ثقافة وفنون

«نواجه سياسة صهيونيّة عالميّة للقضاء على الأدمغة الشرقيّة» سامي كلارك: أنا متشائم وأتمنى أن نملك الوعي الكافي للمواجهة

حاورته ـ عبير حمدان

يؤكد الفنان سامي كلارك نظرية المؤامرة الساعية لتفريغ المضمون الفني والثقافي من معناه وتحويله الى واقع مشوه، مشيراً الى برامج الهواة التي تقوم على بدعة تلفزيون الواقع وتصويت الجمهور والسعي لإلغاء دور أصحاب الاختصاص.

كلارك الذي يمتلك رصيداً غنائياً تخطى الـ 720 أغنية عربية وأجنبية لا يكترث كثيراً للاضواء والجوائز التي كانت مرافقة له على الدوام، ويعتبر أن عائلته أغلى ما يملك، ورغم عدم رضاه عن الوسط الفني إلا أنه لا يقف عائقاً أمام ولديه إذا قررا احتراف الغناء لكونه يثق بقدرتهما على التمييز بين الصالح والطالح في هذا الإطار.

في زمن الإيقاع السريع وسيطرة الصورة وما تحمله من إشكال تناقض الرقي الفني يسعى جزء لا يستهان به من فناني النجومية السريعة الى التعلق بقطار الديو العابر للقارات لقناعتهم بأن الغناء مع مغنٍّ أجنبي يعبّد لهم طريق العالمية. في المقابل يستريح كلارك في الجو العائلي الذي ارتضاه بعد أن غنى بالفرنسية والإيطالية والأرمنية واليونانية والألمانية والروسية، فأقام لنفسه مكانة بين أقرانه الأجانب تميّز فيها خصوصاً بأغنية “موري موري” باللغة الإنكليزية من ألحان الياس الرحباني حاصداً العديد من الجوائز في مهرجانات موسيقية من بلغاريا وألمانيا وفرنسا واليونان والنمسا.

اليوم يشكل كلارك مع المايسترو عبده منذر والأمير الصغير ثلاثياً ذهبياً في محاولة جاهدة لإعادة القيمة الحقيقية للكلمة واللحن.

نبدأ الحديث مع كلارك حول الواقع الفني وإشكالية الانحدار الفاضح للأغنية العربية فيقول: «الانحدار الفني الذي نشهده لا ينحصر في لبنان وحسب بل هو حاصل في العالم كله وأعطيك مثالاً على ذلك في فرنسا مثلاً منذ بدأ انتاج البرامج الاستهلاكية والتجارية مثل «ستار اكاديمي» وغيرها اختفى حضور كبار الفنانين كشارل ازنافور وجوني هوليداي وغيرهم. هذه البرامج ساهمت في ترسيخ السطحية فنياً، أصبح الشكل والخلاعة والمساكنة هي المقياس على قاعدة أن أيّاً كان يمكنه أن يغني إذا ما خضع للشروط المطلوبة ووافق على التفاصيل التي يراها المشاهد. بمعنى أن الأمور ليست عفوية كما تظهر بل هي مدروسة من قبل المتحكمين بعجلة الإنتاج ولا يظن أحد أن علاقات الحب التي يعيشها المشتركون بما يسمى برامج تلفزيون الواقع حقيقيّة بل متفق عليها لتكون عامل جذب».

ويضيف «ما نراه عبارة عن لعبة شطرنج الهدف منها الربح تحت صفة الفن، وأسياد هذه اللعبة شركات الإنتاج والقيمين على الفضائيات. والطرفان يبحثان عن أسواق جديدة والسوق العربية مثمرة بالنسبة لهم خاصة مع سياسة التصويت عبر الهاتف مما يهمش الموهبة الحقيقية وأصحاب الرأي المتخصص من اللجان التحكيمية التي باتت هيئة شكليّة أمام تصويت الجمهور».

إذا هل الجمهور هو المسؤول عن هذا الانحدار؟ يجيب: «الحق ليس على الجمهور انما هناك استغلال له ليس على صعيد العالم العربي، بل في كل مكان من العالم، يوجد مافيا ناشطة تسيّره خدمة لمصالحها. كما الذي اخترع «الفايس بوك» ودخل بواسطته على كل بيت وتعدّى على خصوصيات الناس وللأسف نحن شعوب تتلقى دون مناقشة في الأسباب والأهداف. هناك سعي لتحطيم الثقافة والقضاء على الطابع العائلي والمجتمع بالكامل، ومحاولة لفرض أفكار مشوهة تحت صفة تطور العصر. المؤامرة قديمة جديدة وليست مرتبطة بالفن فقط بل بالتركيبة السياسية والاجتماعية للعالم العربي؛ في المقابل من يصّدر لنا برامجه من الغرب بنسخة معربة يضبط الأمور أكثر في محيطه ويترك مساحة لفن جيد ولو دخل جزء منه في لعبة الاستهلاك والاستسهال».

ولكلارك رأي في الثورات الآنية المنتقلة من بلد عربي الى آخر: «لا أثق بالثورات المتنقلة والتي استعرت دفعة واحدة خاصة أن هناك جهات بدأت تستثمرها لتحكم سيطرتها على المنطقة، الثورة ليست أن يتجمّع عشرة اشخاص ويهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام» دون هدف واضح ورؤية لما بعد الهُتاف. ما نراه حركة مخيفة تأخذنا الى مكان مخيف ومن ساهم في تصاعد وتيرتها «الفايس بوك» وجميعنا يعرف مَن يتحكم بهذه المواقع الالكترونية التي تدير العالم».

ويضيف في إطار متصل: «حبذا لو تتعلم هذه الشعوب من تجربتنا في لبنان حين انجرفت الاطراف اللبنانية كافة الى أتون الحرب الأهلية وبعدها دخلنا مرحلة الإعمار من لحمنا ودمنا ودفعنا ثمن الحرب والسلم ولا نزال. الثورة تكون بتغيير الواقع السياسي من الداخل وليس بوحي خارجي والمثال واضح إذا نظرنا الى العراق والسودان وحتى مصر، لا يجب أن نفرح بما يحصل بل علينا أن ننظر نحو أفق أبعد. والهدف الحقيقيّ  من كل الذي يحصل في العالم العربي راحة «إسرائيل» وجعلها نموذجاً متحضراً ومسيطراً ضمن لعبة إعلامية منظمة تجتاح مجتمعاتنا فكرياً وثقافياً وفنياً».

ونسأل كلارك عن النشيد الوطنيّ والضجة التي أثيرت حوله فيقول: «هناك أشخاص يبحثون عن شهرة معينة فيسعون لإثارة ضجة من فراغ، كل القصة أن هناك حزباً مغربياً قام بتأليف هذا النشيد منذ زمن، لكنه لم يعتمده وبالتالي اشتراه وديع صبرا وجميعنا نعرف مكانة هذا الملحن في العالم العربي وليس في لبنان وحسب، وبإمكانك التواصل مع ابنته بالتبني بديعة حداد التي عاصرت تلك المرحلة وتعرف التفاصيل كافة. والمضحك أن البعض يريد تأليف نشيد آخر، تصوّري أن نختلف على نشيدنا الوطني، فعلاً شر البلية ما يُضحك. شراء الألحان أمر قديم ومباح ولا يستدعي كل هذه الضجة التي لا تحتمل أي تبرير».

أما إلى أي مدى يخشى كلارك على أولاده من الوسط الفني لكونهما يتجهان نحوه؟ يجيب: «التربية هي الاساس وأنا اؤمن بالحياة العائلية لذا ربيت ولديّ ضمن هذا الجو وأقف إلى جانبهما في أي خيار يتخذناه وهما يعرفان ما يريدان، لذا لا أخشى عليهما وهما يتابعان دراستهما الجامعية وحين يقرران احتراف الفن سأساعدهما».

لكن هل الموهبة توّرث؟ يقول: «قد توّرث ولكن ليس في كل بيت، بالنسبة لي أؤمن بتوريث الموهبة مثلا زوجتي رسامة وابنتي كذلك وأنا أكتب وهي أيضاً تكتب، ولو أن ولديّ لا يملكان صوتاً جميلاً لما قبلت أن يحترفا الغناء».

وعن علاقته بالجمهور السوريّ، يقول:» في سورية هناك تقدير للفن والفنانين والسوريون يمتلكون ثقافة فنية عالية، أنا أحيي الحفلات هناك مع أولادي ولا يمكن وصف طريقة تعاطي الناس المحبّ معنا حتى حين نسير في الشارع هناك، من جهتي أؤمن أن سورية ولبنان محكومان بالتكاتف على الدوام، هما البلدان الوحيدان في المواجهة لإيمانهما بالقضايا المحقة وأظنّ أننا دفعنا ثمن هذه المواجهة ولا نزال. صحيح أني لا أتعاطى بالسياسة، ولكن أتشرف بالمقاومة وما حققته من انتصارات وإيماني بلبنان الواحد بنظام مدني علماني يحترم حقوق الجميع ومعتقداتهم، وأدرك حقيقة الأطماع الاستعماريّة بثروات الشرق».

ويتحدّث كلارك عن الأغنية الوطنية فيقول: «أنا غنيت للوطن ودرّست في المدارس والجامعات النشيد الوطني، وسعيت لنشر الفكر والثقافة التي يليها السلاح المدافع عن الوطن، من جهة أخرى أرفض منطق ربط الأغنية الوطنية بالمناسبات فقط علينا دائماً أن نغني الوطن كما نغني الحب والطفولة».

كلارك الذي غنى للأطفال وحفظنا صوته المرافق للرسوم المتحركة «غرندايزر» يرى في رسوم هذا الزمن كل شيء إلا الطفولة وفي ذلك يقول: «غنيت للأطفال ويؤسفني التشويه الذي نراه اليوم في الرسوم المتحركة التي لا تشبه براءة الاطفال وأحلامهم بل هي ترّوج للعنف والجنس ولا تظني أن هذه صدفة، بل هي سياسة صهيونية عالمية موجهة ودول كثيرة شريكة فيها لاحتلال الادمغة الشرقية بنوع خاص، لأن في هذا الشرق شريحة لا يستهان بها قادرة أن تقول لهم لا، ويريدون التخلص منها. للاسف أنا متشائم في هذا الخصوص وأتمنى أن نملك جميعنا الوعي لنقف في وجه مخططاتهم».

وفي ما يتصل بالجوائز التي يحصدها فنانو هذا العصر يقول: «ما يحصل اليوم هو عملية بيع وشراء بين شركات الإنتاج والقيّمين على توزيع هذا الجوائز. ويتم منحها لمن يدفع أكثر، لكن على أي أساس يتم منح هذه الجوائز لا ندري، خاصة أن من يحصدها لا يقدم سوى النشاز ولا يمكنه حتى أن يغني مباشراً».

وننتقل الى سياسة تغييب الفنانين اللبنانيين عن المهرجانات اللبنانية فيقول: «للأسف كل شيء من الغرب له الاولوية بالنسبة لمنظمي المهرجانات ولا ادري سبب هذا التصرف، لعلهم يطبقون المثل القائل «كل شي فرجي برنجي»، لذلك يعطون الحيز الأكبر للفرق الاجنبية»».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى