أولى

سورية وإيران والحلفاء… تحويل العقوبات إلى فرص

‭}‬ أحمد بهجة*
الخبر الصحيح بالأمس كان عودة الجامعة العربية إلى سورية، وليس العكس، لأنّ الحقيقة الواضحة تقول إنّ الجامعة هي التي خرجت من سورية، لأنّ سورية لم تخرج يوماً من عروبتها، وهي لو فعلت ذلك ورضخت لشروط من كان يطالبها بذلك لما كانت دفعت كلّ هذه الأثمان الباهظة في البشر والحجر طوال السنوات الـ 12 الماضية.
الأهمية ليست لهذا الخبر بحدّ ذاته، إذ أنّ قرار الجامعة العربية بعودة سورية ليست له مفاعيل عملية سوى ربما بعض الأصداء الإعلامية، لأنّ الجامعة العربية تحوّلت إلى مؤسّسة هامشية مع تخلي معظم أعضائها عن المعاني الحقيقية للعروبة وفي الطليعة القضية الفلسطينية التي تبقى هي المعيار والمقياس لصحة المواقف والسياسات، لكن ما يعطي أهمية لقرار الجامعة بعودة سورية هو أنه بمثابة إجماع عربي وتسليم بانتصار سورية في مواجهة الحرب الكونية التي شُنّت عليها من حوالى مئة دولة بينها دول عربية مع الأسف الشديد، لذلك نقول إنّ الجامعة عادت إلى سورية لكي تستعيد ما فقدته ولكي يعود لها دورها الفعلي في العالم العربي.
أما الحدث الأهمّ الذي ستكون له مفاعيل مستقبلية كثيرة في كلّ المجالات فقد تمثل باستقبال الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في دمشق قبل أيام قليلة نظيره الإيراني السيد ابراهيم رئيسي، حيث لقيت هذه الزيارة التاريخية الكثير من الاهتمام السياسي والإعلامي، عربياً وإقليمياً ودولياً، كونها الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى سورية منذ العام 2010، وأيضاً لما لها من دلالات وأبعاد، سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين منذ أكثر من أربعة عقود، أو على صعيد أوسع من ذلك بكثير…
فقد تغيّر العالم كله في العقد الماضي، وها نحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، حيث تتقدّم الصين لاحتلال المقعد الأول في العالم، ليس فقط في الاقتصاد كما كان يعتقد البعض بل أيضاً في السياسة كما ظهر جلياً مع الاتفاق السعودي ـ الإيراني الذي تمّ برعاية الصين وجرى توقيعه في بكين.
وقد انعكس هذا الاتفاق إيجاباً على كلّ الملفات الساخنة في المنطقة، وتطوّرت العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران بشكل لم يكن يتوقعه أحد، بحيث لا يكاد يمضي يوم إلا ويحصل اتصال على أعلى المستويات بين الجانبين، وصولاً إلى القمة المرتقبة بين الرئيس ابراهيم رئيسي والملك سلمان بن عبد العزيز.
كما شهدنا عودة الحرارة إلى العلاقات السعودية ـ السورية، ثم عودة سورية إلى الجامعة العربية، تحضيراً لمشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية التي ستعقد في 19 أيار الحالي في الرياض.
كلّ هذا يؤكد أنّ سورية ماضية في طريقها لاستعادة عافيتها الاقتصادية، خاصة أنّ أصدقاءها الذين وقفوا إلى جانبها في السنوات الصعبة إلى أن تحقق الانتصار المشهود، سوف يكونون معها في الآتي من الأيام، لمساعدتها في مرحلة إعادة الإعمار والنهوض على كلّ المستويات، وها هي زيارة الرئيس الإيراني إلى سورية تثمر توقيع 15 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات مختلفة، مما يجعل هذه الزيارة بمثابة منعطف إيجابي لتنمية العلاقات بين البلدين، كما قال الرئيس رئيسي نفسه.
هذا الدعم الإيراني المستمر والمتنامي لسورية، يلاقيه أيضاً دعم صيني وروسي كبير، لا سيما أنّ سورية بموقعها الجغرافي المميّز في هذه المنطقة من آسيا، تمثل نقطة ارتكاز وثقل على المستوى الاقتصادي، خاصة أنّ هذه الدول (إيران وروسيا والصين وسورية) لا تسأل عن عقوبات ولا عن حظر أميركي ولا تقيم أيّ وزن أو حساب لهذا الأمر، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث نرى كيف أنّ الحظر والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على بعض الدول في العالم ترتدّ عليها سلباً، وأكبر دليل على ذلك ما يشهده الاقتصاد الأميركي والأوروبي من تراجع وسلبيات وإفلاسات هذه الأيام، فيما تتقدّم الصين، ولا تتأثر روسيا بشكل كبير رغم ما تواجهه من صعوبات نتيجة الحرب التي تخوضها ضدّ الحلف الأطلسي في أوكرانيا، كذلك نرى كيف أنّ إيران حوّلت الحظر المفروض عليها إلى فرص، وكيف أنّ سورية لديها كلّ الإمكانيات وكلّ الدعم لكي تحوّل العقوبات ضدّها إلى فرص…
والآن يُضاف إلى كلّ ذلك ما يمكن أن تقدّمه السعودية لسورية على صعيد التنمية الاقتصادية والمساهمة في استنهاض قطاعات عديدة حيوية أساسية، مما يجعل المدن والمحافظات السورية ورشة كبيرة بل هائلة من العمل والبناء لم يسبق أن شهدها أيّ بلد عربي.
أما نحن في لبنان فإنّ مشكلتنا الأساسية هي في أولئك الذين يخافون من العقوبات عليهم ومن الحظر على أموالهم ومصالحهم في الخارج إذا هم خالفوا التعليمات الأميركية والغربية، ولذلك نراهم لا يمكنهم البحث في قبول هبات أو مساعدات من إيران والصين وروسيا رغم أنّ بلدنا بأمسّ الحاجة لمثل هذه المساعدات في العديد من القطاعات الحيوية التي تؤثر في الحياة اليومية للمواطنين…
لذلك لا بدّ من إزاحة هؤلاء الخائفين عن كراسيهم في المقرات الرسمية، والعمل بجدّ وجهد لإعادة الانتظام إلى مؤسسات الدولة من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومعه تشكيل حكومة جديدة من وزراء قادرين على تخطي كلّ الضغوط، والنهوض بالاقتصاد الوطني بالتكامل مع سورية كما تقول حقائق التاريخ والجغرافيا…
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى