أولى

جردة حساب…

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
يشترك عالم السياسة مع عالم التجارة في بعض جوانبه، ومنها السعي إلى الربح ثم في طريقه احتساب الربح والخسارة، وإنْ اختلفت نوعية العوائد أو الخسائر من قضايا قومية ومسائل وطنية في الحالة الأولى، إلى أرباح وخسائر ذات طبيعة نقدية سلعية في الحالة الثانية.
الداعي لهذه المقدّمة هو المواجهة الأخيرة على جبهة غزة بين حركة الجهاد الاسلامي ومعها بعض الشركاء وبين الحكومة (الإسرائيلية)، التي انتهت وكلّ فريق يدّعي انه حقق النصر المؤزّر، وأنه ألحق بالآخر هزيمة نكراء، وهذا يعود الى طريقة كلّ فريق في احتساب الأرباح والخسائر، لكن من كان المنتصر؟
لم تكن الحرب متوقفة مع الاحتلال لا في الضفة التي يجتاح مدن وقرى ومخيمات شمالها يومياً ويقتل شهيداً أو أكثر يومياً، وإنْ في غزة بالحصار والتجويع، لكن الإعلان عن استشهاد الشيخ خضر عدنان في سجن الرملة قد أضاف حرارة الى طبيعة الاشتباك، فقد كانت إدارة السجون على معرفه تامة بما ينتظر الشيخ الشهيد مما جعل من وفاته عملية قتل واغتيال مكتملة الأركان…
كانت معركة لاطم بها الكفّ المخرز، معركة إرادات وصمود انتصر بها شيخُنا وإنْ كانت حياته هي الثمن، لم يجد الإسرائيلي بدّاً من الاستمرار في معركة الإرادات هذه، إنْ في الضفة الغربية وعمليات الاجتياح والاقتحام اليومية في مدن وقرى ومخيمات شمال الضفة، وإنْ بالهجوم على غزة والذي ذهب ضحيته في البداية الشهداء القادة الثلاثة وبعض أفراد أسرهم من نساء وأطفال، انتظر الإسرائيلي واستعدّ لردّ المقاومة الذي تأخّر مما ضاعف من قلقه وإرباكه، لكن الردّ جاء بما يفوق توقعاته.
في حال اعتمدنا مقياس التجارة في حسابات الربح والخسارة فإنّ الإسرائيلي يكون قد حقق نقاطاً على المقاومة، إذ كان في نتيجة المواجهة اغتيال ستة من القادة الكبار في المقاومة بمن فيهم الشهيد طارق عز الدين الذي اعتبره الاحتلال أنه المشرف على نشاطات حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، ومعهم ما يزيد عن ثلاثين شهيداً مدنياً بمن فيهم الأطفال والأمهات، كما أصيب بالجراح أضعاف هذا العدد، ثم أنه أوقع خسائر جسيمة في المباني والمصانع والمزارع والبنى التحتية بما يملك من قدراتٍ تدميرية لا يتورّع عن استخدامها، حقق نتنياهو أرباحاً سياسية داخلية بتعزيز موقعه في مواجهه خصومه في المعارضة، كما في مواجهة حلفائه المزعجين في الحكومة، لكن أكثر ما كان مزعجاً أنه وضع موضوع وحدة الساحات لمحور المقاومة في دائرة الظنّ، خاصة بعد زيارة الرئيس الإيراني الى دمشق وما قيل عن نتائجها، فيستطيع من أراد أن يقول إنّ صواريخ المقاومة التي تجاوزت الألف صاروخ لم توقع إلا قتيلاً واحداً وعدداً ضئيلاً من الجرحى، ولم تهدم بنايات او تدمّر مصانع وبنى تحتية.
أما في حال اعتماد مقياس السياسة في الحساب، فإنّ النتائج تبدو مختلفة، فقد أراد نتنياهو أن يضع قواعد اشتباك جديدة وسياسة ردعية جديدة، لكنه لم يستطع ذلك، أراد نتنياهو اتخاذ إجراءات استباقية لمسيرة الأعلام التي ستنطلق اليوم في القدس ولا نستطيع التنبّؤ بنتائجها، أراد نتنياهو في اختيار وتحديد حركة الجهاد الإسلامي كهدف محدّد والتي يعتبرها امتداداً للحرس الثوري وحزب الله، أو نسخة عنهما، لإرسال رسالتين الأولى لإيران والمقاومة اللبنانية، والثانية للحلفاء المطبّعين الجدد والقدامى لإعطاء شحنة طاقة جديدة لهم وللدين الإبراهيمي الجديد، أراد نتنياهو أن يعزز الفصل بين الضفة الغربية وغزة.
لكن لما كانت الحرب امتداداً للسياسة وهي حرب إرادات… فغزة رفضت أن تستسلم مع ما أصابها من جراح ودمار، واحتفظت بحق الضربة الأخيرة فأدخلت ثلثي «المجتمع الإسرائيلي» اليهودي الى الملاجئ وأخرجت المطارات عن الخدمة، فيما الضفة مستمرّة في مقاومتها ولم تستطع حكومة (الاحتلال) فرض إرادتها على الشيخ الشهيد خضر عدنان حياً أو ميتاً، ولن تستطيع على مَن هم على شاكلته، وما المقاومون عندما اختاروا هذا الطريق إلا مشروع شهادة ينتظر التحقق.
إذا كان هناك من نقاط حققها الإسرائيلي فهي وللأسف نلاحظها أولاً في الوساطة المصرية الجاهزة غبّ الطلب، كلما احتاجها الإسرائيلي، ومعها مواقف فلسطينية لا ترى نفسها طرفاً في هذه المواجهة.
تحتاج غزة وأصحاب القرار فيها لإدراك أنّ الجغرافيا لا تعمل باتجاه واحد، وأنّ مصر وإنْ كانت المتنفس الوحيد الذي تحتاجه غزة، ولا يمكن الاستغناء عنها، الا انّ غزة ايضاً ضرورة مصرية، ومصر لا تستطيع الاستغناء عن غزة، الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة العلاقة على هذا الفهم.
خلاصة القول إنّ المسائل القومية والوطنية لا يمكن إدارتها بمنطق الثأر البسيط وإنما بمنطق السياسة وفرض الإرادات واستعمال المُتاح من عناصر القوة…
*سياسي فلسطيني
مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى