الوطن

حرف التحقيقات في قضيّة المرفأ مقدّمة للاستثمار السياسيّ فهل يتكرّر مشهد 2005…؟

} محمد حميّة

لم يتمكّن المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان من إنجاز قراره الظني منذ آب الماضي حتى الآن. ولا الإجابة عن أربعة أسئلة أساسيّة: مَن هو مالك السفينة «روسو»؟ ومن أدخلها إلى لبنان؟ ومن أمر بإفراغها والاحتفاظ بها في المرفأ طيلة سنواتٍ سبع؟ ولمصلحة مَن أُدخِلت؟ وإلى أين كانت وجهتها؟ وما هي وظيفتها؟

التفجير الذي يُعادل قنبلة نوويّة اختصره المحقق العدلي بالمسؤوليتين السياسيّة والمعنويّة من دون تحديد المسؤوليات الجنائية والأمنية. فلماذا اكتفى بالادّعاء على أربعة أشخاص دون غيرهم؟ يسأل خبراء في القانون.

في المقابل كشفت مصادر «البناء» أنّ قاضي التحقيق العدلي كوّن ملفاً وافياً خلال التحقيقات، استناداً إلى تحقيقاته وإلى تقارير الأجهزة الأمنية اللبنانية والفرنسية والأميركية، لكنّه سيكشف عنها في قراره الظني المرتقب. إلا أنّ خبراء في القانون لفتوا لـ «البناء» إلى أنّ القرار الاتهامي تأخر ولم يكن يحتاج إلى كلّ هذا الوقت. فالمحقق العدلي لم يُجِب على الأسئلة الأساسية التي تحدّد بداية الجريمة وملاحقة مسارها وصولاً إلى لحظة التفجير، وركز على مسألة الإهمال الإداري الذي لا يقدّم ولا يؤخّر في كشف الحقائق».

ولفت المدّعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي لـ «البناء» إلى أنّ على القاضي صوان توضيح التناقض بين الرسالة التي وجّهها إلى المجلس النيابي وتتضمّن لائحة بـ 17 شخصية سياسية يدعو فيها إلى رفع الحصانة عنها، وبين اختصار قرار الادّعاء بأربعة فقط، وذلك لكي يعيد المصداقية والثقة بقراره». كما دعا ماضي صوان إلى التركيز على كشف مالك السفينة ولماذا تمّ إدخالها إلى لبنان. وأوضح أنّ «المحقق العدلي لا يستطيع الإفصاح عن التحقيق قبل انتهاء التحقيق والملف بشكلٍ كامل، حيث يضعه بتصرف النيابة العامة التمييزية التي تحيله بدورها إلى المجلس العدلي». وتوقع ماضي أن تردّ محكمة التمييز دعوى الارتياب المشروع التي قدّمها بعض الوزراء وتطلب من صوان الاستمرار بالملف.

وفي حال رفض المستدعون المثول أمام المحقق العدلي، أوضح ماضي: أمام هذه الفرضية لن يبقى أمام صوان إلا إصدار مذكرة توقيف بحقهم قبل 24 ساعة من موعد التحقيق، أو الطلب من قوى الأمن الداخلي إحضارهم.

وتجدر الإشارة إلى مضمون تقرير الاستخبارات الفرنسية الذي وصف انفجار المرفأ على أنه حادث عَرَضي ويتلاقى مع مضمون تقرير الجيش اللبناني. فلماذا يتمّ تمييع التحقيق وحرفه عن مساره بمعلومات واتهامات هامشيّة ومختلقة لفتح المجال للاستثمار السياسيّ؟

فهل تعمل جهات فاعلة للتلاعب بالتحقيقات بهدف الذهاب إلى تحقيق دولي، وبالتالي تدويل المرفأ ووضع اليد عليه وتكرار مشهد العام 2005؟ حيث تمّ التشكيك آنذاك بالتحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لتبرير استقدام التحقيق الدولي.

وبحسب الخبراء القانونيين فإنّ التحقيقات لم تتبِع أبسط الأصول المعروفة في التحقيق الجنائي، الذي يبدأ أولاً بوضع فرضيات عدة والبحث عن أدلة ومعلومات وقرائن تُعزّز أيّ من تلك الفرضيات صحيحةإما حادث عرضي، ما يستدعي التحقيق مع كبار الموظفين الإداريين المسؤولين عن إدارة المرفأ والضباط الأمنيين المولجين الحماية الأمنية، ومن ثم تحديد المسؤوليات السياسية والمعنوية. إمّا عمل أمني إسرائيلي أو إرهابي وهذا يفترض بالأجهزة الأمنية والقضائية البحث عن حركة وداتا اتصالات عملاء «إسرائيليين» وخلايا إرهابية نائمة، أو تدخل باخرة النيترات في إطار التجارة والسمسمرات والصراع السياسي. لكن التحقيقات بحسب مصادر مطلعة، يجب أن تبدأ منذ دخول الباخرة إلى لبنان، ودراسة الظروف الأمنيّة والعسكرية والسياسية التي طبعت تلك المرحلة الممتدّة من العام 2013 والسنوات التي تلتها.

فلماذا لم يضع المحقق فرضيّة أن تكون حمولة السفينة معدّة لإرسالها إلى سورية في عزّ معارك القصير السورية حينها؟

وكشفت مصادر مطلعة لـ «البناء» وجود تقارير استخبارية رسمية تؤكد بأنّ النيترات كانت تُنقل إلى سورية للجماعات المعارضة السورية المسلّحة خلال معارك القصير من مرفأ بيروت إلى مرفأ طرابلس إلى القصير ومناطق سورية أخرى. وتساءلت هل كان الهدف من إدخال سفينة النيترات هو للاستخدام المزدوج دعم المسلحين في سورية وتنفيذ أعمال أمنية كبيرة في سورية أو ضدّ حزب الله في لبنان؟

وما يُعزّز هذه المعلومات هو توقيف خفر السواحل اليونانيّ في شباط 2016، سفينة «ترايدر»، وعثر على متنها على ستة حاويات ضمّت اثنتين منها 6400 بندقية و»كميات كبيرة من المتفجرات وموادّ أخرى مشابهة»، بحسب بيان للشرطة اليونانية.

فكشف حقيقة هذه السفينة قد تقود المحققين إلى حقائق تتعلّق بالسفينة السابقة. فمن يدري أن تكون «ترايدر» ملحقة بـ «روسو» وللهدف والوظيفة نفسها؟ وهل مستبعد أن تكون السفينتان ملحقتين بباخرتي لطف الله 1 ولطف الله 2 اللتين ضبطتهما استخبارات الجيش وهما في طريقهما الى سورية لدعم المجموعات المسلحة في العام 2012؟ وهل «روسو» واحدة من عشرات البواخر التي قد تكون أُدخِلت إلى سورية لدعم «المعارضة السورية»؟ علماً أنّ نقطة انطلاق سفينة «ترايدر» كانت تركيا المعروفة بدعمها للتنظيمات السورية المسلحة منذ بداية الأحداث في الـ 2011! فيما أكثر من مسؤول خليجي وأميركي اعترفوا بأنهم أنفقوا مليارات الدولارات لدعم التنظيمات الإرهابية! وتكفي الإشارة إلى الاعترافات الموثقة لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون ورئيس حكومة قطر السابق حمد بن جاسم عدا عشرات التقارير العربية والغربية التي تشير إلى ذلك!

فلماذا تجاهل المحقق كلّ هذه المعطيات والحقائق وغيرها؟ ولماذا لا يستعين بالتحقيقات الأمنيّة والقضائيّة مع العديد من الإرهابيين الذين خططوا ونفذوا عمليات إرهابية لا يزالون موقوفين في السجون اللبنانية؟

فهل المطلوب أن تبقى التحقيقات طيّ الكتمان، ريثما يتمّ اختلاق أدلة لتزوير التحقيق وتجهيل الفاعل وحرف الاتهام باتجاه جهات أخرى قد تكون حزب الله على سبيل المثال أو النظام في سورية، وربما الإيرانيين لاحقاً على غرار ما حصل في ملف اغتيال الحريري؟ وفي هذا السياق يُلاحظ قيام جهات سياسية وإعلامية بالتسويق لمعلومات عن مالكي «باخرة الموت» «روسو» للإيحاء بعلاقة ما لروسيا وسورية ومن خلفهما حزب الله من قبيل الكشف عن أسماء رجال أعمال سوريين يشتبه بتورّطهم في شحنة «نيترات الأمونيوم»!

ومنذ هذا المنطق يطرح هؤلاء فرضيّة مسؤولية حزب الله في هذا الملف؟

يؤكد خبراء عسكريون وأمنيون مطلعون لـ «البناء» بأنّ هذه الفرضية ساقطة لكون الحدود البحرية مع تركيا وقبرص تخضع للتشدد الأمني من قبل السلطات التركية والقبرصية فضلاً عن بحرية القوات الدولية «اليونيفيل» المكلفة بمراقبة الحدود البحرية كما البرية بموجب القرار 1701 فكيف لحزب الله تهريب السفينة؟ ولفتوا إلى أنّ «الحزب ليس بحاجة إلى المرفأ أو أيّ مرفق آخر لنقل ما يحتاجه بعمله المقاوم إلى الجنوب أو إلى سورية وهو الذي لديه حدود برية شاسعة ممتدة من إيران فالعراق فسورية فلبنان»، كما أوضح الخبراء أنّ سورية لم تكن تحتاج حينها إلى نيترات أو أسلحة من لبنان فحدودها مع العراق وإيران كانت مفتوحة آنذاك فضلاً عن الجسر الجوي العسكري الروسي المفتوح مع دمشق». كما تساءلوا: لماذا يُبقي الحزب على بقايا النيترات في المرفأ لمدة سبع سنوات إذا سلّمنا جدلاً بأنه من أدخلها؟

فهل يجري تحويل قضية المرفأ إلى سلاح جديد وورقة ضغط ضدّ حزب الله وقوى المقاومة لفرض التنازلات السياسية على لبنان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى