أنطون سعادهمقالات وآراء

آذار الحياة…

} د.هاشم حسين*

إلى كلّ ذي عقل شرعه الأعلى

تحية سورية قومية اجتماعية

تحيا الأمم رهطاً من الزمن تبحث عن قادة في جوفها تعيد لها مسارات الحياة وتنقذ وجودها من براثن النسيان، ومخالب الأحقاد، وعقدة الدونية للأمم الناشئة التي تسعى جاهدة للقضاء على تاريخ مَن سبقها، لتضع لنفسها قدراً وتعيد رسم التاريخ وفقاً لقوتها ورغباتها، ولَكم شهدنا عبر التاريخ اندثار أمم وولادة أمم أخرى، وهذه ترتكز على تاريخ تلك، وهذه تنهب تاريخ تلك، وهذه تباهي الآخرين بوراثة تلك عبر عملية استعمارية بغيضة تنهب فيها ثرواتها وتاريخها وتضعه في متاحفها تتغنّى به كما قيل في المثل الشعبي الدارج (تتغنى القرعة بشعر جارتها). نعم هذه هي القوى الاستعمارية… تتغنى بتاريخ الأمم الأخرى وثقافاتها وآثارها وأوابدها المسروقة عنوة لتضعها في متاحفها تجذب إليها الزائرين… وتتغنى أمامهم بقوّتها الاستعمارية التي سلبت فيها تاريخ الأمم ومقدّراتها بوقاحة قلّ نظيرها…

هو الحال عبر التاريخ، هكذا هي طبيعة الأمم؛ القوية تأكل الضعيفة بقانون الغاب تحكم فيها قبضتها على الشعوب وتسيطر عليها… كنظام البحار الكبار تبتلع الصغار… وتتجشأ على حائط الحضارة الإنسانية ثقافة هجينة… تدّعي أنها شريكة فيها وفي صناعتها.. وهي ليست إلا مجرد شريك مضارب.. يضارب برأس مال غيره ولا يخاف الخسارة، لأنه ببساطة لا يوجد عنده شيء ليخسره..

هو الحال بقي أيضاً، على بلادنا السورية لردح من الزمن، تتلقف دول الاستعمار المتتالية، مرة تحت سطوة القوة المفرطة، ومرة تحت سطوة الأديان والمذاهب التي سلبت شعبنا ليس ثرواته ومقدراته فحسب بل حقيقته النفسية وحوّلته شعباً هجيناً يقتتل على ما ليس له!!

ويدافع عن الوهم من أجل أن يربح العدم…، وما ناله في هذا النزاع إلا فوضى، وكوارث وحروبٌ فرقته مبعثراً بين الأمم الأخرى يبحث عن بعض فتات يسدّ به رمق ضعفه المقتول فيه.

اقتتالات لا طائل منها فتكت به حتى أنهكته، وحوّلته إلى شعب استهلاكيّ هائم بين الأمم وثقافاتها بعد أن كان هو أصل الثقافة وتاريخ الأمم…

صبرت الأمة السورية هذا الكم الهائل من السنين حتى قالت الأقدار كلها كلمتها… فتوحّدت في قدرٍ.. وأعلنت ذاتها.. بقضاء الوجود إرادة الحياة..

فكان الأول من آذار… أن توحّدت الأقدار كلها… وشاءت… يكون هو القضاء والقدر… في عام من الزمن بلغ فيه 1904.

فكان فتى الربيع… الذي وثب من بين قصص الوجود والإنسانية ليسجل الانبعاث في ربيع الحياة، ويرسم خطى التموز ليعود مع تشرين صناعة الإنسانية برمتها.. مرة جديدة…، ويعلن إرادة الحياة من جديد…

ويصنع النداء: لتحي سورية..

فكانت الأمة على موعد مع ولادة الحياة من جديد… بعد أن كاد يغلبها الوهن واليأس والنعاس فأشرقت شمسها من عوالم الوجود اللامتناهي حضارة وعلوماً ومعارف… تعلن أنها الإرادة التي لا تُرد ونون والقلم وما يسطرون.

نعم، هذا هو آذار بالنسبة للأمة السورية..

نعم هذا هو آذار بالنسبة للحركة السورية القومية الاجتماعية

هو ولادة الحياة، وليس مجرد ذكرى ميلاد رجل… يحيا ويموت…

بل هي ذكرى ولادة الحياة تنبعث من جديد في جسد الإنسانية لتكون القضاء كله والقدر في عقلٍ انعقد فيه كل الشرع الاعلى…

فرأى في لبنان إشعاع النور والفكر

ورأى في الشام العزوة والقوة

ورأى في العراق الحضارة والمتانة والشرائع والتمدن

ورأى في الأردن طريق السلام والاطمئنان بين ضفتي القداسة من عشتار الحب إلى مدينة الحب والسلام في أرض كنعان

ورأى في فلسطين منارة القضية عبر الأزمان فيها تجسّد الروح فصار إنساناً… وعبر منها الإنسان إلى العنان

واشرأبّ فوق البحر يعزف قيثارة الحياة فرأى في قبرص النجم الذي لا يُخفى نوره في فضاءات الأمم

ومن سيناء إلى كيليكيا غرّد الحرف في ميسلون، ومن الأهواز نادى الكويت لبيك اسكندرون… من هنا عزم التاريخ إلى الشرق جبالاً تجلّت كالحصون… قال البحر للأمة وسجد عند أقدامها يغسلها قداسة الماء…

فعصفت في سيناء الحياة من جديد، وقالت: أنا امتداد الأمة أحرسها عند تخوم الفرعون اقتص من الجنود ضماء..

وفي هذه العزوة الانسانية المفعمة بالحياة… وقف البحر السوري ينشد…

 سورية لك السلام سورية لك السلام

فرتلت له الأرواح العائمة في عبق الانسانية والتضحية

سورية نحن الهدى سورية نحن الفدى.

فقال البحر للتراب المتين ينادي الثريا

أنا السفينة إلى الأمم أبحرت الحرف والعلم على أضلع موجي ونور الأرض والسماء تلألأت على صفحتي وجعلت في نفوس البشر الضياء..

وعلى صدري.. عبر القدموس معلماً وأليسار ممدنة والأبجدية إشعاع النور في هذا الوجود… كتبت بلون الأرجوان

تنادت كل المستوطنات في الوجود واجتمعت كلها كالقدر..

حين تنادت وقالت… آه للزمن.. وأخيراً وبعد طول انتظار…

اشرق نور الانسانية في الأول من آذار….

فكانت… ولادة الحياة…

ايها الناس

ايها السوريون

ايها القوميون الاجتماعيون

لا تحسدنّنا على غبطتنا… فنحن نباهي الامم كلها بتاريخ سوريانا… ونباهي سورية بفتاها… فتى الربيع… الفتى الفادي، المولود في يوم الأرض، والمنبعث من عشقها فيها طائر الفينيق يرسم لها قواعد الحياة الجديدة…

فهل نصون هذا الإرث الجديد؟!

لا يخافنّ احد ابداً من الآتي، فالآتي يصنعه الرجال وقفات عزٍ تعيد فيها صياغة الوجود برمته، وحينها ستردد الأجيال مباهية الأمم كلها… وهي تنشد:

في الأول من آذار… ولادة الحياة واجتماع كل الأقدار في قدر…

ولادة رجل وأمة… ولادة قائد نذر نفسه لأمته فكان هو القضاء والقدر… وأنشودة «النصر العظيم لأعظم صبر في التاريخ».. ستشهده الأجيال الآتية..

انه نصر الوعد الحتميّ الموسوم بدم فتى الربيع… مولود آذار

له الوعد والعهد والبر بالقسم

ومَن يعش يرَ.

*عميد شؤون التنمية الإدارية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى