أولى

أردوغان وتحديات ما بعد الاستمرارية…

‭}‬ د. جمال زهران*
انتهت المعركة الانتخابية في تركيا، في مرحلتها الثانية، حيث تمّت الإعادة بين قطبين كبيرين هما: (أردوغان ـ أوغلو)، إلى فوز الرئيس الحالي (أردوغان)، بكرسي الرئاسة والاستمرار في الحكم، لمدة 5 سنوات مقبلة. فقد كان الفوز لأردوغان بنسبة محدودة فوق الأغلبية بلغت (52.2%) من إجمالي الأصوات، في مقابل نسبة (47.8%) لخصمه (أوغلو) الذي يمثل حزب المعارضة (الشعب)، وتأييد قوى المعارضة كلها. وفي الجولة الأولى لم يتخطّ كلا الخصمين الكبيرين (أردوغان ـ أوغلو)، الـ 50%، وانْ اقترب أردوغان منها، وابتعد خصمه بعض الشيء، بفارق نحو 3% تقريباً.
الأمر الذي دعا إلى جولة ثانية، أجريت بعد (15) يوماً، وذلك في يوم 28 مايو (أيار)، وكانت النتيجة هي فوز أردوغان بأغلبية بسيطة (52.2%)، وذلك على عكس التوقعات التي أكدت أنّ الفوز سيكون كاسحاً، لأردوغان، وسيكسر حاجز الـ 60%، وهو ما لم يحدث، وبالتالي يطرح ذلك تساؤلات بلا حدود.
وفي المقدمة، فقد كانت الانتخابات حرة ونزيهة، وأجريت بكلّ شفافية في الإدلاء بالصوت، أو إعلان النتيجة، بعد الانتهاء من عملية التصويت التي بدأت في الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً. ومن ثم فإنّ هذه الانتخابات تتسم بالنزاهة وعدم التزوير باعتراف كلّ الأطراف المعنية سواء المرشحون أم جمهور الشعب. وهو أمر بلا شك تفتقره أقطارنا العربية في المجمل العام، ولا يستثنى إلا القليل الذي يحرص على نزاهة الانتخابات في الوطن العربي.
ويتساءل كثيرون: هل نسبة النجاح البسيطة (52.2%)، لها تأثيرات على سياسة أردوغان المقبلة، أم سيستمرّ في سياساته الخارجية التي تتسم بالعدوانية تجاه الإقليم العربي… والركوض تجاه أوروبا سعياً لرضاها عليه وضمه إلى صفوفها.. والتوازن بين الأميركان والروس؟؟
في تقديري، فإنّ نسبة ما حصل عليه من أغلبية بسيطة، ستكون لها انعكاسات على سياساته الإقليمية والدولية، وتفرض عليه ضرورة إعادة النظر في هذه السياسات، كسباً للمستقبل فهو لن يستمرّ إلا المدة الأخيرة لخمس سنوات فقط، وبالتالي لا بدّ من رئيس جديد من داخل حزبه، يستطيع منافسة المعارضة بقوة، وإلا سيتعرّض المرشح الجديد للرئاسة لهزيمة مفجعة أمام المعارضة، ويتهاوى حزبه بشكل فاضح جداً، وبالتالي فإنّ ما بناه أردوغان في تأسيس حزب العدالة، سيتلاشى بعده، وتلك هي الكارثة المتوقعة، في حال عدم إدراك ذلك من اليوم الأول في حقبته الخمسية الأخيرة.
إذن فإنّ الرأي الراجح أنّ أردوغان مضطر تحت ظروف ملحة مستقبلاً، تتعلق بمستقبل حزبه وتياره السياسي الشعبي، وضمان استمراره بنخب جديدة قوية. ومن ثم فإنّ المطروح هو: ما الذي يفعله إقليمياً ودولياً، لكي ينعكس على خمسيّته الأخيرة وحزبه السياسي بالتالي، بالإيجاب؟
أرى أن تصالحه مع سورية أولاً، في إطار مجموعة الخمس دول وهي (روسيا ـ إيران ـ سورية ـ تركيا ـ السعودية)، وتلك الأخيرة انضمّت مؤخراً بعد التصالح السوري السعودي العربي، هو المقدمة لإعادة هيكلة سياسات أردوغان الخارجية. وأن البداية لتحقيق التصالح مع سورية، الذي لن يقبل الرئيس بشار الأسد بأقلّ منه، هو الانسحاب الفوري والشامل لتركيا من جميع الأراضي المحتلة وتسوية مسألة الحدود.
أما المصالحة التالية ستكون مع مصر، وتسوية الأوضاع في ليبيا، واستعادة العلاقات المصرية التركية. فضلاً عن تسوية العلاقات مع السعودية ودول الخليج.
ولذلك فإنّ شرعية أردوغان الجديدة في خمسيته الأخيرة، لا بدّ وأن تستمد من المصالحات التركية مع العرب في المقدمة سورية ثم مصر كبداية للتصالح الشامل مع النظام العربي. وأن التوجه التركي الجديد سيكون إجبارياً تحت الضغوط النابعة من البيئة الداخلية ومستقبل حكم أردوغان وحزبه، والمنافس المقبل على الرئاسة المقبلة بعد خمس سنوات.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى