من دمشق إلى بيروت… حماة الديار عليكم سلام

فاديا مطر

لا يمكن قراءة الحاضر جيداً من دون الرجوع إلى الماضي وأحداثه وتحليلاته لأنه يعيد الذكرى إلى الأذهان. فبعد احتلال فرنسا لسورية عام1920 بقيادة الجنرال غورو، واجهت مقاومة عنيفة من الجيش السوري في أولى معاركه ضدّ الاحتلال الفرنسي، معركة ميسلون بقيادة يوسف العظمة الذي استشهد أثناء المعركة وكان آنذاك وزيراً للحربية، بجيش لا يتجاوز تعداده 3 آلاف متطوع بأسلحة بسيطة.

وقبل ذلك بسنوات كانت السفن الحربية الإيطالية قد وصلت إلى بيروت 1912 وأطلقت نيرانها على السفن الراسية في ميناء المدينة، ما سمح لفرنسا بالإعلان عن مصالح خاصة في سورية ولبنان، ليتبعه في العام1918 إعلان عصبة الأمم فرض الوصاية على سورية ولبنان، أو ما عُرف بالانتداب.

انتهى الانتداب الفرنسي في 17 نيسان 1946 وأُعلن استقلال لبنان وسورية، ليمرّ البلدان بتقلبات سياسية مع بدء تشكيل إطار معالم الدولة فيهما، سياسيا ًوعسكرياً، ليتمّ احتلال فلسطين بعد عامين وإقامة الكيان «الإسرائيلي» على أرضها.

بعد ذلك جاءت حرب عام 1967 التي نشبت بين «إسرائيل» وكلّ من مصر وسورية والأردن وأدّت إلى احتلال «إسرائيل» لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وهي ثالث حرب ضمن الصراع العربي ـ «الإسرائيلي».

ورغم أنّ تلك الحرب خلفت الكثير من الخسائر والدمار في تلك البلدان، بالإضافة إلى تدمير معظم العتاد الحربي في الدول العربية، ورغم ما خلفته من شعور عربي بالهزيمة، إلا أنّ العلاقة بين سورية ولبنان بقيت مميّزة ووطيدة بين هذين البلدين اللذين كتب لهما القدر بقلم التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة أن يتجاورا الأزمات الكثيرة التي مرّت بهما وبالمنطقة. فقد عاش لبنان وسورية تحت الانتداب الفرنسي بعد رسم حدودهما في اتفاقية «سايكس ـ بيكو»، لكنهما قادا معاً معركة الاستقلال والجلاء عبر جيشين دافعا بكلّ شراسة عن السيادة.

في كانون الثاني عام 1976 دخل الجيش السوري إلى لبنان، بعد عام على اندلاع الحرب الأهلية فيه، تحت غطاء جامعة الدول العربية ليضع حداً للنزاع العسكري. بعد ذلك كانت سورية، على مرّ السنوات أحد أركان محور دعم المقاومة في مواجهة العدو «الإسرائيلي» ومشاريعه وأطماعه، وكانت القوى الوطنية اللبنانية متمسكة ببقاء القوات السورية من أجل دحر العدوان. كما جمعت البلدين علاقات مميّزة بمباركة عربية ودولية ترجمتها معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق عام 1991 والتي نصت على أن «تعمل الدولتان على تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كلّ منهما». كما نصت المعاهدة على أن «تعمل الدولتان على تحقيق التعاون والتنسيق بين البلدين في المجالات الاقتصادية والزراعية والصناعية والتجارية والنقل والمواصلات والجمارك وإقامة المشاريع المشتركة وتنسيق خطط التنمية».

شكلت هذه الاتفاقية نموذجاً مثالياً للعلاقات بين البلدين بعد اتفاق الطائف، وشدّدت المادة الثالثة منها على «أنّ الترابط بين أمن البلدين يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية، وسورية لأمن لبنان في أي حال من الأحوال وعليه فإنّ لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأيّ قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية، وأنّ سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه، لا تسمح بأي عمل يهدّد أمنه واستقلاله وسيادته».

من هنا وانطلاقاً من وحدة التاريخ والجغرافيا والمسار والمصير، وبعد كلّ التطورات التي شهدتها سورية بعد الحرب الكونية عليها، وأدّت الأزمة السورية إلى استيراد توترات ولدتها التناقضات الإقليمية والدولية إلى الداخل اللبناني، ما ولد شرخاً سياسياً كبيراً وتباينات في النظرة إلى تلك الأزمة، لا يزال هناك من المراقبين من يؤمن ويؤكد أنّ دمشق وبيروت قادرتان على استعادة علاقات الأخوة والحرص المتبادل، بما يخدم أمن واستقرار المنطقة، وأن تتوحدا حول خطة ورؤية مشتركة لمحاربة الإرهاب التكفيري الذي يخوض جيشا البلدين مواجهات ضدّ هذا العدو الذي يريد تدمير المنطقة ويخدم مخطط تقسيمها وإزالة معالم الحضارة والتنوع المتجذر فيها. وها هي المقاومة اللبنانية الداعمة للجيشين السوري واللبناني معاً، تقف في وجه كلّ ما يُحاك للبلدين من مؤامرات تستهدف قوامهما التكتيكي والعقائدي ضمن مشروع كبير يستهدف غزو المنطقة بأكملها. الأول من آب عيد الجيش في سورية ولبنان الموحّد النشأة والنواة ورمز الولادة المشتركة والمصير المشترك، أمام العدو القديم ـ الجديد. فإلى حماة الديار في عيدهم سلام. ننحني أمام بطولاتكم ودمائكم الزكية، في مواجهة التكفيريين والمرتزقة والمحتلين الجدد. فكلّ عام وأنتم بخير جيشنا الباسل ومقاومتنا الصامدة .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى