أولى

ما طبيعة الردّ الروسي على تفجير جسر القرم ومداه؟

} العميد د. أمين محمد حطيط*

مع تناقل الإعلام صور التفجير الذي استهدف جسر القرم الذي يربط الجزيرة بالبرّ الذي انضمّ الى روسيا تمّ استعراض أوكراني إعلامي ساخر بتضمن القول إنّ التفجير الذي قد يؤدي الى عزل الجزيرة ومن ثم محاصرتها، نفذ ليكون هدية خاصة لبوتين في عيد ميلاده السبعين، ومع هذا المشهد كان السؤال الكبير هل تردّ روسيا وكيف ومتى واين ترد ام انها ستبتلع الضربة وتنصرف الى معالجة الأضرار التي حصلت ومتابعة ما كانت قد بدأته في المرحلة الثانية من العملية الخاصة بأوكرانيا، المرحلة التي بدأت بعد انضمام المقاطعات الأربع الى روسيا.

قبل أيّ جواب وفي الأساس يجب التوقف عند أهمية الهجوم الذي استهدف الجسر كما يجب عدم تجاهل خطورة القرار بتنفيذ مثل هذا الهجوم على أرض باتت في القانون الروسي أرضاً روسية يقتضي روسياً الدفاع عنها بشتى الوسائل المتاحة. وبالتالي فإنّ هذا الهجوم الذي وصفه قسم كبير من المتابعين والخبراء بأنه عمل إرهابي يستهدف بنى مدنية روسية ويستهدف أمن المواصلات في مناطق استراتيجية حساسة وانطلاقاً من هذه الخطورة يفترض ان يكون الردّ الروسي.

فروسيا لا تستطيع السكوت على هذا الفعل، لأنّ في السكوت أبعد من حريق سيارة وأبعد من عزل منطقة او محاصرتها، ففي السكوت نجد انهيار هيبة وضرب معنويات واستباحة أمن روسيا كلها، وكلّ ذلك من المسائل التي لا يمكن التسامح بها على الإطلاق.

ولأنّ الأمر كذلك فإنّ الردّ الروسي على تفجير جسر القرم وجب أن يكون من طبيعة المسائل الضرورية الملحة التي لا يمكن مجرد النقاش حول وجوبها، فقد يكون نقاش حول طبيعة الردّ ومكانه وزمانه أما عن أصل الردّ فقد لا يكون مسموحاً روسياً ان يتمّ الجدل حول تنفيذه، خاصة أنّ الردّ يجب أن يرمي او يحقق أهدافاً ثلاثة أوّلها أن يكون تأديبياً موجعاً رادعاً يمنع كييف من تكرار الفعل، والثاني ان يكون بحجم يظهر اقتدار الجيش الروسي وقوته الميدانية بشكل يثبت ثقة المواطنين الروس به والثالث توجيه رسالة الى الجهات الحاضنة لنظام كييف بأنّ روسيا مستعدّة للذهاب الى أيّ مدى تستوجبه المواجهة.

وعلي هذا الأساس فإنّ الردّ الروسي على تفجير جسر القرم الذي تأكدت روسيا انّ المخابرات الأوكرانية قد نفذته وبعلم وتوجيه من أميركا، فإنّ الردّ الروسي يمكن ان يكون في واحد او أكثر من الأعمال التالية:

ـ ردّ بالسلاح التقليدي المؤثر على الأهداف الاستراتيجية والبنية التحتية الأوكرانية لتعطيلها.

ـ ردّ بالسلاح التقليدي بشكل مكثف وتدميري يستهدف البنى التحتية والمرافق المستعملة لتزويد أوكرانيا بالسلاح والذخيرة الغربية.

ـ ردّ بالسلاح التقليدي يستهدف مراكز القيادة والسيطرة العملانية كما ومناطق الخدمات اللوجستية للجيش الأوكراني.

ـ ردّ بالسلاح غير التقليدي وبشكل أدق النووي التكتي الذي يستهدف بعضاً مما ذكر أعلاه إضافة الى التشكيلات المسلحة الأوكرانية.

ونعتقد انّ روسيا التي بدأت بالأمس بتوجيه ضربات مركزة عالية الدقة ضدّ أهداف من الفئتين الأولى والثانية في كييف وغيرها من المدن الأوكرانية، فهي ستبقى بعيدة عن اللجوء الى السلاح النووي بنوعيه التكتي او الاستراتيجي وانها ستتجنّب المبادرة الى استعماله طالما انه لا يوجد موجب له وفقاً لقاعدة «التناسب والضرورة»، وأنها ستبقي هذا السلاح كما هو في طبيعته أصلاً احتياطاً استراتيجياً رادعاً لا يلجأ اليه الا في حالات ثلاث: أولها ان يلجأ الخصم لاستعمال النووي في هجومه على أيّ هدف روسي، والثاني انهيار الجبهة وتهديد سلامة الأرض الروسية ووحدتها مع عدم قدرة القوات التقليدية على الصمود، والثالث قصف العمق الروسي بأسلحة تدميرية فتاكة لا يمكن وقفها الا بالسلاح النووي،

ومن جهة أخرى فإننا نرى أنّ بوتين لا يزال يتصرف في أوكرانيا تصرف المسيطر المالك لزمام المبادرة الذي ينظر الى مسرح العمليات نظرة الواثق من الانتصار وبالسلاح التقليدي المتفاوت القدرات والفعالية، ولذلك لن يكون هو المبادر لاستخدام النووي من أي نوع خارج الحالات التي ذكرنا اعلاه، نعم لن يكون المبادر الى استعماله كما تريد واشنطن وتصرّ عليه ليحقق لها هدفين: الأول فرض عزلة دولية خانقة على بوتين وروسيا كلها، والثاني تبرير أيّ عمل غربي غير تقليدي ضد روسيا يفضي الى تفكيكها وتدميرها كما تشتهي أميركا وتظن.

بيد انّ روسيا التي تجمع في يدها شجاعة القرار وبعد النظر السياسي والقدرة والفعالية العسكرية التي تعمل لتواكب القرار السياسي بكلّ أبعاده، انّ روسيا هذه لديها هامش واسع للمناورة ومسرح كبير لممارسة الخيارات الميدانية وهي رغم بعض النكسات التي وقعت في خاركوف وسواها فإنها لا زالت ممسكة بزمام الأمور قادرة علي التصرف بشكل يوحي بانها واثقة من النصر الأكيد الذي ليس لديها خيار غيره. فروسيا بلغت حداً في المواجهة باتت النتائج فيها تحكم الوجود الروسي برمته وباتت المسألة مسألة وجود او انتفاء ولذلك لا يتوقع احد تراجع روسيا او انكفاءها قبل ان تحقق كامل أهدافها التي اطلقت عمليتها في أوكرانيا من اجلها ثم أهدافها التي طوّرتها بعد انضمام المقاطعات الأربع اليها، اما العمليات الاستفزازية من قبيل تفجير جسر القرم فإنها لن تزيد روسيا الا شراسة في الردّ وتوسيعاً وإيلاماً في العقاب الذي يبقى مكانه وزمانه خاضعاً لقرار روسيا وتقدير المستويين السياسي والعسكري فيها.

*أستاذ جامعيباحث استراتيجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى