مقارنة بين العرب والعجم

د. رائد المصري

بهدوء ومن دون تسرّع، فلنقارب موضوع التظاهرات التي جرت في إيران وفي أكثر من مدينة فيها لمطالبة الحكومة بإصلاحات اقتصادية، جرى عصر النفقات واعتماد سياسة التقشّف المرحلية في الآونة الأخيرة من قبل الرئيس حسن روحاني لإعادة تدوير الرأسمال والاقتصاد الجديد، بعد الانتهاء من التوقيع على الملف النووي والشروع في التحرّر من الحصار والخناق الغربي، والذي عانى ولا يزال الشعب الإيراني من أزمات اقتصادية بسبب هذه العقوبات والحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران بعد الثورة الإسلامية فيها منذ أكثر من 38 عاماً…

فالشعب الإيراني هو ككلّ شعوب الأرض مختلف ومتفاعل ومتجانس، وله آراء في السياسة والاقتصاد والتنوّع والتعدّدية والديمقراطية وغيرها. وهذا الحراك الأخير، أظهر أنّ له الطابع الاقتصادي والمعيشي الصرف من دون أيّة تداعيات أخرى مشبوهة، يحاول الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وبعض دول الخليج ركوب موجاته، واعتباره الفرصة المناسبة لهزيمة إيران في المنطقة، وفرض مشروعهم التكفيري الصهيوني القاتل بعد أن فشلت أدواته التدميرية في سورية والعراق ولبنان ومصر…

إذن، فالإيرانيون يحتجّون في الشوارع من دون أن يسقط منهم آلاف القتلى والجرحى برصاص الأمن في أكثر من مدينة، ضمن سلسلة تظاهرات مندّدة بغلاء المعيشة وكلفة الأوضاع الاقتصادية العالية، مردّدين شعارات معادية للرئيس روحاني ومنتقدين سياسة البلاد الخارجية، ما يعني أنّ هناك معارضة واختلافاً في الرأي رغم تفاوت أحجامها، وهو دليل صحيّ في مسار الحياة السياسية بالحدّ الأدنى.

ولا بدّ من أن نشير إلى أنّ مطالب المتظاهرين بالقضاء على الفساد وضرورة الاهتمام بظروف المواطن الإيراني المعيشيّة وتحسينها، هي مطالب مشروعة ولم يُنكرها أحد لا على مستوى النخب السياسية ولا على المستوى الحكومي الرسمي.

أيضاً وكما في كلّ مجتمع متفاعل ومختلف برؤى وتعدّديات متنوّعة، خرجت تظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف في أكثر من مدينةٍ، رفع المتظاهرون خلالها صور المرشد الأعلى والرئيس روحاني، وأدانوا «المتظاهرين» ووصفوهم باتهامات مضادة كإثارة الفتنة في البلاد.

وقبل الحديث والإشارة إلى الظروف الاقتصادية الصّعبة التي تواجهها إيران نتيجة الحصار الاقتصادي الخانق عليها من قبل الغرب، بحيث لم تبدأ بتصدير النفط بشكل كامل إلاّ منذ فترة زمنية قريبة، يُشار إلى مفارقة مهمّة ولمن يريد ركوب موجات هذه التظاهرات والعمل على سنّ سيوف وخناجر الغدر، واعتبارها اللحظة التاريخية المناسبة في عدم تفويت الفرصة التي كانت متاحة خلال تظاهرات عام 2009، فإنّ الرئيس حسن روحاني هو مَن كان القائد الأعلى وعلى رأس هذه التظاهرات، وهو اليوم رئيس الجمهورية الحالي حيث يتظاهر الناس ضدّ سياساته الاقتصادية. وهو أمر مشروع ومحق من دون أن يعدم أو أن يتمّ اغتيال أحد أو أن يُسجَن أحد.

وكان اللافت في هذا الشأن أيضاً، الفرحة العارمة والابتسامات الكبيرة عند بعض العرب ودول الخليج لهذه الاحتجاجات في إيران، حيث إنّ المواطن في هذه الدول يُسجَن ويُسحَق ويتأبّد في الزنازين نتيجة تغريدة كتبها أو شعار رفعه أو رأي معارض أطلقه، أو مطالبة بإصلاح ولو طفيفٍ على النظام السياسي أو الاقتصادي، في ترجمةٍ لعقم فكري انهزامي مسلّم لقضاياه ولمقدّساته للمستعمر الأميركي والصهيوني بكلّ صفاقة ووقاحة…

رغم إحراق صور المرشد الأعلى من قبل المتظاهرين، لم تطلق الشرطة النار عليهم، فماذا لو حصل ذلك، وقد حصل بالفعل في دول ومدن خليجية وعربية بحقّ مواطنين محتجّين على الأوضاع الاقتصادية ومطالبين بإصلاحات سياسية؟

ومع ذلك تبقى نسبة البطالة في إيران أقلّ بكثير من نظيرتها في السعودية مثلاً، الأكثر تصديراً للنفط وشراءً للترسانات العسكرية وللأسلحة…

وكي لا نكون غلاة أو مغالين في الدفاع أو مقاربة الوقائع، فالديمقراطية في إيران ليست من الطراز النموذجي وليست من المراتب الأعلى في التصنيف العالمي، لكن على الأقلّ تستطيع الناس التعبير عن آرائها وانتقاد النظام والمطالبة بالإصلاحات، من دون أن يتعرّض أحد فيها للقتل أو للاعتقال، والدليل في التاريخ الحديث واضح في هذا الشأن، لكن ليس من زاوية الرؤية والموقف الغربي والأميركي بالطبع.

هنا لا بدّ من الرّبط في التحليل السياسي من خلال المعطيات التي بين أيدينا، والتي تفيد بأنّ التربّص الأميركي الاستعماري والصهيوني جاهز ولديه أدواته، وهي مشاريع تمّ الكشف عنها، وصرّحت بها نخب سياسية في أميركا ودولة الاحتلال الصهيوني في تنفيذ الاتفاقيات التي عُقدت، وكان طابعها سرّياً لزعزعة الاستقرار في إيران، وهو ما صرّح به وكشف عنه منذ أشهر وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، بنقل المعركة الى الداخل الإيراني في تدخّل واضح وفادح للشؤون الداخلية للدول…

هي سياسات مستمرّة طالما تعوّدت شعوب المنطقة عليها لتنفيذ الاتفاقيات السرّيّة والعلنيّة مع المستعمرين لزعزعة وضرب استقرار أمن أيّ دولة عربية وغير عربية تعارض سياسات الاحتلال الصهيوني لفلسطين وللأرض العربية، وتعارض الهيمنة لنهب خيرات الشعوب الفقيرة والمدافعة عن الحق والكرامة، في مقدّمتها العراق وسورية وليبيا والجزائر واليمن التي كانت هذه الدول من أول وأبرز ضحايا هذه المخططات ولا تزال، حيث يتمّ الانتقال مجدّداً الى إيران لوضعها في الخانة العربية نفسها المعارضة لسياسات الغطرسة والاستعمار والمناصرة لقضية فلسطين بوجه المشروع الصهيوني…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى