أولى

من بدأ بإشعال الحرب في أوكرانيا ولماذا وهل سينجح الغرب في استنزاف روسيا؟

 حسن حردان
من بدأ بإشعال الحرب في أوكرانيا ولماذا؟

سؤال لا يزال يُطرح على مساحة العالم، خصوصاً أنّ آلة الإعلام الغربية تروّج منذ البداية للرواية الأميركية التي تقول انّ روسيا هي من بدأت بإشعال هذه الحرب وهي المعتدية التي يجب إدانتها ومعاقبتها وفرض الحصار والعزلة الدولية عليها.

هذه الرواية الأميركية الغربية تسيطر على الفضاء العالمي انطلاقاً من الهيمنة الأميركية على معظم وسائل الإعلام في العالم التي تصنع الرأي العام.. لكن هل هذه هي الحقيقة، ام انها للتعمية على المسبب الفعلي لإشعال هذه الحرب واهدافه منها؟

 الرواية الأميركية الغربية تغفل عن عمد الأسباب الفعلية التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اتخاذ قرار تنفيذ حملة عسكرية في أوكرانيا، فما هي هذه الأسباب الحقيقية للحرب ومتى بدأت؟

أولاً، من الواضح لأيّ متابع غير متحيّز، أنّ الحرب الحاصلة على الأراضي الأوكرانية ليست بين روسيا وأوكرانيا، وانْ كانت تجري على مساحة أراضي أوكرانيا، إنما هي حرب بين روسيا من جهة، والدول الغربية بقيادة أميركا من جهة أخرى.. وهي حرب بالواسطة بدأها التحالف الغربي مجسداً بحلف الناتو، الذي استخدم أوكرانيا مجرد أداة لمحاولة تحويل أوكرانيا إلى خنجر مسموم في خاصرة روسيا بهدف محاصرتها والعبث بأمنها القومي وتهديد تماسكها والعمل على تفكيك اتحادها كمقدمة لإخضاعها وفرض الإملاءات الغربية عليها وإنهاء النفوذ والدور الروسي على الصعيد الدولي لأنه شكل ويشكل التحدي الأساسي للهيمنة الأميركية الغربية في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد دور روسيا في دعم سورية وإحباط أهداف الحرب الإرهابية الكونية التي شنّتها الولايات المتحدة على سورية، والقضاء على أحلام أميركا بتعويم مشروع هيمنتها الأحادي القطب، مما عزز الاتجاه العالمي الذي تقوده روسيا والصين الداعي لإقامة نظام دولي متعدد الاقطاب..

لقد أدركت واشنطن انه من دون إضعاف روسيا لن تكون هناك إمكانية لتعويم مشروع الهيمنة الأميركية الأحادية، وانّ عصر هذه الهيمنة قد ولى وانتهى إلى غير رجعة.. لذلك تريد واشنطن من تحويل أوكرانيا قاعدة أطلسية إضعاف دور روسيا كمقدمة لإضعاف الصين، لإعادة تربع أميركا على عرش القرار العالمي..

هذه هي الخلفية الأساسية لهذه الحرب التي بدأها حلف الناتو، منذ تدبيره الثورة الملوّنة في كييف عام 2014 وتنفيذ الانقلاب ضدّ الحكم الصديق لروسيا وسيطرة المعارضة الموالية للغرب على السلطة ومن ضمنها مجموعات النازيين الجدد..

ثانياً، الردّ الروسي: في مواجهة هذا المخطط الغربي، قامت روسيا بداية بالمسارعة إلى دعم انضمام شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي وتأييد الحكم الذاتي لإقليم الدونباس، ومن ثم بعد أن استنفذت إمكانية تنفيذ اتفاقية مينسك لحلّ الأزمة نهائياً، بسبب معارضة الغرب ورفض حكومة الرئيس زيلينسكي، سارعت روسيا اخيراً إلى القيام بهجوم عسكري استباقي وسريع في أوكرانيا لإحباط خطة حلف الناتو، وحماية الاقلية الروسية في إقليم الدونباس المهدّد بهجوم من الجيش الأوكراني، وكذلك حماية الناطقين باللغة الروسية من اعتداءات النازيين العنصريين الجدد، والعمل للقضاء عليهم ونزع السلاح الذي يهدّد روسيا، ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، والاعتراف بانضمام شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي واستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك.. وبالتالي تكريس حياد أوكرانيا على غرار فنلندا والسويد.. واستطراداً القول لحلف الناتو، اذا أردتم الحرب فروسيا جاهزة لها، وإلا فعليكم أن تسلّموا بدور ونفوذ روسيا واحترام مصالحها وأمنها القومي والتوقف عن الاستمرار في استفزازها والتمدّد شرقاً إلى جوارها.. في هذا السياق كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحاً وحازماً بقوله إنّ روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي تتفرّج على حلف الأطلسي يتموضع في جوار روسيا ويعمل على تحويلها إلى خنجر مسموم في خاصرتها وننتظر الموت البطيء لوجود الدولة الروسية..

ثالثاً، لماذا امتنع الغرب عن الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، وترك أوكرانيا تقاتل وحدها؟

لقد هربت الحكومات الغربية من المواجهة مع روسيا، وقرّرت ترك الحكومة الأوكرانية تقاتل لوحدها، لأنّ الغرب أدرك أنّ التصادم مع روسيا سيشعل حرباً عالمية ستكون ساحتها الأساسية دول أوروبا كلها، وقد عكست التصريحات للمسؤولين الأميركيين والغربيين ذلك بشكل واضح وصريح، ولهذا لم يستجيبوا لنداءات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لتقديم الدعم المباشر له والقتال إلى جانبه، أو قبول انضمام بلاده إلى حلف الاطلسي، أو فرض منطقة حظر للطيران فوق أوكرانيا، أو تحويل مطارات دول غربية إلى قواعد تستخدمها الطائرات الحربية الأوكرانية، لأنّ كلّ ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى تصادم مع روسيا وان يشعل حرباً عالمية، ولهذا اقتصر الدعم الغربي لأوكرانيا على المواقف السياسية والاتصالات واللقاءات الدبلوماسية في المحافل الدولية، وإرسال الأسلحة الفتاكة وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وإرسال مقاتلين أجانب مرتزقة وإرهابيين على غرار ما فعلوا في سورية والعراق وليبيا إلخ… أيّ قتال روسيا بواسطة أوكرانيا التي استخدمت كأداة غربية ضد روسيا..

رابعاً، هذا يعني أنّ بديل الغرب عن التصادم مع روسيا محاربتها بالواسطة لاستنزافها من دون أن يتورّط في حرب مباشرة تؤدي إلى حرب عالمية لن يربح منها أحداً… ويعتقد الغرب أنّ هذه الخطة قد تنجح في اغراق روسيا في حرب استنزاف مماثلة لتلك التي تعرّض لها الجيش السوفياتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي وأدّت إلى هزيمته وانسحابه… غير انّ الغرب نسي ان أوكرانيا مختلفة عن أفغانستان، وانّ روسيا بوتين استفادة من درس أفغانستان، وهي لن تتورّط في حرب استنزاف لعدة أسباب:

السبب الأول، أنّ روسيا قادرة على التكيف مع العقوبات الاقتصادية، فهي دولة تملك إمكانيات اقتصادية وثروات هائلة معدنية ونفط وغاز وفحم وغلة زراعية تقدر بنحو 30 بالمائة من ثروات العالم، فيما روسيا باتت تصنع تقريباً كلّ شيئ، وتملك مساحة الأكبر بين دول العالم 17 مليون كلم متربع، ولهذا تستطيع أن تنمي اقتصادها المحلي وان تعتمد على ذاتها، في حين تملك روسيا تحالفات وعلاقات اقتصادية مع الكثير من الدول لا سيما تلك المنضوية معها في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والتي تضم الدول الناشئة اقتصاديا والتي انتقل إليها مركز الثقل في الاقتصاد العالمي.. مثل الصين والهند.. وعليه يصعب على الغرب محاصرة وعزل روسيا.. وإضعافها اقتصادياً، في حين ان العديد من الدول الأوروبية لا يستطيع الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين ولهذا لم يلتزموا بالتوقف عن استيراد هاتين المادتين الحيوتين للاقتصاد..

السبب الثاني، العقوبات الاقتصادية ادت وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار في كلّ العالم، بما فيها الدول الأوروبية، في حين أنّ روسيا استفادت من ارتفاع أسعار النفط والغاز بزيادة عائداتها اليومية إلى نحو 700 مليون يورو يوميا مما يمكنها من تمويل تكاليف الحرب في أوكرانيا ومواجهة الحرب الاقتصادية الغربية…وبالتالي إحباط أهداف الغرب من العقوبات..

السبب الثاني، أما الرهان الغربي على تكرار النموذج الافغاني فإنه أيضا رهان سيلاقي الفشل لأن روسيا لديها في أوكرانيا بيئة شعبية حاضنة لم تكن موجودة في افغانستان، ففي أوكرانيا مواطنين روس يقطنون بصورة خاصة في إقليم دونباس يُقدّر عددهم بـ 10 ملايين نسمة، وكذلك هناك السكان الناطقين باللغة الروسية إلى جانب العرق السلافي والديانة الأرثوذكسية التي يدين بها عدد كبير من الأوكرانيين الذين يعتبرون مرجعيتهم الدينية إنما هي الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا..

السبب الثالث، أنّ روسيا لا تريد احتلال أوكرانيا، وإنما فرض حياد أوكرانيا، ونزع سلاحها الذي يهدّد روسيا، والقضاء على مجموعات النازيين الجدد، وانتزاع الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وانضمام شبه جزيرة القرم الى الاتحاد الروسي.. ولهذا هي لا تريد أن تبقي الجيش الروسي في أوكرانيا…

لكلّ هذه الاسباب لن ينجح الغرب في تحقيق أهدافه في اضعاف الدور الروسي ومنع روسيا من تحقيق أهدافها، وبالتالي تكريس ولادة نظام دولي متعدّد الأقطاب…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى