«سابراك» على خطى «ايباك»… لوبي سعودي في واشنطن… الجدوى والفعالية!

اكتست واشنطن ببياض عاصفة ثلجية أقعدتها عن تواصل مواطنيها المعتاد، وتعطلت أعمال الدوائر الرسمية والمؤسسات الأخرى، ومنها مراكز الفكر والأبحاث.

سيستعرض قسم التحليل مسألة تأسيس «لوبي سعودي» التي برزت في خضمّ الصقيع والعاصفة الثلجية، وهي ليست المنفذ الوحيد لجماعات الضغط التقليدية التي تتقاضى أموالاً طائلة مقابل جهود لا تسبّب عرقاً او عناء. الدوائر المقرّبة من السلطات السعودية، بما فيها مؤسسات وشركات الترويج والدعاية والضغط، توصلت الى نتيجة مفادها انّ سعي الحكومة السعودية لاستمالة صنّاع القرار السياسي الأميركي أخفقت في مردودها وينبغي إنشاء «مؤسسة» مستقلة تقتدي باللوبي «الاسرائيلي»، هيكلاً وإمكانيات. والنتيجة التي يسوقونها ستكون تكراراً للمسار القاصر الماضي.

روسيا في سورية

استعرض معهد أبحاث السياسة الخارجية عناصر وأهداف الاستراتيجية الروسية في سورية، مشيراً الى انها «استفادت عالياً من تجربتها في القوقاز بعد تفكك الاتحاد السوفياتي»، وأضحت العقيدة الروسية تنظر بعين أشمل إلى دورها في «عموم المشرق العربي… وأبعد ما يكون عن مبادئ احترام سيادة الدول الاخرى»، التي تمّ ارساؤها في معاهدة صلح ويستفاليا، 1648، التي وضعت حداً لحرب الثلاثين عاماً التي اجتاحت القارة الاوروبية. وزعم انّ استراتيجية روسيا «تهمل اعتبارات الحدود ومفاهيم السيادة الوطنية في سياق مكافحة التمرّد». واضاف انّ الصراعات الجارية في المشرق العربي «وانخراط مجموعات جهادية عابرة للحدود تبرز أوجه التشابه مع ازمة الشيشان في عقد التسعينيات، وتأثر الصراع على نحو متزايد بمطالب الشيشان للأسلمة، وترابطها مع شبكات الجهاديين». وخلص المعهد إلى القول انّ روسيا اعتمدت آنذاك «سياسة فرّق تسُد واستقطاب حلفاء لها من بين صفوف اعدائها».

مصر

تناول معهد كارنيغي أزمة الاقتصاد المصري والدور المحوري «للرئيس السيسي في صياغة الأجندة والتوجهات الاقتصادية العامة»، عبر إصداره مراسيم رئاسية متتالية «تتجاوز الهيئات الحكومية القائمة، وتتميّز بالتضارب والتناقضات»، مشكّكاً في الوقت نفسه بفعالية ونجاعة تلك التدابير «بل قد تفاقم المشاكل القائمة او تسفر عن نشوء مشاكل جديدة». واتهم المعهد الرئيس السيسي «بتسهيل عودة جماعات المصالح العسكرية في مصر، وحدود مداركه لطبيعة وأسباب المشاكل البنيوية في مصر». واضاف انّ تركيز القيادة المصرية على «المشروعات العملاقة يعكس اعتقاداً تبسيطياً بأنّ حجمها الهائل سيخفّف معدّل البطالة المرتفع»، اذ تشير الإحصائيات الى ارتفاعه لنسبة 12.8 . وفنّد المعهد الادّعاءات التقليدية بتضخم الجهاز الإداري للدولة والذي «لا يعتبر كذلك نظراً الى العدد الكلي للسكان او القوى العاملة، مقارنة مع المتوسط العالمي لبلدان مشابهة». وخلص إلى القول انّ الرئيس السيسي «يخاطر في الوقوع بشكل دائم في الحلقة المفرغة للاقتصاد المصري».

ايضاً، استعرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى الازمة الاقتصادية في مصر المتمثلة في «ركود النمو الاقتصادي، وانخفاض احتياط العملات الاجنبية ، وارتفاع معدلات التضخم ونسب البطالة المرتفعة بين فئة الشباب». واضاف انه نظراً لعمق الازمة «يسود الفتور فئات الشعب للقيام بانتفاضة جديدة، والإحجام عن الدخول في مغامرات سياسية». وحذر المعهد من «بوادر عدم الاستقرار التي تلوح في الأفق وسببها توترات تعصف بنظام السيسي». واوضح ان أركان النظام المقصودة هي «تحالف مراكز قوى فضفاضة تضمّ مؤسسات رسمية مثل الجيش والاستخبارات والشرطة والقضاء، وعشائر متنفّذة في دلتا النيل، وقبائل في صعيد مصر، ومؤسسات إعلامية خاصة، وقطاع الأعمال».

المفاوضات الفلسطينية ــ «الاسرائيلية»

لفت مركز السياسة الأمنية الأنظار الى جهود وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، في تنشيط المفاوضات المتعثرة بين «الفلسطينيين والاسرائيليين»، استند فيها الى المفرج عنه من مراسلات الوزيرة «عبر حثها الفلسطينيين على التظاهر سلمياً دون عنف ضدّ اسرائيل». واضاف انّ برقية مرسلة من السفير الأميركي لدى تل ابيب آنذاك، توماس بيكرينغ، شدّد فيها على «حظر كلينتون من نشر الفكرة الجهنمية»، خشية تسرّبها للجانب «الاسرائيلي». وأوضحت برقية السفير الأميركي انه «باعتقاده ينبغي الحذر من عدم ظهور ايّ دور للولايات المتحدة في حفز، تشجيع او الظهور بالقوة الخلفية وراء التحرك المقصود لأسباب تدركينها أفضل من ايّ فرد آخر». وجاء في البرقية أيضاً انه ينبغي «حشد المجموعات الليبرالية غير الربحية في اسرائيل» لتبنّي الفكرة والمبادرة لتنفيذها، فضلاً عن إشراك «المنظمات غير الحكومية لدى الطرفين».

الجزيرة العربية

أثار معهد كارنيغي مسألة خصخصة الحكومة السعودية لشركة «أرامكو» للنفط وما تمثله من فرصة «للاعبين المصرفيين الدوليين لعب دور مباشر في استقرار المؤسسة النفطية، في ظلّ مناخ تخضع فيه العلاقات الثنائية القديمة مع الولايات المتحدة الى تدقيق وفحص اكبر». ولفت النظر الى آلية الحكم القائمة على «الملكية المطلقة، بيد انّ سلطة الملك ليست كذلك… فالسلطة التنفيذية في السعودية تخضع لشبكات من التحالفات تتحوّل باستمرار ضمن العائلة المالكة». واوضح انّ من شأن «خصخصة ارامكو ان تعزز شفافية مصادر تمويل المملكة والتي يعارضها أمراء أقلّ شأناً، لخشيتهم من تقلص مصادر الثروة والنفوذ».

الأكراد بين روسيا وتركيا

تناول صندوق مارشال الألماني أوضاع الكرد في السياسات الروسية التركية المتباينة في أعقاب إسقاط تركيا للقاذفة الروسية مما أسفر عن «زيادة روسيا لسبل دعمها للأكراد السوريين… وأمن المنطقة الكردية، بحكم الواقع، من سلاح الطيران التركي عقب تفعيل بطاريات اس – 400 في قاعدة حميميم». واضاف انّ روسيا أضحت «لاعباً هاماً ذا مصلحة في السياسات الكردية… وقوة محورية في سورية». وأردف انه من مفارقات الزمن انّ حلفاء تركيا «مثل الولايات المتحدة والمانيا يقيمان علاقات أيضاً مع الكرد، وساهم الدعم الروسي في تحقيق وحدات حماية الشعب الكردية إنجازات هامة». وخلص إلى القول انّ أشدّ ما تخشاه أنقره «إنشاء القوى الكردية منطقة آمنة تربط جيب كوباني عين العرب بعفرين كمنطقة متواصلة على محاذاة الحدود التركية».

توظيف الذكاء الاصطناعي

استعرض معهد كاتو التقدّم التقني في مجالات متعدّدة تسخر في خدمة وسائل الحرب «لا سيما الروبوتات والذكاء الاصطناعي، مما وفر لقوات الحلفاء المشتركة سيطرة التكتيكات الهجومية على أرض المعركة ابان حربي العراق واحتلاله. واستدرك المعهد بالقول انّ العدوان «الاسرائيلي» على لبنان عام 2006 شهد استثناء لتوظيف التقدّم التقني، اذ أثبتت الحرب انّ «مجموعات غير تقليدية مسلحة بأسلحة متطوّرة مضادّة للدّروع تمتلك إرادة التصميم رجحت كفة الاستراتيجية الدفاعية». وخلص بالقول انّ نتائج تلك الحرب سجلت دروساً يُحتذى بها خاصة وانّ «خوض المعارك البرية التقليدية أضحت اكثر فتكاً وأقلً كلفة .. كما تمّ توظيف سلاح المدفعية بنجاح كبير بعد إصابته الأهداف بدقة».

مناسبة هذا العرض ليس لغرض سبر أغوار إنشاء مجموعة ضغط لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية في واشنطن، رغم أهميته الفائقة، وتبيان الخلل البنيوي في ذهنية التفكير بذلك للتنافس او التماهي مع اللوبي «الاسرائيلي»، فحسب، بل لكشف ضياع البوصلة لدى القوى المتنفذة في القرار الرسمي العربي وديمومة مراهنتها على نظرية تثبت تصوّرها الخاطئ بأنّ «أوراق الحلّ بيد أميركا»، وهدرها للأولويات والتحديات المعيشية التي تعصف بكافة المجتمعات العربية.

يبدو من توقيت «الإعلان» عن السعي إلى تشكيل لوبي سعودي انه يأتي في سياق تحوّلات دولية وإقليمية بارزة تشهد فيها الولايات المتحدة تراجعاً في مدى اهتماماتها الإقليمية «وتحوّل أولوياتها صوب الشرق الآسيوي» لمقارعة صعود الصين القوي وتقييد اللاعب الروسي بعد ان فرض التعددية القطبية على الاستراتيجية الأميركية. ويأتي ايضاً في اعقاب دخول الاتفاق النووي مع إيران حيّز التنفيذ الفعلي والإفراج عن اصول إيران المجمّدة في المصارف الأميركية والغربية، الأمر الذي يفرض تساؤلاً محورياً حول صوابية الخطوة وهوية المستفيد الحقيقي.

معظم الأنظمة العربية، اذا استثنينا سورية واليمن – والصومال لظروفه الاقتصادية والسياسية الخاصة، بما فيها السلطة الفلسطينية، توظف طاقات وأموالاً كبيرة لإنشاء عدد غير قليل من المؤسسات واللوبيات و«مراكز» وشركات محاماة كبرى تتقاضى مبالغ خيالية لقاء جهد من العسير ترجمته لمصلحة الأمة العربية ونادراً جداً لصالح الأنظمة التي توظفها.

نظرة الدوائر الأميركية المتعدّدة لمسألة اللوبيات «العربية» وتنويعاتها لا يشوبها ايّ غموض لناحية هدفها كمصدر للاسترزاق الصرف. واليكم ما جاء في تقييم صريح وصادم لإحدى المؤسسات التي تتلقى بضع مئات آلاف الدولارات شهرياً…

«العديد من الهيئات غير الربحية النافذة في واشنطن تعتمد على دعم الحكومة السعودية، ومنها المجلس الاطلسي». وهو احد مراكز النخب الفكرية في العاصمة الأميركية.

واضافت انّ اللوبي «الجديد» يسعى «لتغيير سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي لم تعد تعجب السعوديين كثيراً بعد فشلها في حسم الأزمة السورية، وتقاربها الكبير مع طهران». ربما يعجب هذا السرد مصادر التمويل كونه يحاكي غرائزهم ورغباتهم ويدغدغ عواطفهم. أما السياسة الأميركية في الحقيقة فلا تخضع لأهواء او تقلّبات أيّ من حلفائها، فالفيصل هنا هو المصالح طويلة الأمد وهي التي تتحكّم برسم خطوط وآفاق السياسة الخارجية الأميركية.

تجربة المجرّب ومردود باهت

انفردت شبكة سي ان ان الإخبارية بنسختها العربية الالكترونية إعلان «انطلاق لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأميركية سابراك»، في شهر آذار المقبل، بتعليل يكاد يكون أقرب الى الطرفة منه الى أمور وقضايا تؤخذ على قدر عالٍ من الجدية والالتزام والمسؤولية. برّر إعلان الشبكة ولادة المؤسسة في سياق «محاولة لإحداث توازن في القرار الدولي… نظراً إلى افتقاد المملكة لجماعات ضغط لوبي تنقل رأيها الى المستويات السياسية العليا».

تدقيق عابر بمبرّر إنشاء اللوبي يعيد المرء بوعيه وإدراكه الى نقطة الصفر. يقول إعلان شبكة التلفزة انّ «مكتب اللجنة… سيشكل نقلة نوعية في تاريخ العلاقة السعودية الأميركية والتصدّي لمحاولات تشويه وتنميط او اساءة لعرض ثقافة المملكة».

يدرك القاصي والداني أنّ «الإساءة» العالمية للسعودية مردّها إلى السياسات المتخلفة والمسلكيات التبذيرية لمسؤوليها ونخبها الاقتصادية، بل تستحضر رواية اعتداءات 11 أيلول في ذهن الشعب الأميركي مسؤولية معظم الفاعلين من الجنسية السعودية، وفيض الوسائل الإعلامية بروايات الإعدامات التي تقوم بها «المملكة» كسياسة ثابتة.

تنبغي الإشارة الى «شعبية» المملكة السعودية المرتفعة في الوعي الأميركي قبل ربع قرن من الزمن، نظراً «لاستضافتها» القواعد الأميركية والترسانة العسكرية الضخمة وتأهيل القوات الأميركية على أراضيها عند الإعداد للعدوان على العراق واحتلاله.

لن يجد المرء عناء في التوصل إلى قياس توجهات الرأي العام الأميركي، للعامة والسياسيين والنخب الفكرية على السواء، وتدنّي معدّلاتها الى الحضيض في ما يخصّ النظرة إلى المملكة السعودية، التي يطغى عليها «نزعة التعصب وانتهاكها لحقوق الانسان… وتنفيذها عقوبات الإعدام بجزّ الأعناق، فضلاً عن تدنّي مكانة المرأة هناك وحرمانها من قيادة السيارة».

السلطات السعودية كانت تعي منذ زمن عدم الرضى الجمعي وإدانة سياساتها في أميركا بشكل خاص، والدول الغربية بشكل عام. وأنفقت في هذا الصدد مبالغ «خيالية» منذ نحو 25 عاماً «لتلميع صورتها داخل الولايات المتحدة».

أشارت إحدى المؤسسات التي توظفها الرياض الى انّ «المملكة تحتفظ منذ سنوات بعدد كبير من المكاتب القانونية ومؤسسات الضغط، للتأثير في الرأي العام الأميركي وفي السياسة الأميركية». وتغاضت تلك المؤسسات عن تحديد حجم المردود للاستثمارات الضخمة، وعدم استساغة الشعب الأميركي بكافة فئاته سياسات تعود للقرون الوسطى.

«سابراك» و«ايباك» أبعد من ترادف صدفة

بداية ودون الاستناد الى ايّ فرضيات او استنتاجات مسبقة، تدلّ تسمية «سابراك» على تشابه شديد مع «ايباك»، اللوبي الصهيوني بالغ التأثير في الحياة السياسية الأميركية. الفارق الوحيد هو في إضافة كلمة «شؤون» للأولى. ربما لن يكون هذا دليلاً كافياً لاستنتاج التماهي بين الفئتين، بيد انه لا يجوز للمرء ان يغفل عن الظروف السياسية المواكبة لإنتاج «سابراك» وعلى رأسها اللقاءات العلنية الحصرية بين ضابط الاستخبارات السعودية «السابق» انور عشقي مع دوري غولد، مستشار نتنياهو.

عودة قليلة الى التاريخ القريب تدلّنا على رعاية «اللوبي الإسرائيلي» تشكيل لوبي لبناني في واشنطن، منذ بدايات «الحرب الأهلية اللبنانية»، تزعمها المنظمات والشخصيات اللبنانية المرتبطة بحزب الكتائب والقوات اللبنانية وتوّجت جهود الطرفين بموافقة واشنطن على انتخاب بشير الجميّل رئيساً للبنان، أيلول 1982، ومن ثم شقيقه أمين بعد اغتيال الأول.

مصادر خليجية مقرّبة من الوزير والسفير السابق في واشنطن عادل الجبير، أوضحت انّ السفارة السعودية في واشنطن «لا تعاني من حرج الإعلان بأنّ مستشارين من منظمة ايباك شاركوا في الإشراف على تشكيل اللوبي السعودي، سابراك».

اسبوعية «ذي نيشن» المقرّبة من صنّاع القرار السياسي اوضحت في تقرير لها، 18 ايلول 2015، انّ الأموال السعودية لا تزال قادرة على شراء النفوذ في واشنطن، على الرغم من تراجع اعتماد الاقتصاد الأميركي على واردات النفط الخام من الجزيرة العربية.

في مطلع العام الماضي، 15 نيسان 2015، نشر الصحافي الأميركي الشهير روبرت باري، مقالاً صادماً أفاد فيه انّ السعودية دفعت لحكومة نتنياهو نحو «16 مليار دولار، على الاقلّ، على مدى عامين ونصف العام، إسهاماً منها في مشاريع للبنية التحتية في اسرائيل مثل بناء مستوطنات في الضفة الغربية». ونسب الخبر الى مصدر رفيع في الاستخبارات الأميركية.

باري، من جانبه، نال شهرته في تغطيته المكثفة لفضيحة «إيران كونترا» وهو على رأس عمله في وكالة «اسوشيتدبرس» الأميركية للأنباء، ولا يزال يحتفط بعلاقات ودية مع أجهزة الاستخبارات الأميركية المتعدّدة.

ونقل باري عن مصادره الاستخباراتية مضمون مذكرة مصنفة «عالية السرية»، اعدّها وزير الخارجية الأسبق الكسندر هيغ للرئيس رونالد ريغان عقب عودته من جولة في «الشرق الاوسط»، نيسان 1981، ذكر فيها انّ الامير آنذاك فهد بن عبد العزيز نقل له ما قاله للجانب العراقي بأنّ قرار غزو لإيران سينال موافقة الولايات المتحدة. واضاف هيغ في مذكرته «كان… جديرأً بالاهتمام تأكيد الرئيس جيمي كارتر اعطاءه الضوء الاخضر للعراقيين عبر الامير فهد لشنّ حرب ضدّ إيران » الأمر الذي نفاه كارتر لاحقاً بشدة في مذكراته.

إغداق الأموال بلا حساب

الإنفاق السعودي المنظم على شركات ومؤسسات العلاقات العامة المتعدّدة في أميركا نال اهتماماً خاصاً منذ تسلم الامير بندر بن سلطان مهاممه كسفير للعائلة المالكة لدى واشنطن، والذي كان يطلق عليه تندّراً «لوبي الشيكات المفتوحة»، اذ بلغ معدّل الإنفاق آنذاك نحو 350 مليون دولار «تصرف على إعلاميين وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ… وبعض النخب السياسية».

وفرة المال السعودي بيد فريق محدود العدد شكلت هاجساً مستمراً لشراء النفوذ في مختلف الدول والمجتمعات، العربية والأجنبية، باعتراف اعضاء الاسرة المالكة. في أميركا بالتحديد، تمّ «توظيف» كبار المؤسسات المعنية بالعلاقات العامة لاستقطاب أعضاء سابقين ونافذين في الكونغرس والإدارات المتعاقبة بغية «تلميع أو تلطيف» الصورة النمطية للسياسة السعودية.

أحد مراكز الابحاث الأميركية الحصيفة، معهد الدراسات السياسية، اصدر دراسة حول حجم الإنفاقات السعودية قدّرها بنحو نصف مليون دولار شهرياً «على شؤون العلاقات العامة»، استناداً الى البيانات المتوفرة لدى وزارة الخارجية الأميركية الخاصة بسجلات «العملاء الأجانب».

وتحظى مؤسسة «كورفيس» بنصيب الأسد من الإنفاق السعودي تصل كلفتها نحو 240.000 دولار شهرياً، لقاء خدمات بديهية تتضمّن صياغة الخطابات وإصدار بيانات إعلامية ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وبث بعض الردود عبرها.

السيناتور الجمهوري السابق، نورم كولمان، من ابرز مكوّنات مجموعة «كورفيس»، ويرأس أحد أكبر «لجان العمل السياسي» للحزب الجمهوري، ولا يزال يحتلّ منصباً شرفياً في «مجلس الوقفية الوطنية من أجل الديمقراطية»، وهو يهودي الديانة. البيانات المتوفرة تفيد بأنّ عائلته غيّرت اسمها من «غولدمان» الى «كولمان». وإبان فترة خدمته في مجلس الشيوخ، وقّع كولمان على عريضة، عام 2005، يدين فيها أعضاء الكونغرس الحكومة السعودية لتوزيعها مطبوعات تحرّض على «الكراهية لليهود فيما يشبه فعل النازيين من قبل».

أفادت اسبوعية «ذي نيشن»، في شهر آذار 2015، انّ كولمان سيبدأ «بتقديم خدمات قانونية لسفارة المملكة العربية السعودية… تتضمّن تطوّرات القرارات السياسية المتعلقة بإيران»، لقاء رسوم شهرية معدلها 60.000 دولار. الجانب المثير في هذا الإعلان انّ كولمان يلعب دوراً مزدوجاً وفق تصنيفات القوانين الأميركية السائدة: يدير حملة «للجنة العمل السياسي» للحزب الجمهوري، وفي نفس الوقت يعمل مستشاراً لحكومة أجنبية ويتلقّى أموالاً مباشرة لقاء «أتعابه»، الأمر الذي حذّر منه الكثيرون خشية من الأرضية الخصبة التي توفرها للتلاعب والفساد وغياب الرقابة والشفافية.

في الشقّ السياسي المقابل، تستثمر السعودية في أقطاب الحزب الديمقراطي، من أهمّها «مجموعة بوديستا»، للعلاقات العامة التي تتلقى نحو 200.000 دولار شهرياً من مركز دراسات الشؤون الإعلامية المرتبط بالبلاط الملكي مباشرة.

يرأس طوني بوديستا المجموعة المذكورة والتي تعدّ من أكبر منظمي حملات التبرّعات للمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون، ويحتفظ بصلات وثيقة مع إدارة الرئيس أوباما.

مجموعة «دي ال ايه بايبر DLA Piper» تضمّ عدداً من الموظفين والمسؤولين السابقين، أبرزهم السيناتور ساكسبي تشامبليس وجورج ميتشيل.

الإنفاق السعودي الغزير على شبكات العلاقات العامة يشكل عائقاً أمام الإقرار بانتهاكات «المملكة» لحقوق الإنسان، التي تعجّ بها أروقة الكونغرس ووسائل الإعلام، وسرعان ما يتمّ إطفاء حرائقها بأموال النفط.

المؤسسات «غير الربحية» أيضاً تنال بعضاً من أموال النفط، على رأسها مراكز الفكر والأبحاث المتعدّدة. في إحدى جلسات الاستماع في لجان الكونغرس لوزير الدفاع السابق، تشاك هيغل، تمّ الكشف عن تلقّي «مجلس الأطلسي» اموالاً سعودية. هيغل، بعد استقالته من منصبه الرسمي أضحى احد اعضاء المجلس البارزين.

من المراكز الأخرى التي تتلقى اموالاً «سعودية» مباشرة: معهد الشرق الاوسط مجلس سياسة الشرق الاوسط مؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون.

في منتصف عام 2014 نشرت يومية «نيويورك تايمز» تحقيقاً حول تنامي نفوذ الدول الأجنبية في واشنطن وتسخيرها مراكز أبحاث مرموقة خدمة لسياساتها الآنية. وقالت انّ «الترتيبات تشمل معظم مراكز الأبحاث الكبرى والنافذة في واشنطن، منها معهد بروكينغز مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمجلس الأطلسي. كلّ واحد منها يتلقى اموالاً من مصادر أجنبية، لقاء تقديم دراسات سياسية، وترتيب منتديات نقاشية وعقد لقاءات خاصة مع مسؤولين رسميين رفيعي المستوى والتي عادة تتعلق بأجندات الحكومات الاجنبية».

«المملكة السعودية» ليست الوحيدة التي تسخّر ثروتها المالية في مراكز الأبحاث الأميركية، بل تتسابق دول «مجلس التعاون الخليجي» في ما بينها لترويج سياساتها منذ بداية عقد السبعينيات وطفرة النفط. وذكر تقرير «نيويورك تايمز» أعلاه دولاً اخرى من بينها: النرويج وقطر والإمارات واليابان فضلاً عن المغرب ومصر والسودان.

وأوضح تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» انّ معهد بروكينغز، الذي يعدّ من أقدم المراكز الأميركية المرموقة، تلقى نحو 22 من مجمل ميزانيته لعام 2013 من مصادر أجنبية، عقب تسلّم ستروب تالبوت رئاسته، وهو الديبلوماسي السابق في ادارة الرئيس كلينتون. وأضافت انه بعد انقضاء عقد من رئاسة تالبوت على المعهد، ارتفعت ميزانيته السنوية ثلاثة أضعاف. ايضاً، تعهّدت قطر بتقديم «مساعدة» مالية لمعهد بروكينغز مقدارها 21.6 مليون دولار، منذ عام 2011، مما حدا بإدارته إنشاء فرع له مقرّه الدوحة.

صفقات الأسلحة الأميركية الضخمة تحفز شركات الأسلحة المتعدّدة «التبرّع» للتوسط لدى الحكومة الأميركية نيابة عن زبائنها الخليجيين، حفاظاً على مصالحها، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار حجم إنفاق «المملكة السعودية» على الأسلحة من عام 2007 الى عام 2014، إذ بلغ ما ينوف عن 86 مليار دولار.

وأوردت نشرة «ديفنس نيوز» اليومية، المختصة بالشؤون العسكرية، مؤخراً انّ السعودية «وعبر فترة خمسة أعوام متواصلة، سخّرت نفوذها المالي للتأثير على صنّاع القرار في كلّ من واشنطن ولندن وباريس وموسكو وبرلين، ومراكز نفوذ دولية أخرى». كما لا يغيب عن بال صناعة الأسلحة حاجة «المملكة السعودية» اليومية للذخائر في حربها على اليمن، والتي تتضاعف قيمتها اضطراداً مع استمرار العدوان.

حملات إعلامية متوازية

يقرّ بيان إنشاء اللوبي السعودي الوارد على لسان شبكة سي ان ان بصعوبة مهمة «الوصول الى المواطن الأميركي وتثقيفه حول القضايا الخاصة بشأن العلاقات السعودية الأميركية»، ويعلق آمالاً على قدرته «للتواصل المباشر بين الشعبين السعودي والأميركي». ويشكو من «افتقاده الحاضنة الشعبية في أميركا التي يتمتع بها اللوبي الاسرائيلي».

أجرت مؤسسة «غالوب» الشهيرة استطلاعاً للرأي عام 2014 أوضحت فيه ان نسبة 35 فقط من الأميركيين «ينظرون بإيجابية» الى السعودية، مقابل 72 يؤيدون «إسرائيل».

تعوّل السعودية على «تجديد» آفاق تواصلها مع الشعب الأميركي عقب تسلم «الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي» مهام سفير بلاده لدى واشنطن، في سياق «تعديلات» ضمن موازين القوى الداخلية التي ترجح كفة الملك سلمان ونجله محمد بن سلمان.

وصرّح مؤخراً أحد الديبلوماسيين الأميركيين ممّن عملوا في «المملكة» لفترة طويلة قائلاً: «لو استطاعت المملكة إدخال تعديلات على سياستها المتعلقة بحقوق الإنسان ستشكل دفعاً قوياً لشعبية السعودية داخل الولايات المتحدة، وباستطاعة المملكة تعزيز سمعتها عبر تكثيف جهودها على المواطنين خارج العاصمة واشنطن. بيد انّ ذلك يستدعي تعديلاً جوهرياً في الاستراتيجية».

وعلل الديبلوماسي السابق رؤيته بأنّ بروز المرشح دونالد ترمب وثبات تأييده بين العامة مردّه إلى إحجام المواطنين الأميركيين عن مراكز صنع القرار في واشنطن. اذ حصر النشاط الإعلامي في تلك الدائرة الضيقة يحقق إنجازات على المدى القصير، ويتيح الفرصة للمواطن الأميركي العادي النظر الى «المملكة كامتداد لسياسات واشنطن وبائع متجوّل لشراء الذمم».

وحث «المملكة» على تبنّي سياسة مميّزة تدخل بها الى أعماق الشعور الأميركي العام مثل «السعي لحماية مسيحيّي سورية في سياق دعمها لقوى المعارضة السورية»، الأمر الذي يفصلها عن النشاط «الاسرائيلي» في كسب ودّ الشعب الأميركي.

يشار الى انّ النفوذ «الاسرائيلي» يمتدّ الى كافة مناحي الحياة اليومية الأميركية، أبرزها مؤخراً العلاقة الوثيقة التي نسجها مع أجهزة الشرطة الأميركية في المدن المختلفة ودعوتها لزيارة فلسطين المحتلة والمشاركة بتدريبات عسكرية لفض المظاهرات السلمية، او «مكافحة الإرهاب»، التي تتوّجت في أحداث الشرطة العام الماضي في مدينة فيرغسون ومدن اخرى. «المملكة السعودية» لا تملك رصيداً مشابهاً، بيد انّ الديبلوماسي الأميركي السابق لا يكلّ عن توجيهها للعمل مع المؤسسات المحلية في الولايات ومجالسها السياسية لأهداف في نفس يعقوب.

المصادر الخليجية المقرّبة من سفارة الرياض في واشنطن، سالفة الذكر، زعمت انّ مسار اللوبي السعودي في عهد بندر بن سلطان «كانت له إنجازات عظيمة على المستوى السياسي والعسكري، لكن يعاب عليه إهماله للرأي العام الأميركي واستهدافه النخب السياسية الأميركية… بلغة المصالح الشخصية، فهي اللغة الوحيدة التي يفهموها ويستجيبون لها». أما عادل الجبير، وفق تلك المصادر فانه «يفهم الأميركان جيدا… وله في أميركا علاقات سياسية متشعّبة».

مرة اخرى، لم تخفِ تلك المصادر درجة حماسها الزائدة للاقتداء «باللوبي الاسرائيلي» لنيل رضى واشنطن، او بعضاً منه، وتشجع الدول العربية الأخرى على تطبيق الزعم «ان أفضل وسيلة للنفوذ لدوائر القرار في واشنطن تمرّ عبر تل ابيب واللوبي الاسرائيلي » وتحثّ نظراءها في الحكومات العربية على التأقلم مع «سابراك» المرتبطة بديوان الملك السعودي مباشرة «والتي تعدّ الأولى من نوعها في الاختصاص بالتواصل المباشر بين الشعبين السعودي والأميركي»، حسبما اوردته شبكة سي ان ان النسخة الالكترونية العربية حصراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى