مرويات قومية

عن المخيّم القومي الاجتماعي في «صنين» عام 1970

في النبذة عن الأمين عصام شريح (هاني شقير)، تحدّثنا عن المخيم الذي كانت أقامته «عمدة الثقافة» في أعالي جبل صنين عام 1970، وأصدرت على إثره كتاباً حمل العنوان التالي: «الحزب ثورة متصاعدةالمخيم».

قدّم الكتاب الأمين غسان الأشقر بصفته «ناموس الرئيس للشؤون الثقافية». أمّا التنويه، فلعمدة الثقافة التي قالت:

« كان عميد الثقافة السابق الرفيق يوسف الاشقر قد كلّف الرفيقين هاني شقير(1) وعبود عبود(2) إلقاء دروس في المخيم القومي الاجتماعي المركزي الأوّل الذي اُقيم في صيف عام 1970، وقد اختصّت دروس الرفيق هاني شقير في مواضيع «الاستعمار» و»حرب العصابات» و»بنيان إسرائيل العقائدي والعسكري».

أمّا القسم المختص بشروح العقيدة من خلال التعريف بمعنى الحزب السوري القومي الاجتماعي، أنّه خطة نظامية دقيقة لجهة الفكر ولجهة النضال، فقد كان من اختصاص الرفيق عبود عبود.

إنّ عمدة الثقافة تلفت نظر الرفقاء القوميين الاجتماعيين إلى أنّ هذه الدروس ليست الكلمة الفصل في مواضيعها التي طرقت، كلّ فائدتها أنّها كانت متفقة مع الغاية التربويّة النفسية التي وُجد من أجلها المخيّم، أمّا الأبحاث والدراسات التحليلية الدقيقة فمكانها الندوة الثقافية المركزية.

وعمدة الثقافة إذ تسجّل نجاح مشروع ذلك المخيم لجهة تحقق الغاية التربوية التي من أجلها كان، وهي بناء النفوس بناءً جديداً على مبادئ القومية الاجتماعية، يهمّها أيضاً أن تشكر جميع الذين اشتركوا وساهموا في ذلك النجاح، كما تنوّه بجهود الذين عملوا على إخراج هذه الدروس إلى دائرة الطباعة بما بذلوه من جهد في تسجيلها على أشرطة خاصة، وفي نقلها من الأشرطة إلى القرطاس، وتخصّ منهم بالذكر الرفيقين غطاس غريب(3) وبدر الحاج(4)، والرفيقة سلوى فرح(5) التي قامت بطباعة الدروس على الآلة الكاتبة.

عمدة الثقافة

* * *

من معلوماتي أنّ الرفيق ياسين عبد الرحيم كان تولّى إدارة المخيم، وكانت خطيبته (عقيلته لاحقاً)/ ملتحقة بالمخيّم، فكان يتقصّد معاملتها بخشونة زائدة، ليجعل منها قدوة أمام باقي الرفقاء والرفيقات. الرفيق ياسين مُنح لاحقاً رتبة الأمانة، وتولى مسؤولية عميد الداخلية وكان عضواً في أول مجلس أعلى يُنتخب بعد مؤتمر ملكارت.

* * *

المقدمة

للامين غسان الاشقر

ثلاث صور عن المخيّم

المخيّم، يُقال، كلمة عادية مبتذلة تحمل إيحاءات، فهي عالم من المآسي والتشرّد والجوع والجهل والحرمان، وهي مظلّة الضياع والمهزومين والغربة ووجوه بلا أسماء ولا هويّة، وهي عالم الترحال والجذور المقلوعة وموطن الرماح المكسورة والجباه. وهي قافلة العابرين، ودنيا من النزيف، فالأرض تنزف إنسانها والإنسان ينزف إنسانه، والوطن لا يقف ويتشبّث بترابه وتراثه وأبنائه، الوطن يميد، يُسحب من تحت الأقدام، يرحل مع قوافل العابرين، يهاجر، يستوطن الغربة.

الوطن خيمة نزرعها هنا ونقلع أوتادها ونزرعها هناك، بسهولة نقلعها ونزرعها، فأوتاد الخيام المهزومة العابرة لا تمدّ عروقها في التراب وتتجذّر.

هذا ما كان يوحيه المخيّم.

وانفجرت المقاومة، ودار الفارس صوب خصمه، ودوّت العاصفة، واهتزّت الخيام ولم تتحرّك، وانغرست الأقدام في مدى التراب أوتاداً جذوراً وتشبّثت بالأرض، وصارت الخيام قلاعاً، وخضاراً وعاد الأطفال والشهداء وعاد الوطن المهاجر يستوطن ضمير النازحين.

ونهضتنا التي ما برحت منذ سنين طويلة تهزّ بالوعي والصراع ضمير المجتمع وعقله، وتنفض عنه ذهول الانكسار وتدفع به باتجاه العصر، وتبني إنسانها بالوعي والممارسة إنساناً ثورياً جديداً على مستوى تحديات العدوّ والمرحلة والعصر، نهضتنا الرائدة هذه تدخل في نظرنا، مرحلة جديدة، هي مرحلة المخيّم.

ومخيّمنا الأول (صيف 1970) على تواضعه، يكتنز آفاقاً من التطلّعات، آفاقاً من الأحلام نحن قادرون على تحقيقها لتصير خميرة لأحلام أكبر وتحقيقات أعظم. ففي المخيّم وعبره نكتسب أنماطاً جديدة من السلوك والعادات، فنخرج من دوّامة حياتنا الرتيبة القديمة؛ ذلك أنّ الفكر وحده عاجز أن ينقلنا إلى وجود جديد، وأن يطهّرنا من رواسب القديم.

وفي المخيّم يلتحم الفكر والممارسة حتى يقاربان الوحدانية، وتتقارب التجارب الحزبية وتتكثّف وتعمق حتى تصير الحياة كلّها، وتتمركز النهضة في المرحلة التاريخية الراهنة التي هي مرحلة إعداد الحزب للمواجهة الكبرى والحقبة حقبة تصفيات وحلول استسلامية وتآمر على وجودنا بالذات كأمّة وكشعب وكحزب.

وفي المخيّم تتجلّى هذه الخطّة النظامية الرائعة التي وضعها سعاده ردّاً على عصور التخلّف والتفسّخ والذهول، وردّاً على الصهيونية العالمية المتمركزة في أرضنا؛ إذ إنّنا في المخيم فقط نقف عُراة أمام الحقائق الكبرى، أمام المصاعب الكبرى، أمام المسؤوليات الكبرى دون أن تعكّر تفاهات حياتنا اليومية والتزاماتنا العابرة صفاء الرؤيا وغناها، فإمّا أن ننهار تحت ثقل الواقع أو نقف، ونحن واقفون، بتصميم أشدّ واستهدافات أوضح وعزيمة أمضى ووعي أعمق، فيكون النصر للأمّة بنا.

حزيران 1971

 

هوامش

1 –  هاني شقير: الاسم الحركي للأمين عصام شريح، للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 –  عبود عبود: الاسم الحركي للأمين حيدر الحاج إسماعيل.

3 –  غطاس الغريب: من بلدة «راشيا الفخار». رفيق مناضل، نشط جداً في الأيام العصيبة في ستينات القرن الماضي، وتولّى لاحقاً مسؤوليات مركزية ومحلية. أتيت على ذكره في كثير من النبذات.

4 –  بدر الحاج: من بلدة «دار بعشتار» (الكورة)، باحث وكاتب وصحافي وله عدّة مؤلفات.

5 –  سلوى فرح: نشطت في بيروت متولّية مسؤولية منفذ عام. عادت مع زوجها الرفيق شمعون عيسى إلى السويد وما زالا مقيمان فيها. أتيت على ذكرها في أكثر من مناسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى