مقالات وآراء

بايدن وسورية… توازن القوى وتشابك الملفات

} عامر نعيم الياس

فاز مرشح الحزب الديمقراطي الأميركي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وبات من الواضح أنّ معارضة الرئيس الحالي دونالد ترامب لهذا الفوز دخلت مرحلة الاستعراض الإعلامي والتشكيك تمهيداً ربما لطموح رئاسي متجدّد لدى ترامب بعد أربع سنوات من تاريخ تسلّم بايدن لمهامه، وهذا أمر مشروع ولا يغيّر في النتيجة شيئاً.

العديد من الأسئلة تطرح حول سورية ومصير الاحتلال الأميركي لشرق الفرات في ضوء فوز الرئيس بايدن بالانتخابات، فهل سورية ملف رئيسي وما شكل توازن القوى المحدّد للسياسة الأميركية تجاه سورية؟

سورية ليست ملفاً رئيسياً على طاولة الرئيس الأميركي المنتخب وهي ليست كذلك حتى بالنسبة لترامب، فسورية ملف وحلقة فرعية ترتبط بملفات رئيسية أخرى على رأسها الاحتلال الأميركي للعراق ومصالح الكيان الصهيوني في المنطقة والملف النووي الإيراني والعلاقة الأميركية مع كلّ من تركيا والسعودية، وهذه الثوابت في الأمس واليوم والغد هي التي تؤثر بتداعياتها على ملف الاحتلال الأميركي لشرق الفرات بشكل مباشر، لكن المعطى الجديد هو تصريح وزير الدفاع الأميركي بضرورة سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان الذي من شأنه إنْ جرى تنفيذه أن يقلب الطاولة ويخلط الأوراق في المنطقة، فالانسحاب من العراق يفقد القوات الأميركية في سورية البعد اللوجيستي ويصبح إخلاء منطقة شرق الفرات تحصيلَ حاصل، لكن هذا مرتبط بشكل مباشر بقرار ترامب وتنفيذه لقراره وقدرته علّ التنفيذ وهذا الأمر بات موضع شكّ كبير بعد تراجعه مرتين عن قرار الانسحاب من سورية في السابق تحت ضغط المؤسسة الحاكمة التقليدية التي لا تريد الانسحاب من سورية.

اليوم فإنّ جو بايدن هو من صلب المؤسسة والنخبة الحاكمة فالرجل خدم في الكونغرس 39 عاماً وترشح مرتين للانتخابات الرئاسية ومرة كنائب رئيس الولايات المتحدة واليوم فاز وأصبح رئيساً منتخباً فماذا عن سياساته ومحدّداتها في سورية التي تبقى كما أسلفنا ملفاً فرعياً وليس رئيسياً؟

أولاً، العلاقة مع إيران ومفاوضات الملف النووي الإيراني: تحدث الرئيس المنتخب بوضوح عن هذه النقطة وهو يريد العودة إلى العديد من الاتفاقيات التي انسحب منها ترامب وأحدها الملف النووي الإيراني الذي كان في منصب نائب الرئيس عندما أُبرم الاتفاق النووي في عهد إدارة أوباما، وهذا الملف يؤثر بشكل مباشر على سورية لجهة الاقتصاد أولاً، وإنْ تطوّرت المفاوضات الأميركية الإيرانية بمكن أن يشمل الجانب السياسي عملاً بسياسة احتواء إيران والاعتراف ببعض من نفوذها الإقليمي، وبالتأكيد الوضع لن يكون أكثر سوءاً مما هو عليه اليوم في ظلّ إدارة ترامب على صعيد المواجهة الإيرانية الأميركية، إضافةً إلى أنّ أيّ تقارب بين واشنطن وطهران سيلقي بتداعياته على العلاقة الأميركية الإسرائيلية ولهذا انعكاس مباشر على سورية.

ثانياً تركيا: لم يكن الرئيس الأميركي جو بايدن غامضاً بشأن علاقته مع تركيا، فالرجل تحدث عن حقوق الإنسان في تركيا، والانقلاب والملاحقات التي تلَته بحق العديد من أنصار غولن المقيم في الولايات المتحدة، كما أنه أشار بوضوح إلى صفقة صواريخ أس 400، وفي سورية كان حريصاً على العلاقة مع الأكراد، وانطلاقاً من ذلك فإنّ احتمالات صدام تركي أميركي في سورية واردة حيث من المحتمل أن يصعّد التركي عملياته في شرق الفرات ضدّ الأكراد وهذا يفرز نتيجة عكسية بالنسبة لسورية تتجلى بإطالة فترة الاحتلال الأميركي لشرق الفرات بحجة حماية الأكراد، لكنه من جهة أخرى يرمي أنقرة أكثر فأكثر في الحضن الروسي كون أردوغان يجيد اللعب على تناقضات القوى الدولية ولا يبدو الروس حتى اللحظة راغبين بتحريك الجبهات ضدّ تركيا في سورية، وما يعزز هذا الأمر الخلاف أيضاً بين بايدن وأنقرة على صفقة أس 400 وهو ما يعزز استمرار فرضية احتواء موسكو لأنقرة في سورية خلال الفترة المقبلة. هنا لا بدّ من التأكيد على أنّ العلاقة التركية الأميركية وانعكاساتها على سورية سوف تبقى مرتهنة لردّ الفعل الروسي على أيّ خلاف تركي أميركي مع أنه ظاهراً يبدو أنه ينعكس بشكل إيجابي على سورية خاصةً أنه خلاف بين دول الأطلسي على أرض سورية، لكن هذا فقط ما يطفو على السطح لكن في العمق فإنّ الصراع على دور تركيا الذي يشكل محور السياسة الروسية في المنطقة يبقي هذا الملف بتأثيرات متناقضة على الأرض السورية.

ثالثاً، العراق: لا يبدو أنّ الحزب الديمقراطي ينوي الانسحاب العسكري الكامل من العراق حيث جاء في برنامج الحزب الديمقراطي أنّ «العلاقات الفعّالة مع الخليج ستساعدنا على إعادة ربط العراق بجيرانه وحماية استقرار البلاد وأمنها وسيادتها. الديمقراطيون يؤيدون بقاء قوة عسكرية صغيرة محدودة ومركزة لتدريب شركائنا العراقيين حتى يتمكّنوا من ضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة»، هذا المعطى هو الآخر يرتبط بالمعطى التفاوضي مع إيران أولاً، ومعنى بقاء قوة صغيرة في العراق هل من الممكن أن يندرج في سياق عملية إعادة انتشار، أم أنه سيكون انسحاباً كبيراً مقابل الإبقاء على قوة محدودة في القواعد العسكرية الأمركية؟ فضلاً عن أنّ الحزب الديمقراطي دعا إلى العودة إلى الدبلوماسية الفعالة في إدارة العلاقة بين الولايات المتحدة ودول العالم ومنها الشرق الأوسط، هنا يبرز معطى الحكومة العراقية الحالية ومدى اقترابها من المصالح الغربية والذي لا يبدو في وارد التغيير في المدى المنظور.

على الرغم من كلّ ما سبق فإنه تجدر الإشارة إلى أنّ ترامب في الفترة الأخيرة تحوّل إلى واجهة لأقصى اليمين المتطرف الموالي لـ «إسرائيل» في الولايات المتحدة والرجل خدم سياسات الكيان الصهيوني بإخلاص، بل إنه نفذها، وإن كان هناك من يستند على أنّ التغيير غير متاح بالشكل الذي يطالب به البعض كون لا فروقات جوهرية في سياسات الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الشرق الأوسط وبالنسبة لـ «إسرائيل»، فإنّ العودة إلى اعتماد سياسات تقليدية في المنطقة بعد سياسات ترامب الانقلابية بحدّ ذاتها ستفرز تغييراً كبيراً بالتعاطي الأميركي في المنطقة، هذا إن لم نستثن العلاقة الأمركية السعودية وانعكاساتها على السياسات العامة تجاه سورية والمنطقة، وبكلّ تأكيد فإنّ الوضع لن يكون أكثر سوءاً مما هو عليه الآن بالنسبة لسورية على وجه الخصوص، دون أن نسقط من حسابنا الخط الدبلوماسي المفتوح في ما يخصّ أوستن تايس وغيره من الأسرى الأميركيين حسب مزاعم الحكومة الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى