مقالات وآراء

الراحل حافظ الأسد… موقف وفاء

‭}‬ صادق القضماني
تجسّد القهر في بقعٍ من الأرض العربية، حين اغتصبت في خمسة أيام. حُبِس التاريخ مظلوماً لسنوات. بدا الحال كأنه شهقة موت لجسد مهزوم، (هكذا تمّ ترويج المشهد). في الحقيقة لم تنتهِ القضية، فقد حُبِس نفسٌ عميق لانطلاقة بقوة التاريخ كأساس لطريق المستقبل، فبعثت مع النفَس قوة الحق لتصحيح الطريق.
هي سنوات قليلة بعد هزيمة عام 1967 كان الراحل خلالها يضغط بقوة على القلب ليبعث فيه نبض الحياة. استنهض فيهم المارد من تحت الركام، حركة تصحيحية حرّرت الأمل، استحضرت ذهنية الإنسان العقائدي من جديد، وضعت مخططات بناء سورية الحديثة.
خلال سنوات أنجز بصمت الحكيم بناء جيش عقائدي تجاوز خسارة معركة، ليخوض حرباً تحريرية مصقولة بتجربة الهزيمة، مصهورة بروحية المقدرة، مجبولة بعقيدة الحق القادرة. حرب أعادت قلب العروبة سورية لمكانتها الطببعية.
هو القائد الذي أسّس مستقبل بلده بحنكة قلّ نظيرها، فوضع استراتيجياته الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية ببصيرة العارف لأدقّ التفاصيل. أمام عالم تسيطر عليه مجموعة من البشر لا إنسانية فيهم. لم يغيّره شيء، واحتار خصومه كيف يوقعوه في مصائد الحداثة الاستعمارية وفشلوا. كان ابن هذه الأرض، شجاع وحكيم، متمرّد ودبلوماسي، عاقل في قاموسه لا معنى للتهوّر، لكنه عنيد لا يتنازل، ورحل ولم يوقع.
لم يوقع ليس «قراراً يتيماً»، فهو مؤسّس ذهنية التوازن العسكري الاستراتيجي. ومن الوفاء التأكيد على أنّ واقع الحال الذي نعيشه في زمن «أنّ إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت»، وقوة وإنجازات محور المقاومة في تثبيت سياسة الردع التي أنجزتها المقاومة اللبنانية، وأرست فاعليتها المقاومة الفلسطينية، بحلف مع إيران، تحت خيمة سورية كعمود هذا المحور، هو توازن استراتيجي عميق الأثر في شكل اليوم والمستقبل المنشود.
القائد الذي فرض مركزية اقتصادية، أنقذ بلده من التبعية للاستعمار الاقتصادي الممثل بالبنك الدولي، فجعل أبناء بلده يأكلون مما يزرعون، ويلبسون مما ينسجون، وينالون العلم كحق مكتسب بلا ثمن أو مقابل. فحقق أساس الاكتفاء الذاتي لتسير البلد نحو التغيير على قاعدة (الحداثة بتوأمة مع العقيدة المبدئية). قاعدة حقق فيها الرئيس الدكتور بشار الأسد إنجازات كبيرة، دفعت بالغرب الاستعماري إلى تنفيذ مخطط التدمير الممنهج الذي عايشناه خلال العقد الأخير. قاعدة أفشل القائد الراحل من خلالها كلّ محاولات الاستقطاب من قبل الاستعمار، وهزم خصومه ومنهم ثعلب السياسة كيسنجر، الذي قال عنه، كان وطنياً مقتنعاً أنّ عليه حماية المصالح السورية والعربية. كان مفاوضاً صلباً جداً، اعتبر نفسه مسؤولاً عن قوميته. كان الرئيس الأسد ذو ذكاء استثنائي، وقومي حدّ الشغف، وأعترف قائلاً لقد هزمني حافظ الأسد في الماضي.
أشاد أصدقاؤنا بالقائد الراحل حافظ الأسد، فتحدث الرئيس الكوبي الثائر فيديل كاسترو عن مناعته وذكائه، حيث قال: لم يستسلم الرئيس الأسد في حياته، وعرف كيف يبني لسورية مجدها، وهو من أكثر الرجال شجاعة في العالم. هو قدوة حقيقية وتاريخية، صاحب أفكار صائبة ورؤية مستقبلية عميقة.
سماحة السيد حسن نصرالله، تكلم مراراً عن شخصية القائد الراحل، الرجل الحازم في مواقفه، الدمث، الحريص على مشاركة المقاومة في أدقّ التفاصيل، الداعم للمقاومة، حيث حمل مسؤولية احتضانها.
ومن حديث لنصر الله: نحن نفهم قيمة الراحل الكبير في معادلة الصراع العربي «الإسرائيلي» من خلال التجربة، من خلال المعاناة الميدانية، نقدّر ما فعله لمشروع المقاومة خلال عشرين سنة. أنا شخصياً عشت تجربتين شخصيتين في تموز 93 وصولاً إلى تفاهم تموز، وفي عناقيد الغضب 96 حيث شعرت حرص الرئيس حافظ الأسد على استشارتنا والأخذ برأينا للحفاظ على المقاومة ومشروعها بأدقّ التفاصيل. فاهتمّ بمعنويات المقاومة، وأقول بكلّ صدق إنّ ما أنجز كان لمصلحة المقاومة. في تلك المفاوضات أيّ نص يمكن أن يؤذي المقاومة نفسياً أو معنوياً أو ميدانياً كان ممكن أن يُعطل لأيام وحرص على عدم الرد عليها لأيام.
هو القائد الذي قال: «سنعيش سادة أحراراً، لا يتحكم فينا مستعمر ولا مستبدّ»، وعلى هذه القاعدة قاد كرأس للهرم في سورية مسيرة حكمه، ليجعل من كلّ تفصيل حجر أساس يبقي سورية عصية على الهزيمة، وأساس في إعادة ترميم أيّ عدوان.
إنّ روح القائد الخالد حافظ الأسد خيمة صمود سورية وسَيرها باتجاه نصرها المحتوم، فهو مهندس العلاقات الاستراتيجية، والأساس لذهنية الرئيس الدكتور بشار الأسد حين قال: «في حسابات الربح والخسارة، ثمن المقاومة أقلّ بكثير من ثمن الإستسلام».
إنه الرئيس الذي لم يتنازل عن شبر من الأرض في الجولان، ورحل ولم يوقع، وسيكمل الرئيس الدكتور بشار الأسد تحرير كلّ شبر احتلت خلال الحرب الكونية على سورية، وسينتصر شامخاً كشموخ قاسيون وجبل الشيخ.
كلمة وفاء من مواطن عاش تحت نير الاحتلال سنوات شبابه، وكان مؤمناً أنّ الموقف الصلب للرئيس الراحل حافظ الأسد حقيقة لا يُعلى عليها.

*أسير محرر من المعتقلات الصهيونية (الجولان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى