ثقافة وفنون

الأديبة هدى النعماني بحثت عن الضوء ورحلت بهدوء رغم ضجيج المكان

 

} جهاد أيوب

هدى النعماني ماتتغيّبها الموت منذ فجر أمس الأول مع أن صورتها، ومواقفها، وخبريّاتها، وكتبها، وتصوّفها، وجلساتها، ورشاقة حبها لنا لا تغيب عنا!

مستحيل يا هدى نسيان شغفك وحبك وعشقك للخالق، ومن المستحيل أن ننسى حينما تتحدثين عن حوارك الدائم مع الله كيف يخيّم الصمت!

مستحيل يا كبيرة في الأدب والرسم أن نتجاهل كتبك، وعنفوان كلماتك، ورنين كرمك، ولطف صداقاتك، وثروة معرفتك

في الشعر هدى النعماني تمتلك ناصيته، تسبح في بحوره ناشطة، عاشقة، ثائرة فتقدم لنا قصائد من نهر الإيمان، هي رسخت كل حروفها الشعرية لمخاطبة الرحمن، لنشر وجع الناس في رسائل ملكيّة، ومختومة بصبر امرأة تميزت بالمراقبة، وبالبوح الخافت مع ابتسامة ناعمة كنعومة المرأة الغجرية المشبعة بتجارب الحياة!

شعر هدى فيه ذوق الأنيقة، وامرأة لا تشبه هذا الزمن، والأهم في شعرها الصلاة للرب، والحب المتدفّق، والحب في شعرها هو النور، والنور في معركتها كيفية النجاح في مخاطبة الناس وأنت تتمسّك في سرد قصصهم إلى الرحمن، والرحمن كما كانت تقول هو النور.

في التشكيل هي ذاك البساط الكبير، والمساحة الشاسعة، لا تحبّذ رسم الشخوص، ولا المكان، بل تفجّر كل طاقات المحبة المخزونة لديها، وكل رفضها للحروب اللبنانية في أمواج الأصباغ التي تصبح حينما ترميها على القماش تموّجات من نور فكرها قلبها والإنسان المؤمن فيها!

لا تخاف من لوحاتها الكبيرة، وهذه ميزة المحترفين، وكم من تشكيليين يخافون اللوحة الكبيرة!

لا تخاف من استخدام اللون كما هي تشتهي، وكم من فنان تشكيلي يخاف اللونوهذه مقدرة منها على البوح!

نعم تعاملت مع التشكيل كما تتعامل مع الكتابة، أي التشكيل عندها هو البوح، والبوح لديها راية من سلام الروح، وسلام الروح منها عطر الأيام المقبلة، وعطر أيامها أوجاع المارة، وصفعات المشاهدات، وصفات امرأة مجرّبة تريد أن توصل كل ما تشكو منه إلى الرحمنوالرحمن عند هدى النعماني هو الضوء!

في الأدب هي كل الأدب شكلاً، وموضوعاً، ومضموناً، وتصرفاً، ولا تخالها خارج هذه الحدودأديبة وفية لحروفها، كاتبة عاشقة لتشخيصها، وناثرة شاعرة كاتبة رسامة تختزل كل ما فيها بالروح التي تبوح من دون تملّق

الصديقة التي تعلّمت منها الذوق وهمس الكلام. الأديبة والشاعرة والتشكيلة المتصوفة هدى النعماني ماتت

لقد خسرنا غجرية الحياة، تحاول أن تزين منزلها بالأزرق، وبكل فنون البادية، وتحاول أن تزرع بيننا صداقة البدو في احترام اللقاء بالحضور والغياب

لم تنتقدنا في غياب الحضور، بل كانت منذ اللقاء وسنين العمر كما قبل الغياب هي واضحة، مسالمة، عفوية، أنيقة تكثر من الاكسسوارات النسائية والتي بمجملها تغازل الغجر وأهل البادية!

هدى النعماني كما عرفتها إنسانة، قد لا تتفق معها في طرح ما، ولكن من المستحيل أن تتبنى الخصامتعطي رأيها، وتسمع رأيك، تخبرك ماذا فعل ذاك الزميل من تصرف أحمق، ولكنها بسرعة تبعد عن حكاياته الغبية البعد الحقديّ، نعم هي مسالمة، تذهب كلما ضاقت بها اللحظة، وكلما تكالب من يدّعي الثقافة، وكلما خان من كان إلى إيمانها، تبتسم، تعتزل المحيط، وتذهب إلى النور حيث صلاتها، ودعواتها، وريشتها، وقلمها فتزدهر من حولها زهور الأمكنة، وتوزع علينا ثمار المحبة التي تميّزت في قطفها وليس قطعها!

هدى النعماني صديقة غزيرة في المحبة والمحبة الصافية، هدى امرأة مثقفة فوق العادة، أُم غنية بما لديها، رفيقة تجمل الرفقة، وحكاياتها لنا ومعنا من المستحيل أن تغيب عنها الشمس، أو نغيبها !

هدى النعماني مثقفة من هذا الوطن، رغم أن الكثير من أدعياء الثقافة والإعلام اليوم لا يعرفونها فتغييب النخبة التي تطالبنا بالحب ونور المحبة هو شعار إعلامنا بمجمله خاصة المرئي، لذلك وجب قطع أشجار المبدع في بلادنا، واستبدالها بالعاريات الساذجات فكراً وتصرفاً وقولاً غبياً…!

زمن القحط بكل فصوله قد حضر وتربّع، وهدى النعماني كانت تزيح القحط لتنير العتمة، لذلك رحلت بهدوء رغم ضجيج المكان، لذلك رحلت ومجتمعنا يتلهّى بتراشق حقده، لذلك هدى النعماني رحلت والعالم العربي لا يعرف برحيلها كما تجاهل وجودها في سنواتها الأخيرة …!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى