أولى

دبلوماسية الجباية…

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
في المرحلة الأولى من الربيع الزائف تعاونت تركيا مع دول البترودولار العربية في سورية لإسقاط النظام وكالت مجموعة دعم الربيع العربي لدمشق وحكومتها كل ما يمكن أن يُساق من التهم والشتائم، وفي حين كانت دول البترودولار العربي تصرف الأموال والتي وصلت الى أرقام تتجاوز قدرة الإنسان على تصوره، كانت تركيا تستفيد وتتربّح من الأزمة في سورية إنْ باقتطاع حصتها من المبالغ السخية التي بذلها هؤلاء، وإنْ باحتلال الأرض وتفكيك المصانع وتجارة الآثار، وإنْ بما تبتز به أوروبا من استعمال فزاعة الهجرة السورية وتقاضيها أجور استضافتهم. ولكن في المرحلة الثانية من الأزمة التي أثبت النظام فيها أنه عصيّ على السقوط وصامد ومستمر في مقاومته لمشروع إسقاطه وإسقاط الدولة السورية برمّتها، شحّت أموال الدعم العربي (البترودولاري) وانقلبت مشاكل المشروع التركي ـ الاخواني الذي كان مدعوماً من الثنائي أوباما ـ كلينتون، مع إدارة الرئيس دوانالد ترامب رأساً على عقب وثم انعكست على شكل خصومات بين حلفاء هذا وذاك، وأصبحت الخصومة حادة بين تركية وقطر من جانب والسعودية والإمارات في الجانب الآخر. ففي عام 2016 جرت محاولة جادة من الجيش التركي للإطاحه بأردوغان وبتجربته، ولكن هذا الأخير بما يملك من شجاعه ورباطة جأش وسرعه مبادرة، استطاع أن يقلب الأمور لصالحه، ووجد فيها فرصة لا تعوّض للقضاء على خصومه، ولإعادة بناء مؤسسة العسكر والتي طالما كانت هي الدولة لسبعة عقود من الأتاتوركية…
أشارت التحقيقات الى ضلوع الإمارات في تمويل ودعم الانقلابيين والى دور لعبه ضيوف الإمارات وخاصة القيادي الفتحاوي محمد دحلان في تقديم الدعم المالي والمعلومات، وانْ ذلك كان بدعم أميركي واستثمار لشخص خصم أردوغان الألدّ فتح الله غولن، مما فتح باب العداء بين البلدين.
السعودية بدورها ارتكبت فعلة (جريمة) غير مسبوقة باستدراج الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي من الولايات المتحدة إلى القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث انتظرة رجال الأمن السعودي الذين قاموا بتقطيعه بمنشار ووضع أجزاء جسده في حقائب (صناديق) دبلوماسية وشحنها للرياض، اتهمت تركيا الدولة السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان، وكادت لو استمرت بادّعائها أن تطيح بأحلامه بالعرش. وأذلته قضائياً وإعلامياً إلى أن تقاضت الثمن ووافقت على أحقية القضاء السعودي في النظر في هذه القضية، لكن المصلحة هي الأساس عند أردوغان، وللمال قدرة السحر على حلّ المشاكل واستبدال العداء بالصداقة، وهذا ما رأينا بعضه وسنرى باقيه في بضعة أيام، رأينا بعضه في حفاوة استقباله في جدّة وفي الاتفاقات الاقتصادية والتجارية ـ العسكرية المعلنة التي وقعها مع السعودية، وفي صفقة شراء الطائرات المُسيّرة، ولنقدّر وانْ كنا لا نعلم ما لم يعلن عنه من اتفاقات التعاون الأمني والاستخباري، وسوف نرى في المحطة الثانية ذات القدر من الحفاوة عندما يحلّ ضيفاً في أبو ظبي وما سيحصّله من أموال سوف تساعد الاقتصاد التركي وتعيد لليرة التركية شيئاً من قيمتها.
هذا في حين يتراجع التفاؤل الذي أشاعته نتائج الانتخابات التركية تجاه العلاقات السورية التركية، فأردوغان لا يمانع بلقاء الرئيس السوري بشار الأسد، ويبدو أنه قد تراجع عن وعده للمعارضة السورية بالصلاة في جامع بني أمية الكبير في دمشق، ولكنه يضع بشكل مسبق العقبات أمام اللقاء الرئاسي أو حتى ما هو دون ذلك بالمستوى، اذ يؤكد ان لا انسحاب تركياً من الشمال السوري وأنّ التواجد التركي له وظائفة السياسية والأمنية والأخلاقية، إذ انه يهدف الى مكافحة الإرهاب وعصاباته وبالطبع للأكراد أيضاً وميولهم الانفصالية.
حتى كتابة هذا المقال لا تزال جولة أردوغان في محطتها الأولى، في جدة والتي سيغادرها الى الدوحة ثم أبو ظبي. هكذا ينقلب أردوغان على جري عادته، ويحرك بيادقه نحو السعودية وقطر والإمارات لجباية الأموال، وكلّ ذلك لا يتمّ برؤية سياسية كان يجب أن تكون تجاه سورية والعراق…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى