أخيرة

نافذة ضوء

مساحيق التمويه لا تلغي القذارات ولا رائحتها الكريهة ولا نتائجها السامة

‭}‬ يوسف المسمار*

إن أدوات التمويه والألوان والأصباغ والأوساخ والمساحيق التي أخذ أعداؤنا يستعملونها بعد أن بدأت قذاراتهم وأنواع إجرامهم تنفضح أمام نور البصائر الحيَّة من أبناء أمتنا وأبناء الشعوب الحرة، ليست سوى دمى وجراثيم ومكروبات ومكبات قذارة ومزابل مموّهة بأسماء منظمات ذيلية مثل: «جامعة عربية، واخوان مسلمين، ومنظمات قاعدة، ونصرة، وداعش، وحقوق الإنسان، وحرية وديمقراطية الى ما هنالك من تنظيمات قراصنة وقطاع طرق، وعصابات نهب وسلب وإجرام وقتل وتخريب».
وكل هذه التنظيمات ليست الا اصباغاً لتمويه حقيقة تلك الحكومات ذات الطبيعة العدوانية الخبيثة التي لم تستطع يوماً في تاريخها أن تكون فاضلة في تعاملها مع الشعوب الضعيفة الفقيرة المظلومة.
أليست هذه هي الحقيقة الناصعة التي وردت في الانجيل البشير التي تقول: إن كل من يعمل السيئات يبغض النور لئلا ينفضح، وإن كل من يفعل الحق يُقبل الى النور لكي تظهر أعماله؟
البذرة الطيّبة والبذرة الخبيثة
أليست هي الحقيقة نفسها التي ذكرها القرآن الحكيم حين تكلم عن الشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة بقوله في سورة إبراهيم: «ألم تَـرَ كيف ضرب اللهُ مثلاً كلمة طيبة كشجرةٍ طيّبة أصلها ثابتٌ وفرعُها في السماء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ»؟.
أيعقل وجود ثمر طيّب من دون شجرة طيّبة أو وجود شجرة طيبة من غير بذرةٍ طيبة وثمر طيّب؟
أيصح أن ينتج ثمرٌ خبيث الا من شجرة خبيثة أو أن تنبت شجرةٌ خبيثة الا من بذرة خبيثة؟
الطيبة في الإنسان طبيعة، والخبث في الانسان ايضاً طبيعة. والنور الذي أشار اليه السيد المسيح يكشف الطيبة، ويفضح الخبث وشتان شتان ما بين الطيبة والخبث.
ولذلك يُحبُ الصالحون النور لتظهر أعمالهم الصالحة، ويبغضُ الفاسدون النور ليخفوا مفاسدهم.
الطبع إصالة والتطبع زيف
يقول العالم الاجتماعي الفيلسوف أنطون سعاده في محاضرته الأولى التي ألقاها في الندوة الثقافية بتاريخ 07 كانون الثاني 1948:
«إذا كنا بطبيعتنا أشراراً فلا يوجد قواعد تُغيِّر هذا الطبع، وحين لا يوجد للحق والخير والجمال ضمانٌ من أنفسنا، فلا يمكن كل مفكري العالم إنقاذها من طبيعتنا. نحن نؤمن بأنفسنا قبل كل شيء، بحقيقتنا الجميلة الخيِّرة القوية. نحن جماعة مؤمنة بحقيقتها وطبيعتها وأساسها، مؤمنة بأنه لا يمكن أن يكون في حقيقتها وطبيعتها إلا الحق والخير والجمال».
وطبيعة الحق والخير والجمال لا يمكنها ان تنتج الا ما هو أحق وما هو أخير وما هو أجمل. أما طبيعة الباطل والشر والقبح فليس بمقدورها أن تُنتج الا الأشد باطلاً، والأفظع شراً، والأكثر بشاعة.
وفي هذا الوضوح يتضح لنا معنى المحبة التي مارسها السيد المسيح ودعا إليها، ومضمون الرحمة التي مارسها النبيّ محمد ودعا الناس الى ممارستها. فالمحبة التي لا تحب النور وتبغض الظلام ليست المحبة التي أرادها السيد المسيح ولا يمكن أن تكون. والرحمة التي لا تعشق النور وتكره الظلمات ليست الرحمة التي دعا اليها النبي محمد ولن تكون رحمة لترسيخ مكارم الأخلاق.
والسماح الذي قال به السيد المسيح ان لم يكن بعد الاعتراف بالخطيئة وتوبة المجرم هو مشاركة في الجريمة، بل هو أفظع من الجريمة. والعفو الذي دعا القرآن اليه ان لم يكن بعد الاعتراف بالذنب والتراجع عن الفاحشة وممارسة الغفران هو أعظم من الفحشاء والمُنكر.
وكم كان حكيماً ومصيباً الشاعر الحكيم المنسي بوبليو السوري المولود في العام 85 قبل ميلاد السيد المسيح الذي اختطفه وأسره الجيش الروماني في انطاكية وهو ابن الثانية عشرة من العمر وأخذوه الى روما حين قال:
«القاضي الذي يسامح المجرم على تماديه في جرمه هو المجرم الحقيقي الأكبر». وأي طبيعة مهما تموّهت وتسترت بلباس الحق والخير والجمال التي تهادن طبيعة الباطل والشر والبشاعة هي أخطر من طبيعة الباطل والشر والبشاعة.
التعيينُ أساس الوضوح
فحتى يستقيم القول المتقدم «المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين» علينا أن نعيِّن أي مؤمن نعني. المؤمن الواعي الممارس للحق أم المؤمن الجاهل الممارس للباطل؟
صحيح أن الذي يَـلدغ بخبثه وشره هو صاحب الطبيعة الشريرة الخبيثة، وأن الذي يُـلدَغ اي الملدوغ هو صاحب الطبيعة الخيِّرة التي لا تُـنتج ولا تُعطي الا الخير، ولكن الأخيار الذين يُلدغون من قبل الأشرار ولا يتعظون ويضعون حداً لشر الأشرار واجتثاثهم هم الأغبياء الذين يسقطون غير مأسوف عليهم لأنهم تنازلوا عن طبيعتهم الخيِّرة وتخلوا عن حريتهم واستقلالهم الروحي في إبراز طبيعتهم، واستجبنوا وخافوا فحق فيهم قول سعاده:
«من لا ينهض لنيل الحرّية خوفًاً على حياته خسر الحرّية والحياة معًا».
أما آن أن يعي شعبنا ويعرف أعداءه من أصدقائه ويضع للمعتدين حداً يقفون عنده فينقذ نفسه من الهلاك ويلجم أصحاب طبيعة الشر والعدوان عن عدوانهم وشرورهم؟!
*شاعر وباحث قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى