الوطن

«كورونا» حرب بيولوجيّة أم وباء…؟

} راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

في ظلّ مرحلة العولمة والرأسمالية المتوحشة، التي لا تقيم أيّ اعتبار سوى لمصالحها وأرباحها، فهي مستعدة لـ «تسليع» البشر والدوس عليهمولذلك نحن نشهد حالياً صراعاً محتدماً بين أميركا وما تمثله من رأسمالية متوحشة و»كارتيلات» احتكارية عسكرية ومالية وريعية وتجارية، تريد الحفاظ على مصالحها وتفوقها الإقتصادي على مستوى العالم وبين الصين التي تتقدم اقتصادياً، لكي تصبح الدولة الإقتصادية الأولى في العالم خلال العشر سنوات القادمة، وهذا يشكل خطرا جديا على الإقتصاد والمصالح الأميركية، وقد حاولت أميركا من خلال الرسوم والعقوبات الجمركية التي فرضتها على البضائع الصينية المستوردة، ان تحد من الإندفاعة الصينية الإقتصادية للسيطرة الإقتصادية على العالم، ولكن الصين، منعت تحقيق ذلك، حيث عمدت للرد على العقوبات الأميركية بفرض عقوبات مماثلةوذهبت الى أبعد من ذلك، ففي إطار علاقاتها وتحالفاتها مع روسيا وايران واللتين تخضعان لعقوبات أميركية اقتصادية وتجارية ومالية، لجأت تلك الدول للإستغناء عن الدولار الأميركي كمعادل ورقي عام في التبادلات التجارية، واستعاضت عنه بالتبادل التجاري في ما بينها بعملاتها المحلية، مما يفقد الدولار الأميركي الورقي غير المغطى بالذهب جزءا ليس بالقليل من قيمته، وكذلك هذا يفتح الطريق أمام العديد من الدول لحذو حذو الصين وروسيا وإيران، وبما يخفض كثيراً من قيمة الدولار الأميركيولذلك لجأت الدوائر الإستخبارية وأباطرة و»مافيات» المال والشركات الكبرى والإحتكارات الإقتصادية والعسكرية الأميركية، للبحث عن طريقة تمكن من هزيمة الصين اقتصادياً، فالدول تخوض صراعات سياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية في سبيل الدفاع عن مصالحها، ولكن اتضح لصناع القرار الأميركي و»المافيات» والطغم المالية والعسكرية وما يرتبط بها من كارتيلات احتكارية، بأنه لا يمكن إخضاع ومنع هيمنة الصين على الإقتصاد العالمي في السنوات القريبة بالطرق العسكرية والإقتصادية أو فرض المزيد من العقوبات عليها، فالصين قادرة على تجاوز ذلك، بل وإلحاق هزيمة بأميركاوكذلك ليس الصين وحدها المشكلة، بل إيران هي الأخرى مصدر قلق دائم لأميركا، فرغم الإنسحاب الأميركي من الإتفاق النووي الموقع عليه دولياً، في ما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني، وفرض عقوبات تجارية ومالية واقتصادية ودبلوماسية على ايران غير مسبوقة في التاريخ البشري، وبما يصل حدّ «تصفير» تصدير النفط الإيراني، من أجل الضغط على القيادة الإيرانية للإذعان للشروط والإملاءات الأميركية، والتوقيع على إتفاق نووي جديد، يشمل منع طهران من تطوير التكنولوجيا النووية وكذلك تكنولوجيا الصواريخ البالستية، ولكن كلما اشتدّ الضغط والحصار على طهران، كلما ازدادت ثباتاً ورسوخاً على مواقفها، وازدادت قوة وتأثيراً في المنطقة والإقليم، وترسخ إيران كقوة إقليمية في المنطقة، مدعومة بقوى حليفة مثل سورية وحزب الله اللبناني و «الحشد الشعبي» العراقي وانصار الله في اليمن، وقوى المقاومة الفلسطينية، من شأن ذلك المسّ بالمصالح والمخططات والمشاريع الأميركية في المنطقة، والقائمة على تفتيت دولها جغرافياً من خلال الفك والتركيب على أسس مذهبية وطائفية، وبما يجعل «إسرائيل» المتسيّدة في المنطقة، وبما لا يعرّض وجودها للخطر.

أمام هذه المخاطر التي تتعرّض لها أميركا و»إسرائيل»، بفقدان أميركا لهيمنتها وتفوّقها العسكري والإقتصادي عالمياً، وكذلك خطر تعرض «إسرائيل» لتهديد وجودها، كرأس حربة استعمارية اداة وشريك في لجم ومنع نشوء مشروع قومي وعربي وحدوي، كان لا بدّ من اللجوء الى السلاح البيولوجي، فالحلول والخيارات العسكرية والإقتصادية، ليست مجدية في منع تقدم وهيمنة الصين على العالم اقتصادياً، ولا العقوبات بحق إيران مجدية في منع ترسخها كقوة اقليمية في المنطقة.

ومن هنا لجأت أميركا ومعها «إسرائيل» الى البحث عن خيار الحرب البيولوجية التي من شأنها توجيه ضربة قاصمة للصين وايران، حرب نشر فيروس «كورونا»، ومن شأن تلك الحرب أن تلعب دوراً كبيراً في انهيار وتراجع الصين اقتصادياً، وتربك إيران وتعمل على خلق حالة من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي في داخلها، وبما يمكن من انهيارها من داخلها.

الحرب البيولوجية المحتدمة على الصين وإيران، لعبت دوراً في التأثير على الاقتصاد الصيني وعلى صادرات الصين الى دول العالم، وكذلك وجدت لها تأثيرات وإن كانت محدودة في طهران اقتصادياً، والحدّ من قدرة طهران على تقديم الدعم عسكرياً ومالياً لحلفائها ومحورها في سورية ولبنان والعراق واليمن وفلسطين. ولكن في ظلّ عالم معولم، وسهولة الإتصالات والتواصل والتنقل بين الدول، يبدو بأنّ السيطرة على هذا الفيروس وحدود انتشاره، لم تعد ممكنة، ليتحوّل الى وباء عالمي، انتقل الى عقر دار القائمين عليهوفي ما يخص وضعنا نحن كعرب وفلسطينيين، فالمأساة هنا، ليس فقط في عدم توفر الإمكانيات والقدرات القادرة على مواجهة هذا الوباء الفيروسي، بل ما هو أخطر من ذلك ان يسمح للكثير من المحجور على عقولهم والمستغلين لحالة الهلع والخوف المنتشرة بين الجماهير والناس بسبب هذا الوباء، بأن يكونوا جزءاً من نشر هذا الوباء وسقوط أكبر قدر من الضحايا له، حيث انّ مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية، هي مجتمعات تحركها مشاعرها وعواطفها، وإيمانها بأنّ ذلك قضاء وقدر و»قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» صدق الله العظيم، يُضاف لذلك الإيمان بالإشاعات والخرافات وتضخيم الأحداث وإضفاء الصفة الشخصية عليها، وبما يرعب الناس ويزيد من هلعهم وخوفهم وهوسهم.

ولذلك يجب ان يكون تشدّد كبير من الجهات المسؤولة اتجاه المحجور على عقولهم، والذين يبثون ثقافة الدروشة والهبل بين الناس، بأنّ علاج هذا الفيروس يكون بالأدعية وشرب اليانسون او البابونج أو ابتلاع فصوص الثوم وغيرها، أو انّ قراءة آيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية تشفي من هذا المرض، فالصين وغيرها من الدول لديهم عقول وعلماء ومختبرات تعمل ليل نهار، لكي تصل الى المصل او العلاج المضاد لهذا الفيروس، ومنع انتشاره، ولذلك لا يمكن معالجته بثقافة الهبل والدروشة والحجبة وإخراج الجن من الجسد، فهؤلاء من رأوا الرئيس الراحل صدام حسين في القمر، ويؤمنون بـ «حلب» الثور و»بيض» الديك، جزء من الآفات الإجتماعية وخطرهم على الناس لا يقلّ عن خطر فيروس «كورونا»، ولذلك مطلوب حقنهم بفيروس «كورونا» لكي نرى قدراتهم الوهمية على علاجه.

نعم الحذر والحيطة والوقاية مطلوبة من أجل منع انتشار هذا الوباء، وكذلك الإلتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات الرسمية، ولكن على الجهات الرسمية، ان لا تبالغ في إجراءاتها بما يشل الحياة العامة، بل الإجراءات يجب ان تكون مستندة الى ما يجري على أرض الواقع، فحالة الطوارئ المعلنة وما يترتب عليها من شلل للحياة العامة، قد ترهق الناس وتزيد من حالة الخوف والهلع عندهم، ومن هنا فالجهة الرسمية يجب أن تخوّل شخص او دائرة معينة تصدر عنها البيانات الرسمية وتكون على تواصل مستمر مع الناس، وكذلك النشر المستمرّ للإرشادات وسبل وكيفية الوقاية من المرض والتصرف حياله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى