوداً.

كلّ هذه الاحداث تفسّر عدم إرادة الولايات المتحدة التورّط في الخليج، لا سيما مع تقاطر معلومات ميدانية مؤكدة تفيد عن وقوع اشتباكات بين تنظيم «داعش» في العراق والقوات الأميركية المتواجدة هناك، لكن واشنطن سارعت الى نفي الموضوع.

يسعى اوباما، في الربع الرابع والأخير من ولايته، الى تحقيق اإنجاز ما بعدما فشل في العديد من الملفات الداخلية. انه يريد إنهاء الاتفاق النووي مع إيران، بينما يسعى الجمهوريون الى عرقلته بعدما حصدوا الأغلبية في الكونغرس. لذلك، جاء تهديده، في خطاب حالة الاتحاد، بأنه سيردّ عليهم باستعمال حق النقض في حال تبنى الكونغرس أية عقوبات جديدة محتملة.

فهل ستستطيع الولايات المتحدة في عهد اوباما الخروج من المنطقة آمنة بحسب الأجندة التي رسمتها؟! ام انّ حدثاً كبيراً قد يؤجل هذا الخروج أو يجعلها شريكاً رغماً عن إرادتها؟!

موضوع سينشر في صحيفة «لندرو» الإيطالية

وعدد من المواقع الاجنبية

باحث في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى