الوطن

دورات النهب العالمي تبعها القلاقل العالمية

} حسين بن عبد الخالق اللواتي*

إنها مثل الدورات الاقتصادية من النمو والكساد،

ومثل الدورات الموسمية من الأمطار والجفاف.

 ومثل دورات الحرارة الشديدة والبرودة الشديدة.

ومثل دورات الخصوبة والإنجاب في النساء كلّ شهر.

كلّ دورة لها مدة، قد تكون أربع سنوات أو خمس أو سبع أو عشر سنوات.

هذه الدورة التي نحن على وشك رؤية عروجها وشدّتها هي دورة النهب العالمية.

نهب عالمي بلغ أشدّه الآن. نهب من قبل مجموعة صغيرة من الأغنياء والأقوياء، والشركات العابرة المسؤولين الكبار، لا تتجاوز نسبة مجموع هؤلاء النهابين عن واحد بالمائة من اللصوص.

واحد بالمائة من الأقوياء ينهبون 99 بالمائة من البشر، كلّ البشر، في كلّ العالم.

واحد بالمائة يستولون على 95 بالمائة من الثروات والموارد والدخول والأموال والأسهم والسندات والعقارات وكلّ شيء.

تحدث هذه الدورة كلّ 60 أو 70 سنة.

تبدأ الدورة عندما تزيد تجارات وشركات الأقوياء، فتبعاً لذلك تزيد دخولهم وثرواتهم وأموالهم وممتلكاتهم والسيولة النقدية.

كلما زادت دخولهم وثرواتهم زادت قوّتهم الاقتصادية.

كلما زادت قوّتهم الاقتصادية زادت قوّتهم الاجتماعية.

وكلما زادت قوتهم الاقتصادية والاجتماعية زادت قوّتهم السياسية، لأنهم استطاعوا شراء السياسيين ورجال الدين ورجال العلم (الأكاديميين).

وكلما زادت قوّتهم السياسية عادت وزادت قوّتهم التجارية والمالية والاقتصادية.

إنها دائرة كلّ حلقة فيها تغذي ما قبلها وما بعدها من الحلقات.

فالقوة تزيد الدخل، والدخل يزيد القوة وهكذا دواليك.

إنهم الأغنياء، التجار الكبار، أصحاب الشركات الكبيرة، الأقوياء، وكبار المسؤولين، ويسمّون بالبرجوازية، كما يسمّون بالاوليغارشية، ويسمّيهم القرآن بالمترفين، وفي الغرب يسمّون بالمليارديرات.

يبلغ بهم الحال والقوة إلى درجة أنهم يتحكّمون في الأعمال والجامعات والحكومات والجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، لهذا يسمّون بالحكومات الخفية، أو الحكومات العميقة.

فهم يديرون البلدان الكبيرة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وكندا وأستراليا، وأجهزتها الضاربة والأعمال والأسواق والبورصات والبنوك والجامعات وكلّ مراكز التأثير في هذه البلدان الكبيرة.

ومن خلال بلدانهم الكبيرة وأجهزتها الضاربة يديرون الحكومات الأخرى الصغيرة في العالم، وبها يديرون كلّ دول العالم وشعوبها، من خلال خلق بورجوازيات صغيرة تابعة لهم في تلك البلدان في جميع أنحاء العالم.

ومن خلال البلدان وأجهزتها الداخلية يتحكّمون أيضاً في المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية.

إنها حلقة محكمة ومغلقة من النفوذ والتسلط والاستعمار، فوق الاستعمار الاقتصادي فإنه استعمار عسكري أيضاً.

وكلما توسعت حلقة نفوذهم وتأثيرهم زاد النهب للثروات والتجارات والثروات الطبيعية والأعمال التجارية والصناعية والزراعية.

هكذا تصل دورة النهب لأعلى مستوى وقمة لها.

عندها تحصل دورة مضادة لها وهي دورة القلاقل والثورات وقلب أنظمة الحكم التي تحمي الكبار الأقوياء بدلاً من شعوبها.

وكلما زاد نهبهم وتسلطهم زاد الفقر والأسعار والتضخم، وقلت الدخول والرواتب والمدخرات لدى الناس، أيّ لدى 99 بالمائة من البشر، في كلّ أنحاء العالم.

وكلما زاد النهب زاد الحرمان والجوع والموت جوعاً. وعندما يزيد الحرمان والجوع والأسعار والتضخم تبدأ القلاقل الاجتماعية وبالتالي الثورات السياسية.

وجدنا هذا يحدث في تونس: البوعزيزي يحرق نفسه بسبب الفقر والجوع.

وجدناه يحدث في مصر: ثورة الجياع و»حرامية» الخبز.

حدث في فرنسا منذ سنتين: ثورة أصحاب السترات الصفر.

حدث في الولايات المتحدة نفسها: حركة احتلت وول استريت.

يحدث الآن في المانيا، وفي الولايات المتحدة مرة أخرى، وفي بريطانيا، وفي بلجيكا، وفي سريلانكا.

إننا على وشك أن تصل الدورة المضادة إلى قمتها وعروجها، لتسقط الحكومات والأنظمة التي تحمي المترفين الناهبين.

تحدث هذه الدورة كلّ 60 أو 70 سنة.

آخر حصول لها كان في خمسينات القرن الماضي.

وبسببها سقطت الملكية في مصر: حصلت ثورة الضباط الأحرار.

وحصلت في إيران على نظام بهلوي.

وحصلت في باكستان والهند وإندونيسيا والصين وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا وفي كلّ أنحاء العالم.

إننا على وشك سقوط أنظمة وحكومات ودول ومنظمات دولية عديدة.

فهل ستحدث تعديلات حقيقية، وتوزيع للثروات، ونظام عالمي جديد؟

أم سنعود إلى علوّ جديد للأغنياء والأقوياء والأوليغارش والبورجوازية والمترفين، من جديد بعد 50 سنة؟

 

*محلل اقتصادي ـ مسقط ـ سلطنة عُمان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى